مياه النيل أزمة لا تنتهى.. وخبراء تتضارب آرائهم الشعب يسأل.. "نموت من العطش ولا من المية" "غرق الفوسفات.. انفجار خط غاز.. حالات تسمم" وما خفى كان أعظم مسكنات المسئولين مستمرة.. والخوف شعار المواطنين القابضة للمياه: مياه الشرب آمنة تمامًا ولا داعى ل"الفلاتر" تحليل المياه كل ساعتين للتأكد من صلاحيتها.. والشفافية غائبة إغلاق المحطات الأهلية غير المرخصة.. والتساؤل: "هى بتاعة الحكومة تتشرب؟" انتشال صندل الفوسفات.. وخروج جميع المصابين ب"التسمم" من المستشفيات حوداث هنا وهناك، وكوارث فى كل مكان ومجال.. ينسبها البعض ل"القضاء والقدر"، ويتهم آخرون الفساد، بعد انتشاره فى شتى المجالات فى الدولة، ولكن عندما يمس الأمر المتطلبات الأساسية للإنسان، وتعرض حياته للخطر، حال أراد الحفاظ على حياته، بشرب المياه، فإن الوضع بطبيعة الحال يختلف.. لن تجدى تصريحات المسئولين ولن يقبل المواطنون سوى "المصارحة" بل والحلول العاجلة.. ربما يحدث ذلك فى دول ترعى حقوق الإنسان، بل تضعها أولوية، وتحدث أيضا مع شعب يرفض الخنوع أو التنازل عن حقوقه الأساسية، لكننا فى مصر بلد العجائب كما يقولون، وتستطيع وصفها بعد ما آل إليه الحال ببلد الكوارث. هكذا الوضع بعد تكرار حوادث تلوث مياه النيل خلال فترة زمينة لا تتجاوز ال10 أيام، ما بين غرق صندل محمل ب500 طن فوسفات للغرق بمياه النيل فى محافظة قنا، وما بين انفجار فى أحد خطوط الغاز والبترول بمياه الإسكندرية والبحيرة، تزداد حالة من القلق لدى المصريين، فى داخلهم سؤال، حول شربهم المياه من عدمه؟، وقبل أن يصلوا إلى إجابة لحيرتهم إلا وفوجئوا بتسمم 700 شخص بمحافظة الشرقية. قبل بضعة أيام، استيقظ المصريون، على غرق أحد الصنادل المحملة بالفوسفات فى نهر النيل، ولا تزال إجراءات انتشال الصندل جارية حتى سطور كتابة التقرير، حيث تبدأ الرواية، باصطدام ناقلة نيلية تابعة للقوات المسلحة محملة ب500 طن من الفوسفات، بأحد أعمدة كوبرى "دندرة العلوى" فى محافظة قنا، متجهة إلى القاهرة وقادمة من أسوان، ما أدى إلى غرقها فى نهر النيل. وعقب ساعات من الحادث، بدأت أجهزة حماية النيل بالانتقال إلى موقع الحادث، وأخذ عينات من المياه لتحليلها، أضف إلى ذلك رفع درجة الطوارئ القصوى، وعمليات المتابعة والرصد بل وتصريحات متضاربة ما بين نفى تأثير الفوسفات على المياه أو صحة المواطنين وما بين إطلاق صافرة الإنذار خوفًا من المياه "المسممة"، على حد وصف مواطنين، وبعد مرور عدة أيام على غرق الصندل، تسمم ما يقرب من 700 شخصًا من أهالى محافظة الشرقية، وهو ما أرجعه كثيرون إلى "الفوسفات" الغارق فى المياه، لكن خبراء وزارة الرى نفوا وجود أى رابط بين حادث التسمم بمحافظة الشرقية وبين صندل الفوسفات الغارق، مرجعين ذلك إلى المسافة الطويلة، من قنا وحتى محافظة الشرقية، حيث تمر على عدد كبير من المحافظات وهى أسيوط، والمنيا، وبنى سويف، والفيوم، والجيزة، والقاهرة، والقليوبية، ولم تقع أى حوادث أو شكاوى من المياه خلال هذا المسار، كما أن الفترة الزمنية اللازمة لوصول المياه من قنا إلى الوجه البحرى حوالى 12 يومًا، بينما لم يمر على حادث الصندل سوى 3 أيام. لم تمر سوى أيام على حادث التسمم، إلا وانفجر أحد خطوط الغاز والبترول التى تمر بعرض إحدى الترع التى تغذى 6 محطات لمياه الشرب بمحافظتى الإسكندرية والبحيرة، مما أدى إلى تسرب كميات كبيرة من المواد البترولية للترعة.. وأعلنت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى عن رفع وإعلان حالة الطوارئ.. لكن المخاوف من المياه تتصاعد. مياه الشرب آمنة تمامًا، هذا ما أكده وزير الصحة، واتفق معه فى الرأى وزير الرى، قائلاً: نهر النيل بخير، وأكد وزير الإسكان: كتل الفوسفات لا تذوب فى الماء ولا خطر من تأثيره، وجاءت تصريحات وزير البيئة بعضها صادم، حيث أكد أن "مادة الفوسفات فى دول أمريكا اللاتينية تلقى فى المياه لزيادة إثراء المياه لو ناقصها عنصر الفوسفات، وليس هناك ما يدعو للقلق"، والبعض الآخر ينفى احتواء الفوسفات على مادة اليورانيوم. الشارع المصرى، استقبل الأحداث بحالة من الكوميديا السوداء، ممزوجة بالقلق والخوف من التأثير على الصحة والبيئة فى المستقبل.. ورغم تكرار سؤال، هل المياه آمنة؟ دون إجابة شافية لكل ما يدور فى أذهان المصريين، إلا أن تعليقاتهم الساخرة لم تتوقف بدايةً من "مشربتش من فوسفاتها، أشرب فوسفات وانسى اللى فات، فوسفاتة واحدة لا تكفى، اشرب فوسفات ووراه شوية بترول"..إلى غيرها من التعليقات. ما يثير التساؤل، اختزال غرق صندل الفوسفات بالنيل وانفجار خط الغاز، فى فريقين، أحدهما يقلل من آثار الواقعة ويؤكد أن المياه آمنة وربما لا تؤثر سلبيًا، والآخر يرى كل طن فوسفات يحتوى على 10 جرامات من اليورانيوم المشع، وأن كمية قدرها 500 طن، تحتوى 5 كيلو يوارنيوم، قادرة على قتل المواطنين بإصابتهم بأمراض مزمنة على المدى القصير والطويل، إن لم ينتشلوها، أضف عليهم تسرب البترول داخل المياه، مما أثار المزيد من حالة الرعب. من جانبهم، قرر عدد من المحافظين، إغلاق المحطات الأهلية غير المرخصة بالقرى والمدن، والتى تبيع المياه فى جراكن على أنها مياه مفلترة، دون التأكد من صلاحيتها وسلامتها. مسئولو حكومة محلب، لم تخرج تصريحاتهم عن "الطمأنة" ورفض المخاوف، وأن جميع النتائج التى تم تحليلها "سلبية"، على عكس المخاطر التى أطلقها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى، والمخاوف التى حذر منها خبراء المياه والبيئة والكيمياء بل والصحة. قال الدكتور حسام عبد الغفار المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة، إنه يتم أخذ عينة شهريا من طرد كل محطة مياه مرشحة للفحص للمعادن الثقيلة وعينة كل 3 شهور من طرد كل محطة مياه مرشحة للفحص للمبيدات، ويتم تحليلها بالمعامل المركزية بوزارة الصحة وفروعها بالمحافظات طبقًا لمعايير مياه الشرب الصادرة بقرار وزير الصحة رقم 458/2007. أشار إلى أن "صحة البيئة" ترصد أوجه القصور الموجودة بالمياه، ونسب العينات غير المطابقة ومخاطبة الجهات المعنية بنسب عدم المطابقة للعينات، كما تتم مخاطبة مديريات الشئون الصحية بالمحافظات للمتابعة فى ذلك، وإعادة أخذ العينات من نفس أماكنها ومتابعة نتائجها حتى ورودها مطابقة لمعايير مياه الشرب. فيما قال العميد محيى الصيرفى، المتحدث باسم الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، إن مياه الشرب آمنة تماما ولا داعى لاستخدام الفلاتر، مؤكدًا أنه يتم أخذ عينة من المياه كل ساعتين للتأكد من صلاحيتها ومطابقتها للمواصفات الصحية. أضاف الصيرفى - فى تصريح ل"المشهد" - أن حالات التسمم بالشرقية سببها أن المواطنين يستخدمون جراكن غير صالحة للاستخدام فى مياه الشرب، مشيرا إلى أن تلك الجراكن تباع فى المحطات الأهلية، موضحًا أنه يجب تقنين أوضاع المحطات الأهلية مع الدولة، ووضعها تحت مراقبة الصحة حتى لاتحدث أى كوارث أخرى. وطالب المواطنين الذين يستخدمون الخزانات بتنظيفها كل 3 أشهر على الأقل، والتأكد من إغلاقها بإحكام، حفاظًا على سلامتهم. وقال نائب رئيس الشركة القابضة للمياه، المهندس صلاح بيومى، إن محطات المياه الأهلية غير تابعة لشركة المياه، وتعمل بدون ترخيص وتعتبر أشبه باقتصاد بير السلم، ولا نعلم من أين يحصلون على تراخيص لهم والإبلاغ عن محطات المياه غير المرخصة خارج اختصاصنا. أشار إلى أن هناك 5 خطوط دفاع لتنقية مياه الشرب من التلوث إلى جانب معامل متنقلة فى الشوارع لأخذ عينات من مياه الشرب، مضيفا أن وزارة الصحة تفتش على محطات مياه الشرب. تابع: نعانى من العديد من المشكلات ولا يوجد فى قاموسى كلمة "كله تمام"، مؤكدا أن 88% من مياه الشرب تأتى من نهر النيل، و12 % مياه جوفية. بينما طالبت الدكتورة رشا الخوالى، عميد كلية الهندسة بجامعة هليوبوليس للتنمية المستدامة، بسرعة استجابة الأجهزة المعنية بانتشال الكتل الصلبة لخام الفوسفات خلال 24 – 48 ساعة على الأكثر، وتطهير المجرى المائى من خلال تكريك الطمى فى موقع الغرق لحماية البيئة والأسماك والحشائش بمحيط المنطقة. تابعت: طبيعة الخام الغارق ووجوده فى حالة أحجار صلبة غير سريعة الذوبان قللت من خطورة الحادث، مشيرة إلى أنه لو كانت الحمولة من الفوسفات فى هيئة "مسحوق بودرة" لوجب إعلان حالة التأهب القصوى لفترة طويلة. بينما رأى الدكتور أحمد أبو اليزيد، خبير الأراضى والمياه بجامعة عين شمس، إن الفوسفات الذى كان على متن المركب الغارق، غير قابل للذوبان فى الماء، ولا يسبب أى خطر على نوعية مياه النيل. "لا تخافوا من غرق صندل خام وصخر الفوسفات!!".. هذه الدعوة أطلقها صاحبها الدكتور نادر نور الدين خبير الموارد المائية والرى، تعليقًا على أزمة غرق الفوسفات فى نهر النيل، قائلاً: "هو صخر الفوسفات أى المادة الخام التى نصنع منها الأسمدة والمبيدات بعد ذلك ولا تزيد فيه نسبة الفوسفور عن 12% وذوبانه ضعيف جدا وهو ليس سماد السوبر فوسفات أو حامض فوسفوريك أو مبيد فوسفورى يخشى منهم ولكى نذيبه فى مصانع الأسمدة نضيف إليه أحماض مركزة (مثل حامض الكبريتيك يعنى مية النار أو حامض الكلودريك..) حتى يذوب وهذا غير موجود فى النيل". تابع: وبالتالى لا تخشوا شيئا من هذه المادة الخام لأنها صخر ضعيف وقليل الذوبان وفقط نخشى من الكادميوم الموجود بهذا الخام كشوائب فهو يضر الكلى والكبد وده سهل محطات الشرب تتخلص منه عبر الفلاتر والأكسدة لترسيبة، كمان حيتسبب فى شوية طحالب خضراء تنمو على وش المية فى المنطقة (ريم أخضر) ممكن يمنع الأكسجين عن السمك ويضرها وهذه سهل إزالتها أيضا... لكن خام الفوسفات لا يخشى منه وهو ليس مبيد فوسفورى ولا سماد فوسفاتى ولا نتوقع أى أضرار خطيرة لا فى مياه الشرب ولا فى مياه الرى.. ولا يوجد يورانيوم ولا أى حاجة كما يدعون يخشى منها، ولو كان اليورانيوم نشط كان أباد محافظة أسوان مثلا أو كنا عملنا منجم منه وأصبحنا أغنى دولة فى المنطقة.. هذه نطلق عليها علميا تركيزات مهملة. قال الدكتور هانى الناظر، رئيس المركز القومى للبحوث السابق: إن ال500 طن فوسفات الذى غاص فى قاع النيل نتيجة حادثة غرق الصندل فى قنا لا يذوب فى الماء ولا خوف منه على مياه النيل ولا حياة الأسماك. أضاف، لا داعى للقلق أو الخوف من شرب مياه النيل وأناشد المواطنين عدم الانسياق وراء أى شائعات تهدف إلى بلبلة أو تنشر الخوف من استعمال المياه أو شربها. من جهة أخرى، كشف الدكتور شريف مكين وكيل وزارة الصحة بالشرقية، أن مياه الشرب لا يوجد بها أى ملوثات، وأن جميع المصابين بأعراض التسمم بمركز الإبراهيمية والذين تجاوزوا ال700 شخص، غادروا جميعًا المستشفيات بعد تماثلهم للشفاء بشكل كامل، ولم يتم استقبال أية حالات جديدة. أكد مكين - فى تصريح ل"المشهد" - أنه تم أخذ عينات كثيرة جدًا من المياه للتأكد من مطابقتها للمواصفات، وذلك حتى يطمئن المواطن أن مياه الشرب سليمة 100%. أشار إلى أنه تم تشكيل فرق عمل من الطب الوقائى؛ للمرور بصفة دورية على الأسواق ومتاجر الأغذية ومحطات المياه، لأخذ عينات وتحليلها أولاً بأول؛ للتأكد من مطابقتها للمواصفات. وتعليقًا على المحطات الأهلية التى تسببت فى حالات التسمم، قال: إن محافظ الشرقية قرر مسبقا إغلاق جميع المحطات الأهلية غير المرخصة، والقرار الآن أمام الأجهزة التنفيذية هى من تقوم بتنفيذه، ولا دخل للصحة بهم. من جهة أخرى، أكد محمد ناجى، رئيس مركز حابى للحقوق البيئية، أن نهر النيل فى طريقه للتحول إلى "بركة" بسبب صرف مخلفات المصانع فيه، مضيفا أن المياه الجوفية تختلط بالصرف الصحى، وتسبب أمراضا صحيةكثيرة. أضاف أن الأهالى تثق فى المحطات الأهلية أكثر من محطات المياه الحكومية، ولابد من التوقف أمام مشكلة لجوء الأهالى لتلك المحطات، وترك محطات المياه الحكومية. أشار إلى أن توزيع الاستثمارات على مستوى مصر لا يراعى العدالة الاجتماعية، مطالبا الشركة القابضة للمياه أن تطلب من وزارتى الداخلية والصحة منع وغلق المحطات الأهلية، قائلا: يجب على الشركة القابضة للمياه أن تتحدث عن الواقع بشكل واضح، وأزمة مياه الشرب تزداد فى القرى أكثر على عكس المدن.