"ممنوع الاقتراب أو التصوير".. لم تكن مجرد لافتة تجاور أسوار المنشآت العسكرية، بل كانت رسالة كشفت الدولة عن مغزاها الحقيقى، بعد احتجاز الصحفى والحقوقى حسام بهجت، لنشره أخبار تتعلق بالمؤسسة العسكرية، ربما لم يسمح بتداولها، كما أنه لم يصدر بها بيان رسمى، من المتحدث الرسمى للقوات المسلحة، وهى الشروط التى وضعتها المؤسسة لنفسها، سوى ذلك يكون مصيرك السجن. المخابرات الحربية فى تمام الثامنة من صباح الأحد الماضى، دخل حسام بهجت، إلى مبنى المخابرات الحربية، بميدان رابعة العدوية "الشهيد هشام بركات حاليًا"، بناء على استدعاء للحضور، وصل على مقر إقامته، ولم يتضمن الاستدعاء أي أسباب، وحسب تحقيقات النيابة العسكرية، بمقر هيئة القضاء العسكرى، التى انتهت فى الساعات الأولى من صباح الاثنين، كانت التهم هى "إذاعة أخبار كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة الوطنية، ونشر معلومات تضر بالسلم العام"، لتقرر بعدها النيابة العسكرية، حبس حسام بهجت 4 أيام على ذمة التحقيقات. ماذا فعل "بهجت" نشر بهجت عدة تحقيقات في "مدى مصر"، كان آخرها "تفاصيل المحاكمة العسكرية لضباط بالجيش بتهمة التخطيط لانقلاب"، والذى كان موضع الاتهام، بهجت لم يخالف تلك التعليمات العسكرية، التى تنافى فى الأصل العمل الصحفى، كل ما فعله أنه التقط خبرًا مقتضبًا نشره، الموقع الإخبارى "بى بى سى" عربى، في 16 أغسطس، يفيد ب"إصدارأحكام ضد 26 من ضباط القوات المسلحة، أدانتهم محكمة عسكرية في أغسطس الماضي بتدبير انقلاب، على النظام الحالي بمعاونة اثنين من القيادات البارزة بجماعة الإخوان المسلمين"، فى نفس التوقيت وحتى اليوم، لم تصدر أى من وزارة الدفاع، وهيئة القضاء العسكري، التابعة لها، أي بيانات بشأن القضية، وحسب "بهجت"، حاول مرارًا الاتصال بمكتب المتحدث باسم القوات المسلحة، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل، ثم بدأ فى ممارسة عمله الصحفى بمهنية، بعد التقصى عن كواليس القضية الغامضة، وبالفعل وصل لأهالى الضباط المتهمين، وأجرى معهم أحاديث صحفية، وكشف عديد من النقاط الغائبة. "عاصفة تضامن" تضامنت عدد من المنظمات الدولية، والمحلية مع بهجت، على رأسها الآمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، ومؤسسة "العفو الدولية"، ولجنة حماية الصحفيين، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لم يقتصر الأمر على المؤسسات وحدها، حيث انتفضت مواقع التواصل الاجتماعى، معلنة تضامنها مع حسام بهجت، والتعريف بقضيته، ونشر الأغلب من تحقيقاته، والتى تمس المؤسسة العسكرية، بشكل مباشر، كما أكدوا على رفضهم للمحاكمات العسكرية، وهو ما عرض النظام الحاكم، لهجوم شديد، بسبب احتجاز "بهجت".. كما حضر عدد كبير من الزملاء والأصدقاء والمحامين التحقيق مع حسام، بمعرفة العقيد رئيس النيابة، وفي حضور قرابة 25 من محامي الدفاع المتطوعين. فى السجن "لا تفرقة" كونك صحفيًا، معارضًا سياسيًا، سواء كنت تمارس عملك بمهنية، فى المعتقل "لا فرق الجميع سواء"، ربما هو الأسلوب أو الطريقة المتبعة، هناك واحدة، بعد خروج "بهجت" من مقر النيابة العسكرية، عاش ما كان دائم التقصى عنه، واقعيا، من "ترغيب وترهيب، ومخالفة للدستور والقوانين، في استدعاء محامي، ولم يسمح له سوى بإجراء مكالمة واحدة لإخطار صديق بمكان تواجده"، وفى سيارة على متنها 3 مسلحين يرتدون الملابس المدنية، تم تفتيشه بعناية، ووضعت عصابة لتغمية عينه، ليصل لمكان مجهول، كعادة المعتقلين، ثم احتجازه، فى زنزانة ضيقة مظلمة خالية من أي شئ"، ومع الضغط الهائل من التضامن، قررت النيابة العسكرية إخلاء سبيل الصحفي حسام بهجت.