قد يحصل عديد من رؤساء تحرير الصحف على زيادة في الرواتب إذا تجاوزت الأرباح التشغيلية للشركة الأم التي يعملون فيها 60 مليون جنيه استرليني. لكن توني جالاجر، رئيس تحرير صحيفة "ذي ديلي تلجراف"، أقيل من منصبه. سقوطه المفاجئ هو آخر علامة تفيد بأن الصحف في بريطانيا، على غرار نظيراتها في الولاياتالمتحدة وأوروبا القارية، تعمل على تسريع استجابتها لثورة الإنترنت. يأتي هذا في وقت تسعى فيه صحيفتان أخريان مرموقتان في بريطانيا لضمان مستقبلهما في مواجهة انخفاض الإيرادات من النسخ المطبوعة. فقد وافقت الشركة الأم لصحيفة "الجارديان" على بيع أفضل أصولها، وهي مجلة السيارات "أوتو تريدر"، لتوليد 600 مليون جنيه استرليني نقداً، في حين بدأت صحيفة "الإندبيندنت" مسعى للحصول على مشترين محتملين، بعدما أبدى مالكوها الروس عدم استعدادهم لتمويل خسائرها التي تصل إلى مليون جنيه استرليني شهريا. ويقول أندرو ميلر، الرئيس التنفيذي لمجموعة الجارديان ميديا "إنها صورة مصغرة عن مدى التغير الذي يحدث. إنها فرصة مذهلة".وسواء كانت رابحة أو خاسرة، تتصارع الصحف البريطانية مع سؤالين: أولاً، ما المحتوى الذي ينبغي لها تقديمه للقراء؟ والثاني، كيف ينبغي لها محاولة كسب المال من ذلك، ولا سيما من خلال شبكة الإنترنت. يقول تيم لكهيرست، أستاذ الصحافة في جامعة كنت: "إن الأمر يدور حول القدرة على أن تجعل المنتجات مناسبة ومنسجمة مع الأسواق الحديثة". وسقوط جالاجر كان بسبب المحتوى. كانت "التلغراف" سريعة في تغطية الأخبار السياسية ومتابعة المواضيع في المطبوعات المنافسة، لكن رؤسائها شعروا بأنها كانت تستثمر دون الحد في عروضها عبر الإنترنت، التي من شأنها أن تجذب القراء بعيداً عن مواقع مثل BuzzFeed وUpworthy. ويقول جيسون سيكن، المسؤول التنفيذي السابق في التلفزيون الأمريكي الذي تم تعيينه في أيلول (سبتمبر) الماضي مديراً للمحتوى في "التلجراف"، "منافستنا ليست فقط الصحف". ويتردد صدى تلك الرسالة في الولاياتالمتحدة، حيث استقال المدونان البارزان، عزرا كلاين من "واشنطن بوست"، ونيت سيلفر من "نيويورك تايمز"، وهما يراهنان على أن القراء سينتقلون معهما. وقال سيكن "إن الصحافيين في "التلجراف" سيُعطَون مزيداً من الحرية لكتابة مقالات أصلية، لكنه لم يقدم أي تفاصيل. لكن صحفاً أخرى وجدت أن المحتوى القوي على شبكة الإنترنت لا يشكل ضماناً لزيادة الإيرادات. مثلا، صحيفة "الجارديان" التي تعتبر في طليعة الصحف في الكشف عن قرصنة الهاتف، والويكيليكس، والرقابة على الإنترنت، تشهد تراجعا بمقدار الربع في إيراداتها منذ عام 2008. وعلى الرغم من نمو إيراداتها الرقمية، إلا أنها تشكل أقل من ثلث مبيعاتها. حتى "ميل أونلاين "MailOnline، الصحيفة الإلكترونية الأكثر زيارة في العالم بحسب بعض المقاييس، زادت مبيعاتها العام الماضي بمعدل أقل من معدل الانخفاض في مبيعات شقيقتيها المطبوعتين، "ذي ديلي ميل" و"ميل أون صنداي". وبحثاً عن نمو الإيرادات، تسعى كل من "الجارديان" و"ميل أونلاين" إلى التوسع عالمياً لبناء عائداتها من الإعلانات. وأطلقت كلتاهما طبعات رقمية في الولاياتالمتحدة وأستراليا. وتفكر "ميل أونلاين" كذلك في الدخول إلى سوق اللغة الإسبانية في المملكة المتحدة، وفقاً لفيكونت روثرمير، رئيس مجلس إدارة شركتها الأم، DMGT. والأنموذج المنافس عبر شبكة الإنترنت – الذي تتبعه "ذي صن" و"التايمز" و"التلغراف" و"فاينانشيال تايمز" – يعتمد على الاشتراكات. وسجلت "ذي صن"، الصحيفة الأكثر مبيعاً في بريطانيا، أكثر من 100 ألف شخص في خدمة الاشتراك التي تشمل أهم الأخبار السريعة عن كرة القدم. وبعد أربعة أشهر كانت هذه الاشتراكات تولد إيرادات تبلغ نحو عشرة ملايين جنيه استرليني سنويا، مقارنة بإيرادات النسخة المطبوعة من "ذي صن" التي تبلغ نحو 250 مليون جنيه استرليني. ومع ذلك، بعض الاشتراكات الرقمية إضافة إلى سوق الإعلان الأقوى يعنيان أن المزاج حول الصحف "ليس متشائماً كما كان عليه"، كما يقول دوجلاس مكابي، المحلل في شركة إندرز للتحليل. ويبحث الناشرون أيضاً عن مصادر إيرادات بديلة، بما في ذلك الأنشطة المتعلقة بالأحداث الحية والأعمال الرقمية الأخرى، مثل Wowcher، مزود الحسومات على شبكة الإنترنت، التابع لمجموعة DMGT، الذي سجل في العام الماضي إيرادات بلغت 14 مليون جنيه استرليني. ويقول مكابي: "هذا النهج القائم على المحافظ بدأ في الظهور الآن، ويعتبر معقولاً". ويضيف: "الخوف الأكبر يكمن في أنها لا تكرر النطاق الواسع لأعمال الأخبار التقليدية". وتعتمد الصحف الخاسرة على الجيوب العميقة لشركاتها الأم لتسير بها خلال التحول الرقمي، على الرغم من أن المالكين الكرماء في الماضي يطالبون بصورة متزايدة بطريق يقود إلى شبه الربحية. ولدى مجموعة الجارديان الإعلامية نحو 850 مليون جنيه استرليني في صناديقها الاستثمارية، في أعقاب بيع حصة تقدر بنسبة 50.1 في المائة في مجموعة تريدار الإعلامية لمصلحة مجموعة أباكس للأسهم الخاصة. و"الإنديبندنت" في وضع أقل ملاءمة، وهي تسعى مع مالكها، ألكسندر ليبيديف، إلى إيجاد مستثمرين جدد وسط أقوال بأن ليبيديف يعاني صعوبات في أخذ السيولة إلى خارج روسيا. وقد ابتكر ليبيديف بنجاح في النسخة المطبوعة منذ عام 2010 وأصدر نسخة أنحف من "الإنديبندنت"، تباع مقابل 20 بنساً. لكن لا يزال على "الإنديبندنت" إيجاد مستثمرين جدد، ما يوحي بأن اللعبة الحقيقية لا تزال على شبكة الإنترنت.