"هل تنجح نوبل في جعل النثر التوثيقي جنسًا أدبيًّا معتبرًا؟ "أغفر لنوبل اختراعه الديناميت ولا أغفر له اختراع جائزة نوبل. برنارد شو" "فازت من ترى أن بوتين عضو كي جي بي" ---------------- "هذا خيار نموذجي فهي أولاً امرأة، وثانيا فلجنة التحكيم كانت أمام خيارين؛ أن تكافئ كاتبًا لا علاقة له بالعمل فى السياسة وإما تختار مؤلفًا ملتزمًا سياسيًّا على ألا يكون هذا الالتزام موضع جدل". كيف يمكن النظر إلى جائزة نوبل في الأدب لعام 2015 وقد توجهت إلى كاتبة صحفية في المقام الأول سفيتلانا أليكسيفتش وحتى روايتها "الوجه غير الأنثوي للحرب" أو ""الحرب لا تملك وجه امرأة". التي باعت قرابة المليوني نسخة معتمدةً على مرويات نساء خضن الحرب ضد ألمانيا النازية؟ جاء بيان الجائزة مفسرًا سبب المنح بأنه: ""كتاباتها متعددة الأصوات التي تمثل معلمًا للمعاناة والشجاعة في زماننا"وبأن: " هذا خيار نموذجي فهي أولاً امرأة، وثانيا فلجنة التحكيم كانت أمام خيارين؛ أن تكافئ كاتبًا لا علاقة له بالعمل فى السياسة وإما تختار مؤلفًا ملتزمًا سياسيًّا على ألا يكون هذا الالتزام موضع جدل". وما إن أعلنت الأكاديمية السويدية اسم الفائز وحيثيات الفوز حتى ثارت زوبعة كل عام فالفائزة غير معروفة إلى حد كبير، كما أن منافسيها هذا العام حققوا شهرة شملت مناطق كثيرة، ووفق الجارديان فإن الياباني هاروكي موراكامي حصل على نصيب الأسد من توقعات الفوز.. وضمت قائمة المتوقع فوزهم: الكاتبة والصحفية البيلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش، والكاتب النرويجى نجوجى واثيونج، والكاتبة الأمريكية جويس كارول اوتس، والروائى الأمريكى فيليب روث، والشاعر الكورى الجنوبى كو أون، والكاتب النمساوى بيتر هانديك، والكاتب الأيرلندى جون بانفيل، والكاتبة المصرية نوال السعداوي. ورغم خلو القائمة من أسماء الكتاب الأفارقة: الكيني نغوغي ثيونغ والصومالي نور الدين فرح والنيجيري بن أوكري. فإن الأمل داعب الكثيرين في أن تتكرر معجزة النيجيري وول سوينكا عام 1986 أو المصري نجيب محفوظ عام 1988، أو الجنوب إفريقي نادين غورديمر 1991 ، أو الجنوب أفريقي أيضًا جون ماكسويل كويتزي عام 2003. ولدت أليكسييفيتش في 31 1948 في غرب اوكرانيا، وتخرجت في كلية الصحافة في جامعة مينسك، وجاءت روايتها الأولى مستوحاة من مقابلات شخصية مع نساء حاربن خلال الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين تستخدم اليكسييفيتش الطريقة نفسها لكتابة رواياتها الوثائقية فتجري مقابلات على مدى سنوات مع اشخاص عاشوا تجربة مؤثرة، وقد حقق لها كتاب "نعوش الزنك" حول حرب افغانستان الذي نشر العام 1990 شهرة كبيرة، وهي أول بيلاروسية تمنح جائزة نوبل للآداب، وأول كاتبة تكتب الروسية تحصل عليها كذلك. ويرى الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم أن الجائزة ذهبت لغير الأدب وأن: "كان فوز الصحفية والكاتبة سفيتلانا ألكسيفيتش، من دولة بيلاروسيا، بجائزة نوبل في الآداب هذا العام ضربة صاعقة للجميع، فالسيدة تُشتهر بالصحافة والتقارير الصحفية أكثر من كونها أديبة، على الرغم من أنها كتبت ثلاث روايات مغمورات، حتى وإن وزّعت إحداهنّ مليون نسخة كما قيل، فليس هذا برقم كبير في المقياس العالميّ. لقد انتبه العالم إلى أن الجائزة منذ عقد وربما أكثر لم تعد لها تلك القيمة التي كانت عليها من قبل، بل راحت تتهاوى سنةً وراء الأخرى، في تنصيب أدباء وأديبات ليسوا على الأقلّ في مستوى العمالقة الذين نالوها على مدار عمرها. فيما يختلف المترجم والأكاديمي خالد البلتاجي: "الأديبة تستحق الجائزة عن جدارة؛ فهي لم تقيم بصفتها كاتبة صحفية أو عن مقالاتها الصحفية. بل عن أعمالها الأدبية التي كانت باكورتها رواية "الحرب ليس لها وجه امرأة" وهي رواية مناهضة للحروب بصفة عامة. تتحدث عن مصائر نساء في أثناء الحرب الروسية ضد النازية - التقتهن الأديبة - نساء انخرطن في الحرب على كل مستوياتها وبكل وحشيتها ورغم ذلك يبكين لأسباب تبدو بسيطة منها أن إحداهن لم تر أمها منذ ثلاثة أيام. نساء قضين حياتهن إلى أن شابت رؤوسهن دون أن يعرفن شيئًا عن الحياة المدنية. وظلت الأديبة تعالج الموضوعات الإنسانية المستمدة من الواقع والكوارث التي كان للاتحاد السوفيتي اليد الطولى فيها ومنها الحرب الأفغانية (في رواية أبناء الزنك 1989) وأقدار أناس كانوا ضحية انفجار مفاعل تشرنوبل "صلوات من أجل تشرنوبل 1989). وفي عام 2013 أصدرت رواية (عصر مستهلك) وتظهر فيها بوضوح فكرة الأصوات المتعددة التي تحدث عنها مانحو الجائزة. الرواية ترصد فترة تفكك الاتحاد السوفيتي وهي عبارة عن فسيفساء من عشرات الأصوات من الواقع قامت الأديبة بالتسجيل معهم، والاستماع إليهم كما فعلت في روايتها الأولى. يخبرونها كيف آمنوا بفكرة الاتحاد السوفيتي وقاتلوا وقُتل كثير منهم في سبيله وتحدثوا عن اسرار الشيوعية والحروب وتشرنوبل. ويتفق الناشر والصحفي محمد البعلي في أدبية ما تكتبه: "ألكسيفيتش ليست كاتبة صحفية، وإنما اختارت أن تكتب حكايات الآخرين بطريقتها، فبدلا من تركز على استخدام خيالها لكتابة أعمالها الروائية فضلت أن تستند إلى قصص حقيقية تروي دائما الجانب الآخر للحقيقة، فروايتها الأولى تسلط الضوء على معاناة الروس على الجبهة.. على قسوة الحرب على الجنود حتى لو كانوا في جانب المنتصر، ووقت صدوره كان كتابا مختلفا عن الدعاية الرسمية السوفيتية التي صورت جانبًا محددًا من الجبهةِ تتمثل في بطولاتِ الجنديات الروسيات وقصصهن الإنسانية، وقد أخلصت الكاتبة لهذا النوع من الأعمال الذي تسميه "الكتابة متعددة الأصوات"، واستمرت على طريقها من الاستماع لحكايات من لا صوت لهم وروايتها ومن هؤلاء ضحايا انفجار مفاعل تشيرنوبل. وعن فائدة الجائزة للأدب وتأثيرها عليه يذهب البلتاجي إلى أن: "معايير الجائزة ليست دائما واضحة.. كما أنها لا تعد مرجعية للأدب العالمي.. هي مجرد جائزة تمنح كثيرًا لأدباء لا يعرفهم أهل لغتهم، وبالتالي لا يمكن اعتبارها محركا للأدب العالمي فالقارئ يظل صاحب الرأي الأول والأخير في الانتاج الأدبي لأنه يحكي عنه وعن أحلامه وأماله ومشكلاته إلخ، لذلك جائزة نوبل في الأدب تفيد صاحبها أكثر ما تفيد الأدب نفسه أما عن علاقة السياسة بالجائزة فيعتقد البعلي: "أنها موجودة بقدر، فهي لا تُعطي لمن يشجع الحروب ويحرض عليها أو يؤيد الأنظمة الديكتاتورية، وهذه الكاتبة معروفة بمواقفها الرافضة للديكتاتورية في بلدها "روسيا البيضاء" أو جارتها الكبرى "روسيا الاتحادية" كما أنها معروفة برفضها الحروب والسياسات التوسعية لموسكو" أما عيد إبراهيم فيقول: "ربما، لكن كان على اللجنة أن تجمع بين اختيار الهدف وقيمته الأدبية، لا أن نلغي الثاني وهو الأهم كما يُفترض بهذه الجائزة التي تعدّ الأرقى في عالم الأدب. والصحيح أنه ليس لنا أن نلغي سمة الأدب عنها، لكنها في النهاية عالم أقرب إلى السطحيّ، وإن كانت ذات سمة إنسانية شاملة، فهي إذن أقرب إلى جائزة السلام منها إلى جائزة الأدب. أما كيف عميت اللجنة عن أسماء كثيرة كانت بقائمة الترشيح، فهو الأمر الأغرب: كان هناك اليابانيّ هاروكي موراكامي، الكينيّ نوجوجي واه، النرويجيّ جون فوسي، وحتى نوال السعداويّ المصرية إلخ. عموماً، علينا ألا نعوّل كثيراً على الجوائز في عالم الأدب، فيبدو أنها لم تعد ذات مصداقية كبيرة، الأهم في الحكاية هو أن يكتب الأديب نصّه بإخلاص وضمير وخبرة، مع الوعي المعرفيّ، والإلمام بالنقد الأدبيّ والعلوم الفلسفية والاجتماعية وغيرها، مما قد يفيد الأديب في نصه والوعي بالكتابة وعالم الرؤى التي ينطلق منها الأديب في كلّ نصّ ليرضي نفسه وذائقته، ومن ثم القارئ بمستوياته العدّة، لصالح الوعي الجمعيّ، وهو الهدف الأسمى عند كلّ أديب في النهاية! إذن فازت بالجائزة من تكتب أدبا كان يعتبر درجة ثانية "نثرًا توثيقيًّا" أو أعملاً بلا خيال non-fictionيُشبهه الكثيرون بجزيرة إليس التي تقع شمال نيويورك وكانت محطة رئيسية لوصول المهاجرين إلى أمريكا وحاليا تضم متحفا وتمثال الحرية الشهير، فازت بالجائزة من ترى أنه لا بد من اختفاء الإنسان الأحمر واعتباره كائنًا قديمًا، ومن ترى بوتين محض عضو في الكي جي بي.