عجاجيات تيل نادية كلما تابعت الضغوط الرهيبة التى يتعرض لها الآباء والأمهات الذين يودون إلحاق أطفالهم بالمدارس والتى تصل إلى حد اخضاعهم لإختبارات تحديد مستوى الذكاء واختبارات كشف الكذب وتعريضهم لكشف هيئة فضلا عن تنفيضهم وكنس جيوبهم بمصروفات تدير الرؤوس وموخرا تابعت شكاوى آباء وأمهات كثر من الزيادات الهائلة فى مصروفات أولادهم فى المدارس الخاصة (نحو 40%) والتى بررتها وزارة التربية والتعليم بأنها تدخل تحت إعادة التقييم وليست رفع المصروفات !!! كلما تابعت الجدل حول التعليم الذى أصبح طبقيا بإمتياز وعنصريا بإمتياز تذكرت الأيام الخوالى وبالتحديد تذكرت (زهر الربيع) و (زينب شعراوى) و ( تيل نادية). اما زهر الربيع الإبتدائية المشركة فهى أول عهدى بالتعليم والورق والقلم وحروف الأبجدية والجمع والطرح والقسمة وجدول الضرب....واحدة من المدارس التى بناها جمال عبد الناصر وما زالت صامدة وشامخة حيث لم تهتز بزلزال اكتوبر 1992 ، تقع فى المنطقة الحدودية بين حى عابدين وحى السيدة زينب بجوار مساجد الحنفى والشيخ صالح والست مسكة.. وتشرف على حارة السقايين والبرمونى وتبعد عشرات الأمتار فقط عن قصر عابدين وحديقته (جنينة الملك)التى كانت وقت دراستنا فى زهر الربيع فى ستينيات القرن الماضى مفتوحة لعموم الشعب المصرى.. وكان الالتحاق بالمدرسة تقريبا مجاناً إذ لم نسمع يوماً عن طرد تلميذ أو تلميذة بسبب عدم دفع المصروفات والتى احسب أنها كانت بالقروش ولمن يستطيع ومن لا يستطيع فلا تثريب ولا اثم عليه. وأما زينب شعراوى فهى معلمتى ومدرستى الأولى والتى ساهمت بأولى نصيب فى تكوينى وتشكيلى وبنائي..كانت ممن يعتبرن التعليم مهنة مقدسة وهبت نفسها بالكلية للتدريس تفننت فى جعلنا نحب التعليم...وتفننت فى الإرتقاء بذوقنا...وتفننت فى جعلنا نحب الفنون ونتذوقها... وتفننت فى زرع القيم الأصيلة فينا....كانت تنفق على مهنتها وتنفق علينا وتشترى لنا الهدايا التشجيعية...لم تطلب منا يوما مليما ولم تلمح يوما إلى درس خصوصى أو مجموعة تقوية. وأما تيل نادية فهو المادة الخام لصنع الزى المدرسى فى طول مصر وعرضها قبل أن يظهر تعبير ( اليونفورم ) وقبل أن تتفنن المدارس فى ترسيخ الطبقية والفئوية من خلال ازياء تلاميذها وتلميذاتها....كان الزى المدرسى موحدا عبارة عن(مريلة) مصنوعة من تيل نادية ذو اللون الواحد ( البيج) كما كان تيل نادية المادة الخام لصناعة الشنط او الحقائب المدرسية المعلقة بالكتف من نفس لون المريلة.. كان التعليم (جوهرا) قبل أن يكون (شكلا) وكان التعليم (رسالة) قبل أن يحول الى(الدجاجة التى تبيض ذهبا) كنا نرتدى تيل نادية الشعبى ومع ذلك خرجنا من المدرسة الإبتدائية ونحن نقرأ ونكتب ونحفظ جدول الضرب ونشيد بلادى بلادى والله أكبر فوق كيد المعتدى. المشهد لاسقف للحرية المشهد لاسقف للحرية