عكست تصريحات صفوت عبد الغنى بالأمس، حول المصالحة مع النظام، الحالة التي يمر بها ما يسمى ب"تحالف دعم الشرعية"، إذ إن أزمتهم الحقيقية هي أن عامل الوقت الذي يلعبون عليه بانهيار النظام بفعل الأزمات الاقتصادية الطاحنة هو ذاته ضدهم، إذ يفقدون أعضاء جددا بفعل القبض عليهم أثناء فعاليات التظاهرات الأسبوعية، أو بفعل التسرب من التنظيم بسبب عدم الرضا عن سياسته، أو بسبب المحيط الاجتماعي، ما وضعهم بين طريقين، إما المماطلة واللعب من جديد على رهان الوقت الذي سبب كوارث فادحة، ما يهدد بغلق تام لباب الحوار ليتضاعف عدد ضحاياهم، وفي نهاية المطاف لن يحصلوا على شيء، وإما القبول بما تم رفضه والسير فيما سار فيه حلفاؤهم القدامى، "السلفيون" مع خارطة الطريق. الإخوان تخشى من خلخلة بنيتها التنظيمية حال قبلت بخارطة الطريق التي وضعها الجيش، لأنها حينما أدارت المواجهة مع الدولة وضعت نصب عينيها شرائحها التي نجحت في حشدها بالالتهاب العاطفي لإرهاق الدولة وإجبارها على التفاوض، وشغل القواعد بمعارك جانبية حتى لا يفكروا بمحاسبة قياداتهم، كما وضعت ضغوط حلفائها الآخرين من الجهاديين والجماعة الإسلامية عليها بعد أن جرتهم جميعًا للمعركة، لكنها تدرك أنه لا مستقبل لحشودها ولا بديل لها عن الانصياع للدولة. الانصياع للدولة في العقل الإخواني الآن معناه تصدع التنظيم، وتعرض فكرتهم للانطفاء، وتعرضهم للإجابة عن أسئلة المستقبل مثل موقعهم من الدولة الوطنية. من أبرز الأسباب التي تجعل قيادات الإخوان تلعب على وتر مبادرات جديدة للتصالح، هو اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حيث تبحث الجماعة عن مكان لها، وبالطبع لن تفوت الفرصة، ولن تسمح لنفسها بأن تبعد عن المشهد السياسي طيلة 4 أو 5 سنوات، مما سيدفعها نحو البحث عن مخرج يتمثل في النظر في المبادرات جيدا، حيث ستفكر الجماعة 100 مرة، قبل أن تقبل على رفض أي مبادرة مطروحة، حيث سيجعلها تفقد الفرصة الأخيرة لها. ومن بين الأسباب أيضا، افتقاد مظاهرات الإخوان لبريقها، نظرا لأن أغلب أنصار الجماعة لم يعد يستجيب لدعوات الجماعة، فبعد 7 أشهر من التظاهرات والاعتصامات، لم يتحقق أي جديد على الساحة، بل ظل عناد الإخوان في عدم قبول أي حل ينقذ البلاد مما يجعل كثيرا من أنصارها يعزف عن المشاركة في فعالياتهم. السبب الثالث هو ضغط بعض الأحزاب المكونة للتحالف على الإخوان، من أجل البحث عن حل سياسي، بعد أن تيقنت أن التظاهر وحده لا يكفى لتحقيق الأهداف، ومناشدة عدد من أحزاب التحالف، وفي مقدمتهم الجماعة الإسلامية، وحزب الوسط، وحزب الوطن ضرورة تقديم تنازلات، كى نصل إلى نقطة مشتركة، وهو يعد ورقة ضغط على جماعة الإخوان كى تقبل المبادرات. أيضا من ضمن الأسباب، هو أن الجماعة تعلم جيدا أن محاولاتها الخارجية للضغط على الدول لقطع علاقاتها بمصر غير مجدية، وكذلك محاولات الإخوان لا سيما في تقديم دعاوى دولية، فهى تعلم أن حبال المحاكم الدولية طويلة، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، حيث ستتعامل الدول مع رئيس منتخب، مما سيشهد تغييرا نوعيا في التعامل وتصبح كل الجولات الخارجية للإخوان ومناشدتهم العالم بعدم الاعتراف بالنظام سرابا. السبب الأخير هو فقدان الجماعة السيطرة على شبابها، الذي أصبح بعضه يكفر بالسلمية، ويرى العنف الطريق الأمثل له، مما أدخل الجماعة في ورطة كبيرة، وجعلها تفكر في البحث عن حل، كما أن هناك تذمرا من جانب الشباب من هروب قياداتهم إلى الخارج ليدعوهم إلى التظاهر من خارج البلاد، والضحايا الذين يسقطون هم من الشباب فقط. مشكلة الإخوان الحقيقية أنها صنعت أزمتها بأيديها هذه المرة وبفعل محاولتها الاستحواذ على مقدرات دولة بحجم مصر، فكلما كانت تقع في محنة تعود لحضن الشعب بخطاب تعرضها للظلم فتعود كما كانت إلا هذه المرة التي تواجه فيها غضبة شعبية لا مثيل لها، كما أنها جمعت كل الجماعات الإسلامية معها في سلة واحدة مما عمق أزمتها، لأنها أرادت أن تختبئ خلف ما يسمى ب"تحالف دعم الشرعية"، الذي يجمع أكثر من جماعة إسلامية لينقذوها من تلك المحنة الأصعب. وقد قدم تحالف الجماعات مع الإخوان أكثر من تشخيص ومبادرة على المقاس الإخواني، منها مبادرة الجماعة الإسلامية، ومبادرة جماعة الجهاد، وفي نهايتها تخلوا عن مرسي، لكنهم كلهم كانوا يريدون النظام أن يجبر على الجلوس على مائدة التفاوض مع الجماعة وليس قبول الدولة بالصلح واعتذار تلك التنظيمات عما جرى بعد 30 يونيو، وربما اكتشفوا أن خطتهم لتخريب خريطة الطريق قد فشلت بهذا المنطق، بعد أن أعلن أكثر من مسئول مصري أن مبادرات التصالح مع جماعة الإخوان بيد الشعب المصري وليس الدولة، وأن عليهم أولا إدانة الأعمال الإرهابية و"غسل أياديهم" من الدم. أخيرا فإن ما يتحدث عنه عبد الغني هو محاولة لعمل حراك فكري بين التنظيمات الإسلامية للحديث حول المصالحة، قبل إطلاقهم مبادرة حقيقية للاعتذار والتراجع إلى الخلف. مصدر الخبر : البوابة نيوز