سعدت وسعد غيري من المصريين المغتربين بما أُعلِن قبل فترة عن مشروع لبيع أراض للمصريين العاملين بالخارج، بهدف إقامة مساكن لهم في مصر وسعياً لإشراكهم في تنمية وبناء مصر ما بعد الثورة. وقد سيق هذا الكلام في إطار محادثات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي. ولم يمض وقت طويل إلا وأعلن وزير الإسكان الدكتور فتحي البرادعي عن تفاصيل المشروع، لنكتشف أنه مشروع صادم بكل المقاييس. وطبقاً لما نشرته الصحف على لسان الوزير فإن سعر المتر في تلك الأراضي التي تم اختيارها سيكون 500 دولار للمتر بمدينة القاهرةالجديدة و675 دولاراً بمدينة الشيخ زايد و420 دولاراً في دمياطالجديدة و250 دولاراً بمدينة بدر و200 دولار بألمانيا الجديدة، وسيكون الحجز بالأسبقية بحيث يتم دفع 50% من ثمن الأرض كمقدم وال50% الأخرى تقسط على دفعتين في سنتين وفي حالة دفع ال50% الثانية مقدماً يحصل الحاجز على 10% خصماً من الثمن. وستتراوح المساحات بين 700 و1200 متر للقطعة الواحدة. وقد شاهدت وزير الإسكان يتحدث بانشراح كبير عن المشروع في التليفزيون باعتباره مشروعاً ثورياً ربط أبناء مصر بالخارج بالوطن وتلبية مطالبهم المتكررة بالتملك في أرض مصر، وخاصة بعد أن تم تحقيق مطالبهم بالتصويت في الانتخابات الأخيرة (على حد قوله). وأستطيع أنا والكثيرين غيري من المغتربين أن أؤكد للوزير أن المشروع هو الأسوأ من نوعه والأكثر ريبة بين المشروعات التي تتبنَّاها الحكومة. فأصحاب فكرة المشروع يستغلون مشاعر المغتربين وحنينهم للعودة إلى بلادهم بشكل غير أخلاقي. حتى وإن تم تزيينه بغلاف يبدو لمن لا يعرف شيئاً أنه مقبول. وأتحدى الوزير وهيئة الخدمات الحكومية التي استند إليها في تقدير أسعار هذه الأراضي أن يكونا على علم ببيانات المصريين المغتربين من حيث أعدادهم وتوزيعاتهم ومستويات دخولهم. ولكي نضع الأمر في نصابه علينا أن نعرف أن قطعة الأرض الواحدة في مدينة الشيخ زايد مثلاً سيتراوح ثمنها وفق التسعيرة الحكومية "الثورية" بين 2835000 جنيه و4860000 جنيه. أي أننا نتكلم هنا عن قطعة أرض يقترب ثمنها من نصف المليار جنيه، يفترض أصحاب المشروع أنه في إمكان المغترب المصري. وهم بذلك إما جهلة لا يعرفون شيئاً، أو أن المشروع ليس أكثر من حلقة أخرى في بيع مصر لجهات هم أعلم بها منا. كان يمكن احترام المشروع لو أنه وضع خيارات أوسع تناسب عدة شرائح. فنسبة ضخمة من العاملين بالخارج هم من فئة العمال، والمهنيين. وهناك أيضاً رجال أعمال، ومن الواضح أن مستويات دخول العمال والمهنيين هي خارج نطاق المشروع من حيث السعر أو المساحة. أما رجال الأعمال فهم أكثر قدرة على اقتناص الفرص. وأنا أعرف الكثير عن رجال أعمال مصريين وعرباً أخذوا آلاف الأراضي بأسعار تقل عن 50 جنيهاً للمتر في عصر مبارك. وبالتالي فإن المشروع قد يكون مجالاً خصباً لغسل أموال الفساد والجريمة المنظمة أو لدخول جهات خارجية مشبوهة أو حتى عدوّة، عبر وكلاء وسماسرة يحملون جواز السفر المصري. خاصة وأن السيد الوزير قال أنه لا شروط سوى جواز مصري وتحويل بالدولار من بنك خارجي على حساب في البنك المركزي. حتى إن المذيع سأله: لكن ألا يمكن أن يقوم رجال أعمال في الداخل مثلاً بالشراء وتحويل الثمن من بنوك خارجية؟ فما كان من الوزير سوى أن قال: إن ما يهمنا هو جلب العملة الصعبة؛ لأن السداد سيكون بالدولار. يعني لا مغتربين ولا يحزنون !! أيها السادة القابعون في مجلس الوزراء: من سمح لكم ببيع مصر؟