داخل مملكة أنوثتي.. كل أنواع المرايا تحملها أياد خشنة قاسية.. مرآة مقعرة تضخم أتفه الخطايا.. ومرآة محدبة تشوه ما ملكه من مزايا.. ومرآة عادية في جيب معطفي أنظر فيها فأرى وجه امرأة غيري بعيون مجهدة ................................................................ لم يعد الأمر محتمل.. ولم يعد هناك شك من أن ثمة من يطاردني.. يتتبع خطواتي.. يراقبني عن كثب على مدار الساعة... يعد عليً أنفاسي... يتبعني كظلي... أينما ذهبت أجدها خلفي بوجهها المتعب الشاحب ونظراتها القلقة المغلفة بحزن عميق.. في بداية الأمر لم أعرها أى اهتمام حتى حين تكرر وجودها في نفس الأماكن التي أرتادها مرات متتالية أرجعت السبب للمصادفة التي تضعها في طريقي... أو بالأصح تضعني في طريقها... حتى رأيتها بالأمس.. كنت انتظر ابنتي داخل سيارتي أمام باب النادي وقد أغلقت زجاج نوافذ السيارة كعادتي تجنبًا لضجيج الشارع وتطفل باعة الورد وعلب المناديل وفجأة وجدتها أمامي رأيت وجهها من خلف زجاج النافذة.. كانت تنظر لعيني مباشرة.. أفقدتني مفاجأة وجودها أمامي القدرة على التصرف... مواجهتها... محاولة معرفة مَن هى؟.. وما الذي تريده مني؟.. وسبب تتبعها لي بهذا الإصرار دون حتى أن تكلف نفسها عناء أن تبقي أمر مراقبتها لي سريا كما هو المعتاد في حالات المراقبة... وقبل أن أفيق من وقع المفاجأة كانت قد اختفت مع ظهور ابنتي أمامي ليحل وجهها الجميل خلف زجاج النافذة محل وجه المرأة الغامضة.. اختفت كأنها شبح تبخر في الهواء... فتحت نافذتي ونظرت إلى الشارع يمينًا ويسارًا دون أن أعثر لها على أثر... لم اتفاجأ فهذه عادتها تظهر فاجأة وتختفي فجأة... - منذ متى بدأت مطارداتها لك؟ سألني المحقق باهتمام نظرت إلى زوجي وأجبت... لا أعلم بالظبط.. يمكن شهر أو أكثر عاد يسألني ثانية - هل حاولت أن تؤذيكِ أو تؤذي ابنتك لا لم تفعل.. على الأقل حتى الآن أشار إلى شاب يجلس على أريكة في مواجهة مكتبه - أتفضلي حضرتك مع أستاذ أحمد... عايزك توصفيله وجه تلك المرأة بدقة متناهية أومأت برأسي موافقة فقد كنت على علم بهذا الإجراء قبل أن يصطحبني زوجي لتقديم البلاغ بعد أن أخبر صديقه الذي تربطه علاقة قرابة بالمحقق عن قصة المرأة التي تراقبني فما كان منه إلا أن نقل القصة إلى قريبه ودبر لنا هذا الموعد معه. وضعت حقيبة يدي على المنضدة الخشبية الصغيرة التي تتوسط المكان بين المقعد الذي أجلس عليه ومقعد زوجي وهممت بالوقوف وإذا بها أمامي.... إنها هى أشرت بيدي في اتجاه النافذة فأسرع زوجي والمحقق وذلك الشاب الرسام ينظرون إلى حيث أشرت كانت هي بنفس نظراتها الغامضة... رأيتها خلف النافذة مد المحقق يده فتح النافذة ونظر يمينًا ويسارًا وكذلك فعل زوجي والرسام قبل أن ينطق ثلاثتهم أين هي؟.. لا أثر لأي امرأة بالخارج هتفت بهم مؤكدة أن هذه هي عادتها دومًا تظهر وتختفي دون مقدمات اقترب زوجي مني آخذًا يدي بين كفيه محاولاً تهدئتي... قبل أن يقترب مني الرسام مطالبًا إياي بمصاحبته أخذ الرسام يسألني عن ملامح وجهها.. عمرها التقريبي كان يسأل عن كل شيء بالتفصيل وكنت أجيبه بكل دقة.. استغرق الأمر ما يزيد على نصف ساعة.. كان زوجي خلالها يتحدث مع المحقق في أمور عدة عن حياتنا وأقاربنا وأشياء أخرى من هذا القبيل. أنتهى الرسام من رسم البورتريه.. تطلع إليّ في تردد لم أفهم سببه قبل أن يضع الورقة أمامي ليطالعني وجهها بكافة تفاصيله... لم اتمالك نفسي من الأنفعال وهتفت إنها هى.. يا لك من رسام بارع. أخذ البورتريه من أمامي وتوجه به إلى مكتب المحقق... همس في أذن المحقق ببضعة كلمات قبل أن يضع البورتريه أمامه على المكتب.. قرب المحقق الصورة من وجهه وتطلع إليها باهتمام.. قبل أن يلقيها أمامه على المكتب.. وبحركة سينمائية أزاح نظارته عن عينيه ورماها فوق الصورة ثم قام بدعك عينيه بكلتا يديه دون أن ينبث بكلمة كأنه ممثل يريد زيادة جرعة الإثارة والتشويق بالمشهد قبل أن يلقى بالمفاجأة التي ستدهش الجمهور. تبادلت وزوجي نظرات قلقة قبل أن يبادر زوجي بسؤال المحقق عما إذا كانت صاحبة الصورة معروفة لديهم أو إذا كانت من صاحبات السجلات الإجرامية الشهيرات... رفع المحقق نظارته عن الصورة ومد يده بالصورة إلى زوجي الذي تناولها بدوره وأخذ يحدق بها وبدأ كأن ثمة ما لا يفهمه... نظر إلى المحقق مستفسرًا... ما معنى ذلك؟ نظر إلى المحقق متسائلاً حضرتك أخبرتي أستاذ أحمد أن هذه هى صورة المرأة التي تطاردك.. كما وصفتها له وكما رسمها هو نعم إنها هى ... لقد أخبرته أنها هى كم هو رسام بارع لأنه استطاع أن يرسم ملامحها بهذه الدقة من مجرد استماعه إلى وصفي لها نهض زوجي كمن صعقته الكهرباء واقترب مني ممسكًا الصورة بيده.. حبيبتي ماذا أصابك؟... أنظري جيدًا إلى الصورة.... إنها صورتك ابتسمت بسخرية.. جذبت الصورة من يده ورفعتها إلى جوار وجهي.. اقتربت من الرسام والمحقق متسائلة هل تشبهني تلك المرأة؟ هز الرسام رأسه نافيًا لا يا سيدتي لا تشبهك نظرت إلى زوجي نظرة جمعت بين العتاب والشك قبل أن يستطرد الرسام مكملاً جملته إنها أنت...... لا يا سيدتي لا تشبهك إنها أنت ترددت الجملة في أذني كأنها طلقات رصاص.. شعرت بدوار شديد كدت أسقط أرضًا لولا يد زوجي التي امتدت إلي سريعًا وساعدني للوصول إلى الكرسي والجلوس عليه... اقترب الشاب الرسام مني سألني برقة إن كنت بخير... لم أعرف بماذا أجيب خرج الشاب من المكتب وغاب بضع ثوانٍ قبل أن يعود ممسكا بيده مرآة... وضعها أمام وجهي ... رفعت عيني إليها فطالعني وجهها.. استدرت خلفي أنظر في كل مكان... اعتدلت في جلستي وأخبرتهم بصوت شبه هامس: إنها هنا ... رأيتها حين نظرت في المرآة. ......................................................................................... .............................................................. تمت