لعل من أبرز التحولات التي جاءت بها ثورة التحولات العربية وأهمها ليس فقط التحول والتغير في بيئة ومكونات ودور وتبدل القوى السياسية، بل التغير في السلوك السياسي على مستوى المواطن حاكماً ومحكوماً . ولا شك في أن لهذا التغير جوانبه الإيجابية والسلبية في مرحلة التحول، والمقصود هنا التحول في السلوك السياسي للحاكم الذي يعد النموذج والقدوة في هذه المرحلة، والذي بسلوكه يمكن أن يؤسس لمنظومة جديدة من القيم السياسية، إما أن تقود إلى التحول السلمي والتأسيس لعقد جديد من الحكم يقوم على تأكيد مقولة كل حاكم محكوم، وكل محكوم حاكم، وإما لتأكيد أو استنساخ أشكال الاستبداد السياسي، وإعادة استنباط الثقافة الأبوية، ولكن هذه المرة تحت مبررات التخوف منه، وهذه هي أخطر أشكال الاستبداد . ولقد لمست هذا التحول في زيارتي الأخيرة إلى مصر، وتابعت من خلال معايشتي المباشرة للمواطن العادي، كم هو حجم هذا التغير، وأن المواطن بدأ يتكلم ويتحدث في السياسة، وبدأ ينتقد تصرفات وسياسات وقرارات يصدرها الرئيس، وبدأ يتساءل عن مصداقية وعوده . إن هذا التحول هو أحد أبرز متطلبات التحول الديمقراطي، لكنه في حاجة إلى ترشيد ونضج أكبر . وهو الذي شدني إلى الوقوف على سلوكيات الرئيس سواء من خلال خطاباته وكلماته والمناسبات التي يحرص على المشاركة فيها، أو من خلال زياراته الخارجية وخطابيه في قمة عدم الانحياز في طهران وفي جامعة الدول العربية الرمز المتبقي من العروبة. وبملاحظة سلوك الرئيس لا شك في أننا أمام نموذج جديد لرئيس لم يتعوده المواطن العادي، مقارنة بالنماذج السابقة، وهذا ما يجعل هذا النموذج في حالة من الاختبار والمصداقية، وأحياناً من التشكيك من قبل المواطن العادي، وهنا تقع المسؤولية المباشرة على الرئيس لتأكيد مصداقية سلوكه، وثباته وعدم تغيره، وهذه أهم قاعدة من قواعد الحكم الرشيد والصالح، فإذا ما صدق الرئيس في سلوكه، فهذا من شأنه أن يكسبه الشرعية والقبول والالتفاف الشعبي، ويجعل المواطن يرى نفسه وسلوكه في الحاكم. والناس لم يعتادوا أن يروا الرئيس يؤم المصلين في صلاة التراويح في المسجد الذي اعتاد أن يصلي فيه بلباسه العادي الذي يلبسه كل مواطن، وهنا قد يذهب ويقول إن الرئيس بإمامته يسعى إلى الخلافة الإسلامية، وهنا على الرئيس إن يؤكد أن لا علاقة لذلك بالسعى إلى الخلافة، وأهمية أن يؤكد في سلوكه الداخلي الحرص على السلوك المدني، وأن مصر دولة مدنية، وأنه رئيس لمصر وليس لحركة الإخوان، وهذا الأمر يضع الرئيس تحت الاختبار والمصداقية مرة ثانية، وأن يبرهن على صدق هذا السلوك بترجمته واقعياً على الأرض. ولا تقتصر ملاحظة سلوك الرئيس مرسي عند البعد الداخلي، ولكن لهذا السلوك بعده الإقليمي والدولي، فهو ورغم إعلانه احترام الاتفاقات والمعاهدات الموقعة بين مصر وغيرها من الدول بما فيها “إسرائيل”، فإنه ومنذ البداية أبدى قوة واستقلالية، ولم يرضَ أن يبقى أسيراً لهذا المعاهدة مادامت تتعارض مع سيادة مصر، والدليل على ذلك تحرك الجيش المصري في سيناء لملاحقة مرتكبي جريمة رفح، وفي هذا رسالة قوية لسلوك مصر القوية . ومن ملامح هذا السلوك أيضاً حضوره قمة عدم الانحياز في طهران كرسالة لاستقلالية القرار عن الضغط الأمريكي، بل وأكثر من ذلك وصفه إيران بالشقيقة، وحسناً فعل لو أعلن عن قيام علاقات دبلوماسية معها كأي دولة عربية أخرى، وفي الوقت نفسه نقده اللاذع لما يقوم به النظام السوري ضد شعبه ومطالبته الرئيس الأسد بالتنحي، رسالة قوية يحاول من خلالها إحياء دور مصر في كتلة عدم الانحياز، وكذلك ذكره لدور الرئيس عبدالناصر . وفي البعد العربي خطابه أمام اجتماع المجلس الوزاري العربي، وحرصه على الحضور لتأكيد دور وهوية مصر العربية، وتأكيده أهمية الأمن العربي ومحورية القضية الفلسطينية، وفي الوقت ذاته لم يغب عن باله العمق الإفريقي لمصر، وتأكيده هذه الهوية، بل ذهب بعيداً في زيارته إلى الصين قبل الولاياتالمتحدة. هذه بعض الملامح التي يمكن رصدها لسلوك الرئيس مرسي، ولكن هذه الملامح والتصرفات لا تكفي من دون إدراك أهمية إحياء عناصر قوة مصر . وهذا لن يتحقق إلا بتكامل السلوك السياسي في كل مظاهره ومستوياته وأبعاده الداخلية والإقليمية والدولية، وكما أن السلوك كل لا يتجزأ، كذا قوة مصر لا تكتمل إلا بالكل المصري . وأخيراً يدرك الرئيس مرسي أن الكل ينظر إليه في الداخل والخارج، لكن السؤال يبقى كيف هو ينظر إلى الأخرين؟ وبأي عين؟ هل هي عين مصر أم عين الإخوان؟