تمثل الخصخصة وبيع الأصول المملوكة للدولة أكبر عملية نهب للثروات المصرية منذ قناة السويس وعصر الخديوي اسماعيل. وقد بدأ البرنامج في منتصف السبعينات بالتضخيم من حجم خسائر القطاع العام وتردي مستوى المرافق والخدمات العامة. وعدم الحديث عن ما فعله أهل الثقة من سوء إدارة وفساد وإهدار للمال العام. دخلت الخصخصة مرحلة جديدة في التنفيذ منذ عام 1991 بصدور القانون رقم 203 لسنة 1991 بشأن شركات قطاع الأعمال العام. ورغم انه في بداية البرنامج كان الحديث عن بيع الشركات الخاسرة فقط الا أن التنفيذ جاء ببيع كل شيء. قدرت بعض الدراسات قيمة شركات القطاع العام في بداية البرنامج بنحو يترواح بين 80 مليار جنيه و 345 مليار جنيه بأسعار سنة 1990. تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء المنشورة نقلا عن وزارة المالية انه بين عامي 1991 وعام 2008/2009 تم بيع 407 شركات من شركات قطاع الاعمال العام وبلغت حصيلة البيع أكثر من 57.3 مليار دولار. على مدى عشرين سنة تم بيع 407 شركات منها 9% في عهد وزارة الدكتور عاطف صدقي، 21% في عهد وزارة الدكتور كمال الجنزوري، 21.6% في عهد وزارة عاطف عبيد و48.4% في وزارة الدكتور أحمد نظيف. ومن حيث قيمة البيع نجد 3.9% في عهد وزارة الدكتور عاطف صدقي، 15.5% في عهد وزارة الدكتور كمال الجنزوري، 11.6% في عهد وزارة عاطف عبيد و 68.6% في وزارة الدكتور أحمد نظيف. لم يتم الشروع في بيع المشروعات المشتركة الا بعد عام 2000 وفي عهد وزارة الدكتور عاطف عبيد وبلغ قمته في عهد حكومة نظيف والتي باعت 76.7% من المشروعات المملوكة ملكية مشتركة. ونتج عن هذه السياسة احالة اكثر من 500 ألف عامل الى المعاش المبكر. لم يتوقف قطار الخصخصة عند الشركات العامة بل امتد للهيئات العامة التي خرجت من الموازنة العامة للدولة وتحول بعضها الي شركات مثل الاتصالات والمياه والصرف الصحي والكهرباء والنقل العام والسكك الحديدية ومصر للطيران تمهيدا لبيعها. وتبعها قطاعا التعليم والصحة حيث انتشرت المدارس الخاصة حتى مطلع الألفية ثم الجامعات الخاصة وكذلك التوسع في العلاج الاقتصادي والمستشفيات الخاصة بحيث امتد مفهوم الخصخصة ليشمل كل القطاعات الاقتصادية. نذكر هنا وقائع الفساد التي شابت البيع والتي اعتبرها البعض أكبر عملية نهب اقتصادي في التاريخ الحديث حيث كتب الاستاذ احمد السيد النجار منذ اكثر من خمس سنوات "إن برنامج الخصخصة الحكومي في مصر قد انطوى على درجة عالية من الفساد وإهدار المال العام. وهو ما يظهر في بعض الصفقات والتي لا يمكن تحميلها لعبدالوهاب الحباك أو غيره وإنما للحكومة بأسرها وللرئيس مبارك شخصيًا باعتباره الرجل الذي يملك سلطات مطلقة في مصر، لأن هذا الأهدار قد تم في كل القطاعات، ولأن حماية المال العام هي من مسئوليات الحكومة والرئيس. كذلك فإن إهدار المال العام في عملية الخصخصة يظهر الفارق الكبير بين أسعار بيع بعض الشركات العامة للقطاع الخاص وبين أسعار هذه الشركات وأسهمها بعد ذلك". لقد كتب الاستاذ احمد النجار ذلك ونشره قبل رحيل مبارك بست سنوات، وفي يناير خرجت الملايين لتعلن موقفها. كما كتب استاذنا الدكتور محمود عبدالفضيل "ولعل الدرس المستفاد من كل هذا وذاك، أنه لابد من تشكيل لجنة فنية عليا لمراجعة التقييمات لحصص رأس المال العام المعروضة للبيع والخصخصة والمعتمدة من قبل لجان البت، من أكبر الخبرات في مجال المحاسبة والمراجعة والاقتصاد والهندسة، لتكون بمثابة "صمام أمان" وضمان للمجتمع لكي يطمئن الجميع إلى حسن التقدير والتدبير معا". لقد دفع النظام في سنواته الأخيرة رجال الاعمال لصدارة الادارة الاقتصادية فوزير الصناعة من القطاع الخاص ووزير الصحة من القطاع الخاص ووزير السياحة ووزير النقل ووزير الإسكان كذلك، وبدلا من تطوير العمل في هذه الوزارات كانت وقائع الفساد التي تم كشفها قبل وبعد ثورة 25 يناير. لذلك شكل الفساد المصاحب لعمليات الخصخصة وكشف القضاء لبعض وقائعه الى تعبئة الجموع الرافضة للنهب والفساد والتي خرجت تطالب برحيل النظام. كما طرح وزير البنك الدولي الهارب محمود محيي الدين مشروع صكوك الملكية العامة الذى اسقطته الحركة الشعبية التي تصدت لوقف البيع، واستطاعت وقف المشروع. بعد ثورة 25 يناير كانت جماهير الثورة تتساءل عن مصير برنامج الخصخصة. ورغم ان تصريحات الفريق أحمد شفيق في تصريحاته بعد تشكيل الوزارة أو الدكتور عصام شرف أعلنت تمسكهم بقوانين السوق الحرة والاتفاقيات الني وقعتها مصر، وهو ما يعني استمرار برنامج الخصخصة. ولكن ظل ذلك الأمر مسكوت عنه الى أن تولى الدكتور علي السلمي البرنامج واكد توقف برنامج الخصخصة. ظل عدد من فرسان مواجهة الخصخصة مثل المستشار يحيى حسين عبدالهادي والمهندس حمدي الفخراني والاستاذ خالد علي عمر المحامي والدكتور جلال أمين وشرفاء آخرين يقودون حملة وقف قطار الخصخصة واستعادة الأصول. وتكللت جهودهم بالنجاح بصدور أحكام قضائية بعودة شركات عمر أفندي والمراجل البخارية وطنطا للكتان وغزل شبين الكوم. ولا تزال النضالات الشعبية تتواصل لاستعادة الشركات التي تم بيعها. ويبقى السؤال الحائر وهو: هل انتهى برنامج الخصخصة ؟ أو هل تم تجميده حقا؟! الحقيقة أنه لم يتوقف وهو مستمر رغم كل التصريحات الرسمية وذلك على أكثر من مستوى: - لا يزال القانون رقم 67 الصادر في مايو عام 2010 والخاص بمشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة ساريا ولم يوقف العمل به أو يلغى!! - لا تزال هناك مماطلة في عودة الشركات التي صدرت بشأنها أحكام قضائية، وممحاكات إجرائية تؤجل عودة الشركات. - لم يجر الحديث عن تقييم كل ما تم بيعه وخصخصته ليس فقط من الشركات بل والمرافق والخدمات العامة. - افتتح الدكتور حازم الببلاوي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية يوم 4 اكتوبر 2011 مائدة مستديرة حول مستقبل الشراكة مع القطاع الخاص في تنفيذ مشروعات البنية الأساسية بنظام الP.P.P بعد ثورة 25 يناير، والتي تنظمها وزارة المالية بالتعاون مع جمعية الأعمال المصرية البريطانية. وقد صرح السيد عاطر حنورة رئيس الوحدة المركزية للمشاركة بوزارة المالية، أنه شارك في فعاليات المائدة ممثلي وزارات الاسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة والصحة والنقل والكهرباء والطاقة وهي الوزارات التي تستعد لطرح عدد من المشروعات في القطاعات التابعة لها بنظام المشاركة مع القطاع الخاص حيث تم عرض خطط الوزارات المعنية الخاصة بإقامة مشروعات للخدمات العامة بنظام الشراكة مع القطاع الخاص، كما شارك عدد من البنوك والشركات المصرية العاملة في مجالات المقاولات والخدمات الطبية وغير ذلك من مجالات إنتاجية وخدمية. - هكذا تتعامل وزارة الثورة مع الخدمات فتعتبر الصحة والمقاولات مشروعات يمكن ان يقدمها القطاع الخاص. وبعد ان نجح القطاع الخاص في احتكار سوق الإسكان ولجوء ملايين المصريين للعشوائيات كحل شعبي لمواجهة ارتفاع اسعار السكن، اصبحت الصحة ايضا والنقل في طريقها لسيطرة القطاع الخاص. - طرحت محطة كهرباء دمياط وتم اسنادها لمجموعة شركات الخرافي بنظام ال PPPأي التشغيل والإدارة على ان يتولى صندوق الاستثمارات ضخ 700 مليون جنيه للتمويل. هكذا يمضي قطار الخصخصة ويمتد من شركات القطاع العام الى المرافق والخدمات العامة، وتدفع الدولة من اموال الشعب استثمارات ليديرها القطاع الخاص فهذا هو التطور الحديث في الخلبصة والمصمصة بعد ثورة 25 يناير. إن التصدي لهذه الهجمة يحتاج إلى: 1. إلغاء القانون رقم 67 الصادر في مايو عام 2010 والخاص بمشاركة القطاع الخاص في المرافق والخدمات العامة. 2. تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة وخبراء من الأحزاب والحركات السياسية والشعبية لمراجعة برنامج الخصخصة علي ضوء رؤية اقتصادية للتنمية في المرحلة القادمة واجراء الدراسات اللازمة لعودة الشركات من الناحية القانونية والاقتصادية. 3. عمل خطة لتعويم الشركات العامة وتطوير الخدمات والمرافق الحكومية في ظل مشاركة شعبية حقيقية في إدارتها والرقابة عليها. 4. تفعيل الحركة الشعبية لمواجهة بيع مصر وإهدار أصولها الانتاجية والخدمية التي هي ملك لكل المصريين، وملك الأجيال القادمة. واستخدام كل وسائل المقاومة الاجتماعية لفضح ووقف برنامج الخصخصة بوجهه الجديد. إن قطار الخصخصة يمضي بسرعة أكبر وعلينا ان نوقفه، قبل ان يدهس ما تبقى من ثروات الشعب المصري. ومستقبل الأجيال القادمة. إن وقف الخصخصة واستعادة الشركات والمرافق خطوة هامة لاستكمال ثورة 25 يناير.