سيطر الصراع السياسي والقبلي الدائر على الحكم بدولة جنوب السودان الوليدة، على اهتمام مختلف الأوساط الدولية والإقليمية، في محاولة منها لإنقاذ دولة الجنوب، التي لاتزال تحبو بخطواتها الأولى لترتقي لمصاف الدول، وتحقق آمال شعبها الذي عاني الكثير من ويلات الحروب والصراع والعنف القبلي بالسودان قبل الانفصال. وفي خضم الحرب الدائرة بين قوات الجيش الشعبي "بجوبا" الموالية للرئيس سلفاكير، وبين القوات المنشقة عن الجيش الشعبي وأيدت نائب الرئيس السابق رياك مشار، ظهر على السطح مصطلح "الجيش الأبيض" المنتمي لقبيلة" النوير" التي ينتمي لها مشار، وأعلن هذا الجيش وقوفه بجانب مشار ضد قوات الجيش الشعبي، مما أعطى مشار قوة للوقوف في وجه سلفاكير. وارتبط اسم "الجيش الأبيض" بذكريات أليمة جعلت منه مجموعة مرعبة، وظهر إلى السطح إبان الانقسام الشهير في الجيش الشعبي عام 1991 بقيادة رياك مشار، وحينها هجمت مليشيا "الجيش الأبيض" على مدينة بور وقرى الدينكا بولاية جونجلي، وخلفوا أعدادا كبيرة من القتلى والمشردين. ومن هنا ساد الذعر مدينة "بور" أول أمس، بعد أن هاجمت مليشيات "الجيش الأبيض" قرية "ماثيانق"، التي تبعد 29 كلم من بور عاصمة ولاية جونجلي، ودائما ما يسبق الهلع تحركات المليشيا المنسوبة للنوير والتي تنسج حولها الكثير من الأساطير والأعمال الوحشية. وعرف عن قبائل النوير أنهم غزاة لا يملون الترحال، ويمتاز مقاتلوهم بالشراسة ولم يتقيدوا طوال تاريخهم بنقطة معينة لا بالضرورة ولا بالإحساس، وهو ما يجعل السيطرة على "الجيش الأبيض" أو التحكم فيه ضربا من الخيال. وتحكم أساطير وتعاويذ مقدسة قبيلة النوير ثاني أكبر القبائل في الجنوب بعد الدينكا، وتعتد القبيلة بأكثريتها وشبانها المقاتلين، حيث يمر أطفال النوير بمرحلة الرجولة عبر امتحان قاس وسلسلة من الطقوس، وهم في سن 14 إلى 16 عاما. وتطابقت روايات لمثقفين جنوبيين من النوير وقبائل أخرى، حول وجود رابط تاريخي لتكوين الجيش الأبيض، متعلق بكبير كجور النوير "مون دينق" الذي تنبأ باندلاع حرب يوما بين الدينكا والنوير. وتعد تعويذة "الكجور" رمز ديني بجنوب السودان يمارس السحر والشعوذة، وحسب المثقفين، فإن التعويذة صدقتها الأغلبية وعششت في عقول شباب "النوير" الذين شكلوا "الجيش الأبيض" لحماية القبيلة من الخطر القادم، وظل الجيش كامنا بمنطقة "أكوبو" بولاية جونجلي. ودائما ما تكون نبوءات "الكجور" عند النوير من الحقائق التي لا تقبل الأخذ والرد، حيث تسلم رياك مشار قبل أكثر من عام "عصا تاريخية" لجده من بريطانيا، وتحاك حول العصا أسطورة مفادها أن النوير سيحكمون الجنوب وسيحكمهم رجل ذا فلجة بملامح تنطبق على مشار. لكن رواية أخرى تشير إلى أن "الجيش الأبيض" كون إبان الحرب الأهلية بالسودان، كجيش مواز "للجيش الأحمر" الذي كونته الحركة الشعبية بزعامة الراحل جون قرنق المنتمي لقبائل الدينكا المنافسة. واستخدم "رياك قاي" الذي عمل رئيسا لمجلس تنسيق الولاياتالجنوبيةبالخرطوم قبل انفصال الجنوب هذا الجيش لمساندة الشمال إبان الحرب مع الحركة الشعبية بقيادة قرنق. كما تؤكد الروايات إن اسم "الجيش الأبيض" أطلق بسبب جنح أفراده لطلاء أبدانهم بالرماد بعد إحراق روث الأبقار، لحماية أجسادهم من لسعات الناموس والحشرات. ولقبائل "النوير" طقوس غريبة منها أن الابن الأكبر عندما يموت والده يرث كل زوجات أبيه إلا أمه، ومن ينجبه من الأولاد منهن يعتبرون إخوة وليسوا أبناء، وهذه من الأسباب التي منعتهم من اعتناق المسيحية التي تحرم تعدد الزوجات.