شعبة بيض المائدة: الأسعار مستقرة عند 180 جنيها.. والأدوية البيطرية ارتفعت 500%    محافظ الغربية يتفقد أعمال الرصف النهائية بمحور طريق المعامل بمركز طنطا    نقيب الفلاحين: كيلو الطماطم يكلفنا 5 جنيهات.. وآخر سعر سمعته 200 جنيه    استقرار أسعار جي إيه سي 4 الجديدة ومواصفاتها في السوق المصرية    عشرات الصواريخ وهجوم جوّي.. «حزب الله» ينفذ 11 عملية نوعية ضد إسرائيل    حسام حسن: من الصعب توقع مباراة القمة.. وصفقات الأهلي والزمالك قوية    التعادل الإيجابي يحسم مباراة روما وأتلتيك بيلباو في الدوري الأوروبي    غلق كلي للطريق الدائري القادم من المنيب اتجاه وصلة المريوطية لمدة 30 يوما.. اليوم    مصدر: الأمن يفحص فيديوهات تحرش أطباء بالمرضى| خاص    برج الحوت.. حظك اليوم الجمعة 27 سبتمبر 2024: أنت محظوظ في الحب    صحة المنوفية: تكثف العمل بجراحات المفاصل الصناعية بمستشفى شبين الكوم    بجوار محطة الغاز، حريق هائل بأرض زراعية في المنيا    رسميًا.. تفاصيل منهج الصف الأول الإعدادي لغة إنجليزية 2025 الجديد    مصطفى بكري: قادة المقاومة يتم اغتيالهم في اجتماعاتهم السرية    «دافع ومتسرحش».. البدري يوجه رسالة قوية لنجم الأهلي قبل مواجهة الزمالك في السوبر    إنفراجة في أزمة الأدوية وضخ كميات كبيرة الفترة المقبلة    «مين سأل عني؟».. أرملة عاطف بشاي تكشف اللحظات الأخير من حياته (فيديو)    طقس اليوم.. حار نهاراً على أغلب الأنحاء والعظمى في القاهرة 33 درجة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الجمعة 27 سبتمبر 2024    سر رفض عاطف بشاي ورش الكتابة في الأعمال الفنية.. أرملته تكشف (فيديو)    مواعيد إجراء الكشف الطبي لطلاب وطالبات المدن الجامعية بجامعة جنوب الوادي    تعادل مثير بين فرانكفورت وفيكتوريا بلزن بمشاركة عمر مرموش    «الأهلي طول عمره جامد».. رد ناري من سيد عبدالحفيظ قبل السوبر الأفريقي (فيديو)    أسعار الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الجمعة 27 سبتمبر 2024    هشام يكن يضع روشتة فوز الزمالك على الأهلي في السوبر الإفريقي    القبض على عامل بتهمة النصب على الفنان مصطفى كامل بالعجوزة    دوري المحترفين.. الداخلية يضم صفقة جديدة    رياضة ½ الليل| الأهلي يختتم مرانه.. جوميز يتمنى فتوح.. بطولة تبحث عن ملعب.. ومجاهد يترشح للجبلاية    بمشاركة 4 دول .. ختام فعاليات مسابقات جمال الخيل بمهرجان الشرقية للخيول    رسالة قوية من إدوارد للفنانين الذين يشكون قلة العمل.. ماذا قال؟    عقب التراجع الأخير.. سعر الريال السعودي اليوم الجمعة بالتزامن مع إجازة البنوك    بعد سحب ضابط مطاوي على الأهالي .. داخلية السيسي تضرب الوراق بالقنابل والخرطوش والقناصة!    كأنهم في سجن: "شوفولهم حلاق يحلقلهم زيرو".. شاهد كيف تعامل محافظ الدقهلية مع طلاب مدرسة    توضيح من معهد تيودور بلهارس للأبحاث بشأن وحود مصابين بالكوليرا داخله    د.حماد عبدالله يكتب: أنا وانت ظلمنا الحب    وزير الصحة اللبناني: أكثر من 40 عاملا في مجال الرعاية الصحية استشهدوا في العدوان الإسرائيلي    الأنبا مرقس يترأس الاحتفال بعيد الصليب والقديس منصور بالقوصية    القطار الكهربائي السريع في مصر.. كيف سيساهم مشروع سيمنس في تعزيز قطاع النقل والبنية التحتية؟(التفاصيل)    استشهاد النقيب محمود جمال ومصرع عنصر إجرامي في تبادل إطلاق النيران بأسوان    بولندا: خسائر السكك الحديدية جراء الفيضانات تبلغ أكثر من 206 ملايين يورو    ارتفاع جنوني في أسعار السفر الجوي من وإلى إسرائيل بسبب تداعيات الحرب    أنغام تستعد لحفلها الغنائي ضمن حفلات "ليالي مصر" في المتحف المصري الكبير    آثار الحكيم حققت النجومية بأقل مجهود    رئيس جامعة الأزهر الأسبق: الكون كله احتفل بميلاد نبينا محمد وأشرقت الأرض بقدومه    بعد مشادة كلامية مع شقيقها.. فتاة تقفز من الطابق الخامس في الهرم    مشيرة خطاب: بذلنا جهدا كبيرا للإفراج عن صفوان ثابت وعلاء عبد الفتاح (فيديو)    فلسطين.. الاحتلال الإسرائيلي ينسف مباني سكنية في محيط الكلية الجامعية جنوب غزة    وزير الداخلية اللبناني: رسائل التهديد الإسرائيلية وصلت للدوائر الرسمية وأجهزة الدولة    أفضل الطرق لمنع فقدان العضلات مع تقدم العمر.. نصائح للحفاظ على قوتك وصحتك    نائب رئيس هيئة الأركان الأردني الأسبق: إسرائيل تريد اجتياح لبنان لمواجهة إيران    أحمد الطلحي: سيدنا النبي له 10 خصال ليست مثل البشر (فيديو)    أحمد الطلحي: الصلاة على النبي تجلب العافية للأبدان (فيديو)    لمحة عن مسلسل «مطعم الحبايب» بطولة أحمد مالك وهدى المفتي (فيديو)    وزير التعليم: من الآن مفيش مدرس هيخاف تاني من طالب    أول تعليق من «الأزهر» على تلاوة القرآن الكريم مصحوبًا بالموسيقى: «جريمة»    وزير التعليم: نستهدف تدريس البرمجة كلغة أساسية.. المنافسة في سوق العمل ستكون عالمية    دار الإفتاء: المشاركة في ترويج الشائعات حرام شرعًا    نقابة المعلمين تنعى مدير مدرسة توفي بأزمة قلبية أثناء اليوم الدراسي بالمنصورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السفير معصوم مرزوق يكتب: حملة أختام السلطة العميقة !

يقول الأثر الشعبى: "سرقوا الصندوق يا أبو لمعة.. لكن مفتاحه معى!! " .. فالصندوق بما يحتويه ليس مهما، وإنما المهم أن يكون المفتاح أى مفتاح مع شخص ما، وهذا الشخص يكتسب أهميته وصيته من وجود المفتاح معه..
ومنذ العصور السحيقة ينطبق هذا المثل، حامل الأختام الملكية الذى يمهر الوثائق طبقا لنوعها بختم معين هو صاحب سلطة واسعة، رغم أنه قد لا يفقه – أو أنه لا يفقه – ما يطبع عليه بأختامه، تماما مثل " الحمار يحمل أسفارا"، ولكنه ينهى ويأمر، يرغى ويزيد، ويرفع أقدار البعض ويحط أقدار البعض الآخر ..
بعض موظفى الشهر العقارى مثلا يكتسبون هذه الصفات المتسلطة، ويستمتعون بمعاناة المتعاملين الذين يرجون ويستعطفون، بينما "حضرته" يقوم ويقعد، يرضى ويغضب، يبتسم فيضحكون، يزمجر فيرتعدون، يقفل دفتره معلنا أنه لن يعمل هذا النهار وهو يتأمل إلى عيونهم الضارعة سعيدا رغم ملامحه التى ترسم الضيق والضجر، يضع السيجارة التى أهداها إليه أحد المتعاملين بين شفتيه، فتسارع الأيادى بأعواد الثقاب المشتعلة كى يدخن "حضرته"، ينفخ دخانه فى وجوههم وكأنه يهش ذباب تقاطر حوله، يقسم أنه يعمل لوجه الله، بينما تتساقط الجنيهات فى درجة الموارب..
"عم محروس" جامع القمامة يمر على العمارات فى الحى وهو يحمل على كتفه قفته المميزة، يسحب بيديه المعروقتين أكياس القمامة القابعة أمام أبواب الشقق ثم يقذفها بمهارة داخل القفة دون أن يعبأ بما يتساقط منها، وإذا ما لفت نظره أحد هاج وماج منتقدا الناس وزبالتهم، متباكيا على الزمن الذى اضطره أن يخدم بشرا لا يختلفون كثيرا عن زبالتهم، وإذا تطور الأمر يعاقب صاحب الشكوى بأن يترك قمامته تتراكم لأيام حتى يجيئ إليه معتذرا راجيا، وكم يسعد "عم محروس" بالدعوات التى تلهج بها ألسنة ربات البيوت له بالصحة والعافية، ووقوفهن صاغرات أمامه وهو يلقنهن أسلوب حفظ الزبالة، وهو بدوره يرفع رسومه من حين لآخر، وويل للمعترض...
هذه النماذج وغيرها كثير، تعكس صورا مختلفة لرجل معه مفتاح ما، يتيح له فتح صندوق ما، بغض النظر عن وجود هذا الصندوق، فهو الاستبداد الذى يتبادل أبناء المجتمع تناول جرعاته والاستمتاع به والتألم منه، فكل إنسان معه مفتاح، وإذا تعذر عليه استخدامه مع الآخرين، أفرغ جرعته فى زوجته وأولاده، أو فى نفسه أحيانا..
وهذا المفتاح مصدره سلطة ما – كبرت أم صغرت – لا تخضع للرقابة ولا تتعرض للمسائلة، فهى تبدو على الأغلب مطلقة حتى ولو كانت لها محددات قانونية، وسبب إطلاقها، رغم هذه المحددات هو أن القانون يتبع النظام وليس العكس، والالتزام به ينشأ من عناصر ثلاثة أساسية: أولهما الشعور الداخلى بضرورة الالتزام، وثانيهما: وجود رقابة فعالة، وثالثهما: سلطة قانونية لفرض الالتزام ومعاقبة منتهكيه.. وأهم هذه العناصر هو الأول، فهو يمثل الوعى الذاتى لأفراد المجتمع بأهمية تنظيم سلوكهم لتحقيق مصالحهم، وبأن الاستبداد مهما كانت درجته هو مقدمة الفوضى التى يكون الجميع ضحاياها بلا استثناء، وهذا الوعى ليس مكتسبا فطريا، فالإنسان لا يولد ومعه جينات احترام إشارات المرور، أو مواد قانون العقوبات، وإنما يكتسب ذلك أولا من الظروف الاجتماعية التى يولد فيها، ثم من المدرسة ودور العبادة ووسائل الإعلام والأدب والفن، وكل ذلك يتأثر بشكل عميق بالظروف السياسية للمجتمع .
ويزداد تعقد المشكلة حين يكون الاستبداد سلوكا لا يستند إلى سلطة، أى ما يمكن أن نطلق عليه "استبداد خام"، فقد يكون مفهوما – وإن يكن غير مقبول – أن يستبد الأب تجاه أولاده باستخدام سلطته الأبوية، فهى على كل حال سلطة شرعية تتيح له بعض المكنات القانونية أو الفعلية، ولكن لن يكون مفهوما أن يمارس هذا الأب استبداده على أطفال آخرين لا تربطهم به أى سلطة شرعية، وهو حين يفعل ذلك فإنما يستخدم سلطة مستلبة لا يقرها شرع أو عرف، وإنما تستند أساسا إلى جبروت القوة وثقافة الخوف.
وقد يقول قائل: "وما البأس فى وضع نكون فيه جميعا ظالمين ومظلومين فى نفس الوقت؟!، أن ذلك هو التوزيع العادل للظلم والعدل !! "، وهذا قول فيه نظر.. بداية من إدعاء العدل فى التوزيع، فكيف يتأتى أن يلتقى النقيضان، كيف ينام العدل مع الظلم فى نفس الفراش؟؟ .. ثم أن درجات الظلم تختلف، فاستبداد "عم محروس" جامع القمامة، يختلف فى النوع والدرجة والأثر عن استبداد سائق التاكسى، فقصارى أثر الأول هو رائحة نتنة وأسراب من الذباب، بينما لا يمكن حصر آثار الثانى الذى يصل أحيانا إلى مشاجرات تنتهى بفقدان الحياة.. ونضيف إلى ذلك أن الاستبداد كالعدوى التى تنتشر كى تقتل خلايا المجتمع الحية، فتفقده المقدرة على التطور والنهوض، وتكسبه صفات النفاق والفساد والتواكل والسلبية.
وقد يقول قائل آخر: "إن المسألة لا تتعلق باستبداد وإنما بالفهلوة، والذى تكسب به تلعب به، ومن يمتلك القدرة يخطئ إن لم يستغلها لحسابه"، وهذا أيضا فيه نظر .. لأن مصطلح "الفهلوة" إنما هو أحد نتائج الاستبداد، وذلك لأن الإنسان كى يناور فى مواجهة ما أطلقنا عليه "الاستبداد الخام" يلجأ إلى خداع النفس والآخرين، من خلال إظهار ما لا يبطن، ثم أن إطلاق فكرة "ما تكسب به تلعب به" لا يعنى سوى الفوضى، فالمفروض أن أى مكسب فى مجتمع منتظم يتحقق من خلال وسائل مشروعة لتحقيق أغراض مشروعة، أما اللعب بأى شىء يؤدى إلى المكسب فهو دعوة للجريمة، فاللص يكسب بلا شك إذا وضع يده فى جيبك، ولكن من المؤكد أنه مكسب حرام.. أما أن يكون من يمتلك القدرة مخطئا إذا لم يستغلها لحسابه، فتلك دعوة أخرى لتطبيق شريعة الغاب..
ومن المؤسف أن نجد البعض أكثر حرصا على تملك المفتاح من حرصه على وجود الصندوق، وأعنى هنا بالصندوق مخزن القيم والقانون والعدالة والشرعية والمساواة ومصدر السلطة، فالسلطة الأبوية كما قدمنا طبيعية وشرعية وفعلية، ولكنها إذا تجردت من حدودها الشرعية بل والأخلاقية تحولت إلى استبداد خام، وأفرزت لنا أجيالا باهتة عدمية تكرر الطبعة نفسها، وتسعى جاهدة للاستيلاء على المفتاح، أى مفتاح، بغض النظر عن مصير الصندوق !! ...

من العدد الأسبوعي
من العدد الأسبوعي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.