عرف الزعيم الليبي المطاح معمر القذافي أهمية الإعلام في دعم نظامه، لكنه تعامل معه من باب الإفساد لا التوظيف الذي نجحت فيه دول الخليج. واستغل القذافي في بداية حكمه ناصريته، فأقام شبكة علاقات واسعة مع إعلاميين مصريين و سوريين و لبنانيين ، كما استغل – في وقت لاحق – علاقاته الجيدة بدول المغرب العربي ليقيم مراكز أبحاث ومنتديات ثقافية ودور نشر للترويج لسياساته. وطوال الثمانينيات، كان القذافي يقدم دعمًا سخيًا لعدد من الإصدارات الدورية التي تصدر في الرباط و باريس ولندن، غير أن أكثر ما قدمه ذهب الي الساحة اللبنانية، حيث دفع حوالي 10 ملايين دولار لتأسيس صحيفة تعبر عنه.. كما قدم مبلغا كبيرا لأحد الأحزاب القومية المعروفة لإنشاء مدينة رياضية وعلمية ضخمة، حملت اسم الزعيم الليبي التاريخي عمر المختار، والتي اقيم بداخلها ملعب رياضي حمل اسم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر. خلال الفترة ذاتها توثقت علاقة القذافي بعدد من السياسيين والإعلاميين المصريين، وشاع في مختلف الأوساط انه كان يمول صحيفة حزبية أسبوعية ترأس تحريرها صحفي معروف، وكان ذلك بغرض استخدامها في مواجهة السعودية. و قادت الصحيفة، التي تبنت خطا ناصريا خلال عامي 1990-1991، حملة لتدويل الأماكن المقدسة. كما تبنت مواقف مؤيدة للعراق خلال حرب الخليج الثانية، وذلك قبل أن تتوقف عن الصدور نتيجة انقسام حدث داخل الحزب، وقيل وقتها إن قيادات حكومية هي التي وقفت خلف هذا التطور. وخلال فترة التسعينيات، عمق القذافي من وجوده في الوسط الصحفي المصري، حيث ارتبط بعلاقات وثيقة ببعض القوى السياسية ذات التوجه القومي، و شاعت معلومات عن تلقي حزب منها أموالا من النظام الليبي لتمويل صدور صحيفته التي تعرضت لتعثر كاد يوقفها نهائيا. ووفق شهادات من داخل هذا الحزب، فقد زار رئيس تحرير الصحيفة طرابلس وتمكن من الحصول على نحو 150 الف دولار، اقتسمها مع إدارة الصحيفة التي ظلت تصدر، ولكن بشكل أسبوعي . و سن القذافي خلال هذه الفترة سنة سارت عليها أنظمة أخرى فيما بعد، وتمثلت في شراء كميات ضخمة من الصحف التي تتبنى توجهاته، ومن بينها صحف صدرت عن شركات خاصة، وأخرى حزبية ، هذا فضلا عن تمويله كتبًا صدرت حول شخصيته وسياساته. وفي عصر الفضائيات، حاول الزعيم الليبي مواكبة هذا التطور، فسعى لاستقطاب إعلاميين من الوزن الثقيل للعمل في قنوات ليبية، غير أن كثيرين منهم رفض بعدما وجد أن سقف الحرية شبه معدوم، أما من قبل فكان لا يستطيع الخروج على الخطوط المرسومة له. كان القذافي يدفع بسخاء لمن يقبلون بالعمل في فضائياته، ففي قناة " الساعة " التي اطلقها في عام 2008، بلغ أجر مقدم أحد البرامج 80 الف جنيه في الحلقة الواحدة، بينما كان أحد المعدين يحصل على حوالي 200 الف جنيه شهريا. و جمعت " الساعة "، التي تولى إدارتها لفترة الصحفي مصطفى بكري، اسماء صحفية كثيرة، من بينها مسؤولون بصحف خاصة، حصل بعضهم على رواتب شهرية تتجاوز 20 الف جنيه نظير المشاركة في إعداد البرامج الداعمة لتوجهات الزعيم الليبي. وأغلقت " الساعة" بشكل مفاجئ في منتصف ليلة يوم الجمعة 12 مارس 2010، بقرار من القذافي شخصيا، وذلك على خلفية صراع داخل البيت الحاكم في ليبيا بين أحمد قذاف الدم صديق الإعلاميين المصريين القائمين عليها، وسيف الإسلام القذافي الذي وجد أن هؤلاء يستغلون سخاء ولاده، دون أن يقدموا للجماهيرية الفائدة المرجوة.