كآلاف القرى المصرية تعاني قرية القايات في محافظة المنيا جنوبي مصر من نقص في الوقود والخدمات والمرافق العامة، لكن بقعة مضيئة في هذه القرية كانت سببًا في حصول مصر على جائزة دولية في نخيل البلح. لا يعطي حال المبنى الخارجي الذي يحمل لافتة تشير لافتتاحه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أي مؤشرات عما يجري داخله من جهود، حيث احتضن الطابق الأرضي من المبنى مشروع تصنيع الأخشاب من "جريد النخيل" الذي نفذته الجمعية المصرية لتنمية المجتمع المحلي (إحدى منظمات المجتمع المدني)، وحصل به رئيس مجلس إدارة الجمعية حامد الموصلي الاستاذ بكلية الهندسة جامعة عين شمس على "جائزة خليفة الدولية" بالامارات لنخيل التمر (دورة 2013) عن أفضل مشروع تنموى. وحمل المشروع اسم "مشروع نشر الصناعات الصغيرة القائمة على خامات النخيل". "هذه هي جائزتكم".. كانت هذه أول عبارة قالها الموصلي للعاملين في المشروع من أهالي "القايات"، الذين استقبلوه الثلاثاء الماضي واحتفلوا معًا بالجائزة في مقر المشروع. قال سعد حافظ، من أثرياء القرية المتطوعين لخدمة المشروع "وسط ما نعيشه من أزمات، شعرنا مع هذه الجائزة أن هناك ثمة أمل، لكن بشرط ألا تثنينا الأزمات عن العمل". وتقوم فكرة المشروع، كما أوضح تحويل جريد نخيل البلح إلى أخشاب، عبر ماكينات ابتكرها فريق من قسم هندسة الإنتاج بجامعة عين شمس بالقاهرة. واستطاع المشروع خلال عمره القصير الذي بدأ عام 2010 في تحسين حالة بعض الأسر، غير أنه لا يزال يحتاج لمزيد من الدعم حتى يستطيع تغيير حال القرية بشكل أكبر، بحسب حافظ. وتابع حافظ "قبل تنفيذ المشروع، كان أهل القرية في موسم تلقيح النخيل الذي يبدأ في شهر فبراير/ شباط ويستمر حتى نهاية مارس، يقومون بتقليم النخيل وإزالة الجريد الزائد، وحرقه، أما الآن فقد أصبح مصدرا للأخشاب، وباب رزق لأصحابه". ورغم أن المشاكل التي تعاني منها القرية هذه الأيام لا تبعث على الابتهاج - بحسب حافظ إلا أنه "يكفينا للحصول على بسمة أمل أننا لم نعد نشم رائحة حرق الجريد بسبب هذا المشروع". وقطع الجريد هو الخطوة الأولى نحو إنتاج خشب "باركيه" (يستخدم في تصنيع الأرضيات) و"كونتر" (يستخدم في صناعة الأثاث)، حصل على شهادة دولية من معهد ميونخ للأخشاب بأنه ينافس أجود أخشاب العالم في الجودة والمتانة، كما قال المهندس أحمد مصطفى مسئول متابعة الإنتاج بجمعية تنمية المجتمع المحلي بقرية "القايات". "وبعد قطع الجريد، تأتي الخطوة الثانية وهي تقشير الخوص، ثم تترك الجريدة بعد ذلك لعملية التجفيف، وتبدأ المرحلة الرابعة وهي تقطيعها لثلاث قطع، لتكون مهيئة للدخول على ماكينات تصنيع"، كما أوضح مصطفى. وتابع "تقوم الماكينات بخطوتين مهمتين وهما التسديب، والتجميع، حيث يتم في الأولى تحويل كل قطعة من الثلاثة إلى مجموعة من القطع الصغيرة، تجمع في مرحلة التسديب في شكل مستطيل، لتأتي بعد ذلك خطوة التقصيب التي يقوم بها نجار يعمل على مساواة أبعاد القطعة الخشبية، ليتم بعد ذلك تجميع عشرات القطع مع بعضها واستخدامها في انتاج ألواح الأخشاب". "رغم بساطة هذه الخطوات التصنيعية، إلا أنها لا تزال قاصرة على قرية القايات، في الوقت الذي توجد بمصر 20 مليون نخلة"، بحسب الموصلي. ويطمح الموصلي إلى تعميم التجربة على نطاق أوسع "حتى يمكن الاستفادة من 20 مليون نخلة توجد بالأرض المصرية، وذلك لتوفير 4 مليارات جنيه (659 مليون دولار) تنفقها مصر سنويًا على استيراد الأخشاب من الخارج"، على حد قوله. ويختتم الموصلي "تجربة القايات نموذج لكيف يمكن أن تتم تنمية المجتمع من مورد لديه، فإذا كان مورد هذه القرية هو النخيل، فيمكن أن يكون في قرية أخرى شيء آخر".