لا شك أن الساحة الثقافية بعد قيام الثورة شهدت حراكاً كبيراً ، خاصة مع ظهور التيارات الإسلامية و تصدرها المشهد السياسي في مصر ، ومحاولاتهم المستميتة و التي تصل الى حد التطرف في بعض الأحيان لمحاربة كل ما هو مدني و غير إسلامي من وجهة نظرهم ، و رمي كل مَن يرفض أفكارهم الرجعية بالكفر و محاربة الإسلام ، فضلا عن نغمة التخوين و العمالة التي باتت متداولة بين الجميع . و في مناخ ك هذا من الطبيعي أن يتصدى المثقفون لتلك الهجمة الرجعية التي طالت كل شئ ، ابتداء من الدستور و الإعلام و الفن وصولاَ الى كافة أوجه الحياة العامة و الثقافية و حتى الإجتماعية ، و عادة في مثل هذا المناخ تظهر الحركات التنويرية و يصبح الحديث عن الثوابت و المسلمات ومحاولة فهمها أمراً طبيعياً . و عندما نتحدث هنا عن المسلمات لا نقصد بها المسلمات الدينية فحسب بل أن التساؤل و التشكيك يطال الثوابت الإجتماعية و التاريخية ايضاً ، كمحاولة لفهم كيف يفكر أصحاب التيار الإسلامي ، و كيف طوعوا الشريعة عنوة لتلائم أفكارهم التي لا تستنكر قتل وسفك دماء معارضيهم ، بل وتبرر الكذب و التزوير مثلما رأينا في أحاديثهم ، و تخوض في أعراض الناس و تشمت في موت معارضيهم ، بل وصل الأمر بهم الى المتاجرة بالجنة و النار في الإنتخابات البرلمانية و الرئيسية و في الإستفتاء على الدستور . كل هذا دفع العديد من المثقفين و التنويرين الى التصدي لهم بوقائع تاريخية تثبت كذبهم و ادعاءتهم و متاجراتهم بالدين لتحقيق مكاسب سياسية ، ومن هنا بدأ الكشف عن الكثير من الحقائق و الحديث عن المسكوت عنه في التاريخ الإسلامي و عادت كتب مفكرين كبار أمثال طه حسين و فرج فودة ونصر حامد ابو زيد تتصدر المشهد ، و ظهرت قراءات قوية لأحداث تاريخية هامة أثبتت فشل الحكم الإسلامي بعد موت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، من أهمها أحداث الفتنة الكبرى التي سبق و كتبت مقال عنها بوصفها أول ثورة مكتملة في التاريخ الإسلامي ، أنتهت بموت الحاكم ( عثمان بن عفان ) رضي الله عنه على يد جموع المسلمين الغاضبين . ومع الدعوة لتطبيق الحدود الشرعية ظهرت كتابات هامة تحلل و تدقق في مسألة تطبيق الحدود خاصة حد الردة ، بل أن رسالة دكتوراه لأحد علماء الأزهر ناقشت موضوع الحجاب الذي أنتشر في مصر في السنوات القليلة الماضية و أثبت بالنص القرآني و الأحاديث الشريفة أن الحجاب ليس فريضة و لم يستطع علماء الأزهر رفض الرسالة او اتهام صاحبها بالزندقة بل أجيزت الرسالة و حصل صاحبها على درجة الدكتوراه . و سواء أتفقت مع بعض ما سبق او أختلفت معه يبقى أنني سعيدة بكل ما يحدث ، فالقدرة على كسر تابوه المسلمات و الحديث بحرية فيما كان محرما الحديث عنه في الماضي هو مكسب كبير قد ينعش قدرة المصريين على التفكير وطرح التساؤلات بعد أن عاشوا طوال السنوات الماضية يمتصون ما تبثه لهم القنوات الدينية من فكر متطرف يهمش المرأة و يرفض الآخر بل و يحرم إعمال العقل في كثير من الأحيان . و من المؤكد أن معركة التنويرين لن تكون بالسهولة التي قد يتخيلها البعض ، فالكثيرين من مَن تلوثوا بأكاذيب دعاة الفضائيات يرفضون فتح أعينهم لمعرفة الحقائق التي ثبتت في وجدانهم كمسلمات و لا آلوم عليهم في ذلك فقد ساهم كل شئ حولنا في ترسيخ الكثير من الأكاذيب التاريخية و تقبل مظاهر التدين الشكلي الذي يحاسب المرء على ملابسه و لحيته و لا يهتم بسلوكه و أخلاقه ، و من المؤكد أن الجهل بالكثير من الحقائق أكثر راحة من المعرفة التي ترهقنا و تعذبنا ، بل و تقصينا عن ما حولنا أحيانا ، فالبعض بكل تأكيد يخشى أن يتلوث بالمعرفة و يفضل أن ينعم ببراءة الجهل و سذاجته ، لذا فالمعركة ستكون طويلة و صعبة و لكن نجاحها ليس مستحيلاً .