في تجارب دول ما أطلق عليه الغرب "الربيع العربي"، بداية بالثورة الشعبية السلمية في تونس ومصر، مرورا بالثورة الشعبية اليمنية التي اختطلت فيها السلمية بالدموية، ونهاية بالمواجهات الدامية في ليبيا وسوريا، كان موقف قيادات الجيش الوطني في كل دولة هو العامل الحاسم في استمرار سلمية الثورة أو في دفعها إلى تمرد دموي مسلح أتاح للخارج التدخل عسكريا والتحكم سياسيا في صياغة شكل النظام في الداخل وفقا لأجندته!. وفي تلك التجارب الخمس كان خيار الثوار أيضا في كل تجربة هو الفيصل بين خيارين، إما الحفاظ على سلمية الثورة وشعبيتها وبالتالي على نجاحها بعد أيام، أو انزلاقها إلى فخ العسكرة فتنزف الدماء في الجيش والمعارضة لشهور وربما لسنوات، ويسقط أبناء شعبها من مدنيين وعسكريين ضحايا بعشرات الآلاف، بما يفتح الأبواب للتدخل الخارجي، فتخسر شعبيتها وربما مشروعيتها، لأن الثورة تظل ثورة حتى تحمل السلاح، أو تستقوي بالتدخل الأجنبي!. وإذا كانت الشعوب لا تنفجر بالثورة إلا في مواجهة ظلم أو استبداد، بعد انسداد القنوات الشرعية التنفيذية والتشريعية والقضائية أمام مطالبها في العدالة الاقتصادية والاجتماعية وفي الحرية السياسية والكرامة الانسانية، فإن سلميتها هو ما يكسبها شعبيتها ومشروعيتها، ويحيد تدخل الجيوش في مواجهتها، بما يرجح نجاحها، بينما اللجوء إلى العنف والسلاح يفقدها شعبيتها ومشروعيتها ويبرر للنظام مواجهتها بالقوة بما يرجح إجهاضها. أقول ذلك كله لنرى الفارق بين مشهدين وبين ما آل إليه في المسارين، سلمية الثورة التونسية والمصرية رغم عنف الشرطة دفعت الجيشين التونسي والمصري إلى رفض إطلاق النار على المتظاهرين السلميين بما أدى إلى سقوط رأس النظام في البلدين والانتقال بالبلاد من الثورة إلى الدولة عبر الاحتكام إلى الإرادة الشعبية بالانتخابات الحرة في الطريق إلى نظام جديد يشارك الشعب في صياغته والنجاح هنا للشعب وللجيش. بينما عسكرة الثورة في ليبيا وسوريا طلباً للتغيير، خصوصا مع التدخل الأجنبي الواضح سعيا لإسقاط النظام، بررت للجيشين الليبي والسوري إلى مواجهتها بالقوة، بما أدى إلى الصراع المسلح والغرق في بحر الدماء، واستدعاء التدخل العسكري المباشر للناتو في ليبيا وغير المباشر في سوريا والذي دفع المدنيون الثمن الأكبر فيه، مع سقوط عشرات الآلاف من الضحايا في الجانبين، بما أدى بالتغيير الى الحرب الأهلية الدامية في الأولى، وإلى الفشل في التغيير في الثانية مع التهديد بالانزلاق إلى حرب أهلية! من هنا يستحق الشعب الذي ثار والجيش الذي حمى الثورة في كل من مصر وتونس التحية والإكبار من كل منصف. ويتوجب على كل عربي مخلص التوجه بنداء مخلص إلى المقتتلين في سوريا من رجال جيش وثوار الارتفاع إلى أعلى درجات المسؤولية الوطنية، والاستماع إلى صوت العقل والحكمة والاحتكام إلى مبادئ الدين والإنسانية، بالاستجابة إلى الوقف الفوري لوقف إطلاق النار من الجانبين والدخول في حوار سياسي لتحقيق مطالب الشعب السوري سلما لا اقتتالا، وذلك لوقف نزيف الدم السوري من المدنيين والعسكريين، ولحماية الوطن السوري من أخطار التدخل العسكري الأجنبي، ولحماية الدولة السورية من التفكك بالانزلاق إلى حرب أهلية يريد أعداء الوطن لسوريا أن تغرق فيها ليس دعما لطرف وإنما سعيا لتحقيق أجندتهم الاستعمارية على حساب كل طرف وصولا إلى مؤامرة التقسيم بعد وضع كل السوريين ضمن مناطق النفوذ الغربية لصالح إسرائيل التي تريد الانتقام من هزيمتها في حرب رمضان، وذلك بالسعي لتفكيك الجيوش العربية، وخاصة الجيشين المصري والسوري. ومن هنا، فإن ما يبعث على الأسف في مصر خصوصا هو ما تعرضت له القوات المسلحة المصرية عموما، وقياداتها خصوصا من مؤامرات خارجية ومكايدات داخلية بذرائع مختلفة بعضها مبرر وبعضها مقرر، لشغلها عن مهامها الوطنية الأساسية في حماية أمن الوطن بمحاولات إغراقها في مواجهات مع شعبها بتحريض بعض الحركات أو المنظمات، بينما هي التي حمت الثورة حينما رفضت توظيفها ضد إرادة شعبها وإطلاق النار على المتظاهرين، فأجبرت رأس النظام على التنحي، وهي التي تولت إدارة شؤون البلاد بعد انهيار سلطات الدولة بأمانة دون رغبة في الحكم، وحملت كرة النار في صبر على المكاره لحماية مصر من أخطار الحرب الأهلية أو التدخل الأجنبي، فوضعت خارطة طريق واضحة للانتقال من الثورة إلى الدولة بالإعلان الدستوري، وعبر أول انتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة وصولا إلى صياغة الدستور الجديد باستفتاء الشعب، رغم ما لقيه ويلاقيه حتى الآن من جحود ونكران من بعض الحركات السياسية والإسلامية، ومن بعض الساسة والمثقفين، رغم تأكيد الرئيس محمد مرسي في يوم إقالة المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان وفي الاحتفال بليلة القدر: "إن قيم الإسلام توجب علينا جميعا الوفاء للأوفياء في القوات المسلحة المصرية الذين حموا الثورة وأقاموا الانتخابات الحرة وسلموا السلطة للبرلمان المنتخب وللرئيس المنتخب".. فتحية للرجال.. وتحية وفاء للأوفياء.