قد نسمع أحياناً أشخاصا ممن نصفهم بالعنصريين وهم يتهكمون ويسخرون من شعب أو حضارة لا ينتمون إليها.. حضارة يرونها أقل من حضارتهم.. أما أن نرى ونسمع شخصًا يسخر من حضارة وطنه ويتبرأ منها ويتهكم على من ينسبون أنفسهم إليها .. فإن هذا لا يحدث غالبًا سوى في مصر. أمّا الحضارة محط السخرية والاستهزاء فهي الحضارة المصرية القديمة ( الفرعونية ) .. أما المستهزئ والمتبريء فهو الداعية الإسلامي الدكتور وجدي غنيم. الدكتور وجدي خرج علينا بحديث له يسخر ممن ينسبون أنفسهم للحضارة الفرعونية ويصفون أنفسهم بأنهم أحفاد الفراعنة عاقدًا مقارنة في غاية الغرابة بين الكعبة الشريفة والأهرامات .. مؤكدا أن فرعون موسى الذي كفر برسالته هو باني الأهرامات رغم أن بناة الأهرام ينتمون إلى الدولة القديمة ومعروفة أسماؤهم بدءًا من الملك زوسر في الأسرة الثالثة ومرورًا بالملك سنفرو والملوك خوفو وخفرع ومنقرع من الأسرة الرابعة.. في حين أن فرعون الذي ذكرت قصته في القرآن الكريم غير معروف في أي أسرة عاش تحديدًا وان كان علماء الآثار والباحثين يرجحون انه عاش ما بين الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة.. أي أن فرعون موسى كان من الأسرة الحديثة في الفترة من( 1580: 1150 ).. أي بعد عصر بناة الأهرام بقرون عدة.. وحتى لو افترضنا جدلًا صحة كلامه من أن بناة الأهرامات هم ذلك الشخص الذي اختصرته في فرعون موسى.. هل يعني ذلك أن جميع حكام الدولة المصرية القديمة كانوا كفارًا فاسدين؟ حسنا سأفترض معك أنهم كانوا جميعًا فاسدين.. هل يعيب ذلك المصريين القدماء الذين عاشوا تحت حكم هؤلاء الكفرة - على حد وصفك ؟-. ألم تحتضن مصر رسالة يوسف وموسى وعيسى ومحمد.. ألم يؤمن المصريون بالرسالات السماوية وحافظوا عليها وساعدوا على نشر كلمة الله.. ولماذا في قصتك ذكرت فرعون ولم تذكر زوجته آسيا التي آمنت برسالة موسى ووعدها الله منزلا في الجنة؟؟؟. وردًا على مقارنتك العجيبة بين الانتماء إلى سيدنا إبراهيم و الانتماء إلى فرعون أقول لك.. ليس العرب جميعًا من نسل سيدنا إبراهيم وليس كل من سكن الجزيرة العربية من نسل إبراهيم كذلك نحن أيضا كمصريين لسنا جميعا من نسل إبراهيم. وأرجو منك أن تجب عن سؤالي هذا: هل نفهم من كلامك أن الذين ينتسبون إلى نبي الله إبراهيم يكونون أعلى درجة أو درجات عن غيرهم ممن لا ينتسبون إلى نسل إبراهيم ؟ أو لم يقل الرسول الكريم ( لا فضل لعربي على أعجمى إلا بالتقوى)، قال بالتقوى وليس بالنسب وإلا فإن مسلمى الهند وأفغانستان وباكستان ومسلمى أوروبا وأمريكا ومسلمى الأمازوخ في دول شمال أفريقيا الشقيقة كلهم معلنون لأنهم ليسوا من نسل إبراهيم عليه السلام... ثم لماذا تستنكر انتسابنا إلى حضارة كان أحد حكامها كافرًا رغم أن ( آزر ) والد إبراهيم عليه السلام كان كافرًا ولم يؤمن بدعوة ابنه.. كذلك كان (ابو لهب) عم سيدنا محمد، كافرًا ولم يؤمن برسالته.. هل على العرب أن يتبرأوا من حضارتهم من أجل ذلك.!!! سيدي الفاضل دكتور وجدي غنيم .. قصة فرعون وأنت أدرى مني بذلك، بما لك من باع طويل في الدراسات الإسلامية فضلا عن كونك من حفظة كتاب الله.. فإنك تعلم أنها قصة من قصص القرآن الكريم التي تليت ليتخذ منها المسلمون العبرة والموعظة.. وأن فرعون جاء في القرآن الكريم رمزًا لكل حاكم فاسد وكافر ومدعٍ للألوهية ولم تروِ إهانة شعب وحضارة تمتد جذورها في أعماق التاريخ الإنساني ولها إسهاماتها في تقدم البشرية. ولن يعيب مصر أو المصريين شيئًا من أن بعض حكامها كانوا فاسدين.. فالفساد ممتد عبر التاريخ وضارب بجذوره في كل البلدان والحضارات وحتى فترات الحكم الإسلامي شهدت حكامًا فاسدين. أما عن مصر التي تستهزئ بتاريخها فأذكرك بأن سيدنا محمد حين تزوج من مصرية ظلت تحمل لقبها ( ماريا القبطية ) أي ( ماريا المصرية ) و أذكرك أن الرسول الكريم أوصى بأهل مصر خيراً.. وأن مصر ذكرت في القرآن الكريم قبل أن يفتحها العرب بسنوات. وأخيرًا أذكر فضيلتك بأنه ليس هناك ما يمنع من أن تكون مصريا - مسلما أو مسيحيا - بثقافة ولسانٍ عربي .. فلا تعارض بين العقيدة والثقافة متمثلة في اللغة و بين الانتماء لوطن والحفاظ على الهوية المصرية. أقول قولي هذا وأدعو الله عز وجل أن يكون حديثك عن حضارة مصر وسخريتك منها مجرد خطأ قد يقع فيه عالم مثلك وأن لا تكون هناك نية مبيتة لتشويه حضارة وتاريخ مصر لأسباب لا يعلمها إلا الله