قبيل ساعات من تطبيق المرحلة الأخيرة من منظومة "الكارت الذكي" لتوزيع المنتجات البترولية، تراجعت حكومة المهندس إبراهيم محلب، عن القرار رقم 988 لسنة 2015 الخاص بالمنظومة، بناءً على توجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتي كان مقررًا العمل بها بشكل إلزامي اعتبارًا من 15 يونيو الجاري. التوك توك والجرارات الزراعية كانا سببًا رئيسيًا وراء قرار الرئيس، بتأجيل تطبيق المنظومة.. هل هذا السبب حقًا؟، أم أن هناك أسباب أخرى؟، الواقع يؤكد أن هناك أسباب خفية تؤكد اكتشاف خلل أو فشل ما، أدت إلى قيام الرئيس بالتوجيه لدراسة تأجيل تطبيق المنظومة في 13 يونيو، ثم الإعلان عن تأجيلها في اليوم التالي 14 يونيو، دون الكشف عن السبب الحقيقي للتأجيل، أو تحديد توقيت جديد للتطبيق الكامل. التضارب سيد الموقف التضارب هنا كان "سيد الموقف"، حيث إن تصريحات أشرف العربي وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، تبدلت تمامًا، خلال شهرين متتالين، حيث قال، قبل ساعات من تطبيق المنظومة، إن قرار التأجيل، خاص بالمواطنين فقط، لحين ضم كافة القطاعات التي لم تشملها المنظومة، مثل التوك التوك والجرارات الزراعية، وتابع الوزير: قرار الحكومة بصرف المنتجات البترولية بالكروت الذكية يلزم محطات الوقود فقط، من أجل مراقبة صرف الحصص البترولية، ولم يكن يشمل المواطنين، منوهًا إلى أنه لم يتم توضيح ذلك للمواطنين فى وسائل علام. كما استنكر تبرير البعض عملية التأجيل لأسباب متعلقة بفشل الحكومة في دراسة الأمر قبل تطبيقه، واصفًا المجهود الذي بذلته الحكومة في هذا الشأن بأنه "عالمي". بينما أكد، في مؤتمر صحفي أوائل مايو الماضي، أن تطبيق المنظومة، يأتي ضمن مساعي الحد من ارتفاع أسعار البنزين؛ لذا لن يتم صرف الوقود من المحطات لأى مواطن بدون الكارت الذكى بدءًا من 15 يونيو، قائلا: "نعمل جاهدين لتطبيق تلك المنظومة وستتواصل الوزارة مع المواطنين حتى يحصل كل مواطن على الكارت الخاص به".. وهو ما يطرح تساؤلاً حول سبب التأجيل، هل السبب هو عدم شمول القرار كافة القطاعات أم أنه لم يشمل المواطنين من الأساس؟. "فيه منظومة ولا مفيش" سؤالاً آخر يفرض نفسه، إذا كانت المنظومة لا تشمل المواطنين، ماذا عن الكروت الذكية التي تم إصدارها لهم؟، خاصةً وأن الشركة التي تقوم باستخراج البطاقات الذكية، قالت، الأسبوع الماضي، إنها قامت بإصدار 5.5 مليون كارت، وأن استخراج الكروت سيستمر حتى بعد بدء العمل بالمنظومة.. ليس ذلك فقط، بل إن الحكومة ذاتها قد فتحت باب التسجيل في نظام كروت البنزين في يوليو 2013، بهدف إنشاء قاعدة بيانات قومية لتوزيع المنتجات البترولية، بما يضمن التأكد من عدم تسريب المنتجات البترولية، واقتصار توزيعها داخل حدود الجمهورية. البترول "صائمة" رغم أن وزارة البترول، هي الجهة المنوطة في الأساس بتطبيق المنظومة، بل وتوفير الوقود ومراقبة عمليات التهريب، ورغم قيامها بعقد مؤتمرًا صحفيًا الشهر الماضي، للكشف عن تفاصيل المنظومة والتأكيد على أنها تهدف إلى محاربة السوق السوداء، دون تحديد لنوعية السيارات، وكميات دون حد أقصى، ولا تغيير في الأسعار. إلا أنه بعد الكشف عن نية إرجاء المنظومة، لم يكن لدى الوزارة سوى التزام الصمت، والكشف عن رسائل تحمل معانٍ عدة بل ومختلفة على لسان متحدثها الرسمي "حمدي عبدالعزيز" عبر تصريحات تليفزيونية، أولها: قرار الرئيس بالتأجيل لأن المنظومة لم تتضمن المركبات غير المرخصة مثل التوك توك والجرارات، ثانيها: قرار رئيس الوزراء يلزم المحطات بتوزيع الوقود من خلال الكروت المخصصة، ثالثها، كان نفي زيادة أسعار الوقود، واصفًا إياها ب"الشائعات". وجاءت الرسالة الرابعة والأخيرة، لتؤكد إن قرار الرئيس يلزم محطات الوقود بصرف البنزين والسولار عبر منظومة الكروت الذكية فقط. هذه الرسائل أو قل التصريحات تكشف عن عدم الالتزام بصرف الوقود من البنزين والسولار عبر "كارت"، وبالتالي فإن هدف المنظومة بالقضاء على التلاعب أو القضاء على "السوداء" ليس الغاية من المنظومة، وربما تم تأجيل هذه الخطوة خوفًا من ثورة شعبية في هذه الفترة من العام تحديدًا، فبحسب خبراء، وجدوا أن العام المالي الجديد الذي يبدأ في غضون أسبوعين قد يأتي مصحوبًا بزيادة في أسعار السلع والخدمات وعلى رأسها المنتجات البترولية، كخطوة ثانية من تطبيق خطة الحكومة بتقليص الدعم تدريجيًا؛ وذلك للحد من تخفيف أعباء الموازنة العامة للدولة، والتي تم تطبيق مرحلتها الأولى في يوليو الماضي بأكثر من 70%. نقص الوقود والشائعات مع بدء الشهر الجاري، وهناك حركة غير طبيعية في محطات الوقود، بالإضافة إلى التكدس بالساعات في طوابير أمام تلك المحطات، سعيًا وراء البنزين والسولار.. وهو ما أدى إلى اشتعال أزمة الوقود من جديد، بيد أن الحكومة نفت تلك المخاوف مبررة إياها ب"الشائعات"، حيث قالت وزارة البترول إن هذه الشائعات من شأنها إفشال منظومة الكروت الذكية وظهور السوق السوداء، كما أكدت أن كميات بنزين 80 التي يتم ضخها بالأسواق يبلغ متوسطها خلال الوقت الراهن، 9.7 ألف طن بزيادة 105% عن المخطط. وقالت الحكومة، إنها لن تحدد حصصا في المراحل الأولى للبرنامج وستكتفي برصد عمليات تسليم الوقود ومراقبتها لمنع التهريب، كما ترى أن نظام البطاقات الذكية هو إحدى الخطوات في برنامج إصلاح دعم الوقود، حيث تعمل على التخلص من دعم الطاقة بشكل تام خلال 3 إلى 5 سنوات. سر التأجيل ما بين نفي نقص الوقود تارة من جانب الجهات المعنية بالدولة، وما بين التأكيد تارة أخرى من قبل المواطنين بل وسائقي مركبات الأجرة.. عاش المصريون أزمة طوابير البنزين مرة أخرى، خوفًا من نية الحكومة في رفع أسعار المحروقات.. السؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل الخوف من أزمة وشيكة تؤدي إلى انفجار شعبي كانت السر وراء التأجيل بهذه الصورة اللافتة؟، الإجابة، إذا كانت "نعم"، إذن نحن نعيش أزهى عصور اختبار قدرات المواطن على التحمل، وإذا كانت "لا"، فما سر التأجيل؟!.