من يتابع التطور فى العلاقات المصرية - القطرية منذ أن تولى الشيخ حمد بن خليفة آل ثان إمارة قطر فى 27 يونيو 1995، وحتى تخليه عن الحكم لولى عهده تميم بن حمد آل خليفة , يجد أن العلاقات بينهما قد مرت بمراحل مفصلية كثيرة تأرجحت مابين الشد والجذب , والهدوء الحذر , والملاحظ أن طبيعة تلك العلاقات لم تختلف كثيراً فى فترتى حكم كل من الرئيس المعزول محمد حسنى مبارك , والرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى , حيث التوتر والشد المستمر والتلاسن الإعلامى وإصطياد الأخطاء بين البلدين, وأن الفترة الوحيدة التى إتسمت بالهدوء هى فترة مابعد مرحلة الثورة المصرية فى 25 يناير 2011 , حيث بدأ الإستقرار يُخَيّم على العلاقات، خاصةً فى ظل وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم والتى تتميز بعلاقات راسخة مع حكم آل خليفة فى قطر . ففى مرحلة حكم الرئيس المعزول محمد حسنى مبارك , إتسمت العلاقات المصرية - القطرية بالتوتر والشد والجذب المستمر , وإطلاق التصريحات النارية والمثيرة للجدل من قبل الجانب القطرى والرد عليه من الجانب المصرى بطريقة مماثلة , والذى وصل الى حد تجميد العلاقات والزيارات الرسمية بين البلدين , وذلك لعدة أسباب يأتى على رأسها سياسة التنافس التى سادت بين القيادتين السياسيتين فى كلا الدولتين، حيث حاولت قطر أن تلعب دوراً فى قضايا إقليمية ترعاها القاهرة خاصة ملفى السودان، وفلسطين، ثم وصلت العلاقات إلى أسوأ مراحلها أوائل عام 2009، عقب الحرب الإسرائيلية على غزّة ودعم الشيخ حمد لحركة حماس فى القطاع التى كانت على علاقة متوترة مع نظام مبارك، فضلاً عن علاقاته المتميزة مع نظام أحمدى نجاد فى إيران المقطوعة علاقته مع مصر منذ أكثر من 30 عام , هذا الى جانب فتح أبواب الدوحة أمام معارضى النظام مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم والشيخ يوسف القرضاوى، وإستضافتهم والذى كان سببًا آخر لتوتر العلاقات، وفتح منابر قناة الجزيرة القطرية لهم لصبّ الهجوم على مبارك وأسرته وسياساته نحو توريث الحكم لنجله جمال، وهو ما أعتبره نظام مبارك مُهين للقاهرة . وعقب قيام ثورة 25 يناير عام 2011 وسقوط النظام المباركى , بادر آل خليفة بتحسين العلاقات , حيث قام فى عام 2011 بأول زيارة له للقاهرة منذ إنقطاع الزيارات الرسمية بين البلدين منذ عام 2007 , والتقى خلالها بالمشير حسين طنطاوى، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقوات المسلحة , وأبدى وقتها حمد بن جاسم وزير الخارجية القطرى، أنّ موقف بلاده يأتى لدعم مصر الثورة , وبدأت العلاقات فى التحسن تدريجياً حتى بدأت تأخذ منحنى أكثر تقربًا بعد فوز الرئيس المعزول محمد مرسى، برئاسة مصر حيث توالت زيارات الأمير القطرى لمصر , والتى كان من نتائجها إرتفاع حجم الإستثمارات القطرية التى دخلت مصر بمعدل 74% خلال الربع الثالث من عام 2011/2012 بنحو 9.8 مليون دولار , لتقفز إلى 13.2 مليون دولار، ليصل حجم الإستثمارات القطرية فى مصر إلى 572 مليون دولار، تضخ من خلال 155 شركة قطرية , بالإضافة الى تقديم قطر دعمًا لمصر ب3 مليار دولار فى صورة وديعة أو سندات، كما زَوَّدَت الحكومة بدفعات من الغاز الطبيعى للتغلب على أزمة الطاقة، إضافة إلى الإعلان عن إستثمارات فى مجال الطاقة الكهربائية بشرق التفريعة بقيمة 8 مليار دولار، ومصانع للحديد والصلب وإستثمارات بحدود 8 مليارات جنيه فى مجال الطاقة والغاز بمجمّع شرق التفريعة، كما وعدت الدوحة بأن تشارك الشركات المصرية فى أعمال الإنشاءات والتجهيزات والإعداد لكأس العالم الذى تستضيفه قطر فى 2022 , غير أن هذا التقارب المصرى - القطرى السريع لم يلقى ترحيباً وإرتياحاً من الشارع المصرى , خاصة بعد تداول أخبار حول منح قطر إمتياز الإستثمار فى قناة السويس وتأجير الآثار المصرية، وسعى قطرى لبسط نفوذها على مصر و وإستغلال أزمتها الإقتصادية , وهو الأمر الذى قلب الشارع المصرى ووسائل الإعلام للبحث والتفتيش عن نوايا قطر الخفيّة . وبعد عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 , وإعلان مصر جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية , تدهورت العلاقات المصرية - القطرية مرة آخرى , حيث إنتقد أمير دولة قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني فى بيان صادر عن وزارة الخارجية القطرية قرار القاهرة فى ال 25 من ديسمبر الماضى إعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية،وهو ماإعتبره وزير الخارجية المصرى نبيل فهمي بأنه طعنة للجهود العربية التى تبغى إعطاء فرصة لقطر في ضوء تغيير القيادة القطرية لتصحيح المسار تجاه مصر , كما أعقب ذلك سحب الوديعة القطرية من البنك المركزى المصرى فى أواخر عام 2013 . كان سقوط حكم الإخوان فى مصر يمثل ضربة قوية للدبلوماسية القطرية التى راهنت على صعود الإسلام السياسى فى المنطقة العربية , وإستثمرت الدوحة في ذلك جهداً ومالاً كثيرين على أمل إحتضان من سيكونون قادة ومسؤولى دول أساسية فى المنطقة العربية مستقبلاً، وفق توقعات الدوحة منذ سنوات, لكنها لم تيأس فبعد أن تم عزل الرئيس مرسى وتولى الرئيس السيسى زمام أمور البلاد , إستمرت الدوحة فى تقديم الدعم لجماعة الإخوان المسلمين , فإحتضنت قياداتها على أراضيها , وكذلك دعمها لحركة حماس وإحتضان قياداتها , وسخَّرت قناة الجزيرة مباشر مصر لتغطية أحداث 30 يونيو وماتلاها من أحداث وتحولات , مع التركيز على السلبيات وتضخيم الأحداث , وبث روح الفتنه والكره والرفض للنظام الحاكم فى مصر , ونشر الأكاذيب والشائعات , مع إستمرارها فى وصف أحداث 30 يونيو بأنها إنقلاب على الشرعية وأن الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيساً غير شرعياً للبلاد , بلإضافة الى ترويجها لشعار رابعة , وظل الوضع هكذا متوتراً، وبدأت مصر فى الضغط على قطر إعلامياً ودولياً حتى إضطرت قطر ترحيل 7 قيادات من جماعة الإخوان المسلمين عن أراضيها، تلك الخطوة رآها البعض أنها مناورة قطرية نتيجة للضغوط الأمريكية عليها، كما رآها البعض أنها خطوة إيجابية قد تغير شكل العلاقات بينها وبين باقي الدول العربية. المواقف القطرية الداعمة لجماعه الاخوان المسلمين أثارت إستياء المجلس العسكرى في مصر، ليتأزم من بعدها المشهد بقطع العلاقات الدبلوماسية الى أن تدخلت المملكة العربية السعودية فى مبادرة من العاهل السعودى عندما أصدر الديوان الملكي السعودى بيانا في 19 نوفمبر الماضى، قال فيه إن قادة السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت أكدوا في إتفاق الرياض التكميلى وقوفهم جميعا إلى جانب مصر، وتطلعهم إلى بدء مرحلة جديدة من الإجماع والتوافق بين الأشقّاء، وأعلنت مصر وقتها أنها تؤيد إتفاقاً بين دول خليجية لإنهاء خلاف مستمر منذ ثمانية أشهر مع قطر. وتم بالفعل إستقبال عبد الفتاح السيسى، لرئيس الديوان الملكي السعودى والسكرتير الخاص لخادم الحرمين الشريفين خالد بن عبد العزيز التويجرى المبعوث الخاص للعاهل السعودى، ومحمد بن عبد الرحمن آل ثانى المبعوث الخاص للشيخ تميم بن حمد آل ثانى أمير دولة قطر,وتناول اللقاء سبل تفعيل المبادرة التى طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود خلال مؤتمر الرياض الذى دعا إليه خادم الحرمين، وما تم التأكيد عليه في القرارات الصادرة عن المؤتمر بشأن التزام جميع دول مجلس التعاون الخليجى بسياسة المجلس الداعمة لمصر، والمساهمة فى أمنها وإستقرارها، فضلاً عن دعم التوافق بين الأشقاء العرب، وخاصة بين مصر ودولة قطر- بحسب المبادرة - وبحسب تقارير إعلامية، فإن تفاصيل المصالحة، جاء الإتفاق عليها خلال لقاء وزيرى الخارجية المصرى سامح شكرى، ونظيره السعودى سعود الفيصل، في باريس ، وهو اللقاء الذى جرت فيه مناقشة بنود بيان الملك السعودى، كما جرت مناقشة مطولة بين شكرى والسيسى بعد إنتهاء لقاء الأول مع الفيصل وأوضح الناطق باسم رئاسة الجمهورية السفير علاء يوسف، أن عبد الفتاح السيسى، ثمن جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود التي وصفها بأنها رامية إلى تحقيق الوحدة بين الدول العربية الشقيقة ونبذ الإنقسام، مضيفاً أن مصر تتطلع إلى حقبة جديدة تطوى خلافات الماضى، فدقة المرحلة الراهنة تقتضى تغليب وحدة الصف والعمل الصادق برؤية مشتركة تحقق آمال وطموحات الشعوب العربية, وأعرب السيسي عن إتفاقه التام مع خادم الحرمين الشريفين في مناشدته كافة المفكرين والإعلاميين بالتجاوب مع المبادرة ودعمها من أجل المضيى قدمًا فى تعزيز العلاقات المصرية - القطرية بوجه خاص، والعلاقات العربية بوجه عام. من جهتها أعلنت قطر ترحيبها بالبيان الصادر عن الديوان الملكي السعودى وبمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، مؤكدة في بيان لها- "وقوفها التام إلى جانب مصر الشقيقة، كما كانت دائماً"، مشيرةً إلى أن أمن مصر من أمن قطر، التي تربطها بها أعمق الأواصر وأمتن الروابط الأخوية، وقوة مصر قوة للعرب كافة . وبعد وفاة العاهل السعودى، الملك عبدالله بن عبدالعزيز شهدت العلاقات المصرية القطرية مرة آخرى تدهوراً ملحوظاً وبدأت قطر تتراجع تدريجياً عن ما تم الإتفاق عليه فى إتفاق الرياض التكميلى , وبرز ذلك من خلال موقف قطرعقب الأزمة المصرية - الليبية بعد أن تعرض 21 مواطناً مصرياً للذبح على يد تنظيم «داعش» الإرهابى بليبيا وإدانه الدول العربية كافة، وبشدة، لهذه العملية الإرهابية وأصدار مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين بيانًا يؤكد على مساندة ودعم وتفهم كامل من جانب الدول العربية، للتدابير والإجراءات، التى إتخذتها وتتخذها مصر لحماية مواطنيها والدفاع عن مصالحها وحقها الشرعى في الدفاع عن النفس، فضلاً عن التدابير المتخذة لمواجهة الإرهاب , والضربة الجوية لمواقع داعش في ليبيا، ثأراً لدماء المواطنين المصريين العزل , ووسط هذا التأييد جاء الرد القطرى متحفظاً على الفقرة الخاصة بحق مصر في الدفاع الشرعى عن نفسها وتوجيه ضربات للمنظمات الإرهابية التي إقترفت هذا العمل , بما إعتبره الجانب المصرى على لسان المندوب المصرى لدى جامعة الدول العربية خروج قطرى عن الإجماع العربى , فيما يتعلق بالحفاظ على العمل العربى المشترك , ويؤكد موقف قطر الداعم للإرهاب وتورطها فى دعم التنظيمات الإرهابية بالأراضى الليبية وعلى رأسها تنظيم داعش , وتنظيم أنصار الشريعة , وتنظيم فجر ليبيا بالمال والسلاح، وما تلى ذلك من إستدعاء قطر لسفيرها فى مصر سيف بن مقدم البوعينين لتدخل مرة آخرى العلاقات المصرية القطرية فى خندق مظلم . والى الآن تظل العلاقات المصرية - القطرية مثاراً للعديد من التساؤلات , ويظل الجانين المصرى والقطرى فى جدال مستمر, فالجانب المصرى يُصر على أن قطر راعية للإرهاب فى الوطن العربى , وأنها ساعدت فى تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن , وتحاول لعب نفس اللعبة مع مصر بتقديم الدعم المادى والمعنوى للجماعات والتنظيمات المتطرفة وإحتضان قياداتها على أراضيها , وعلى الجانب الآخر تٌصر قطر على نفى هذه الإتهامات مؤكده انها اتهامات باطلة تجافى الحقيقة ولا دليل عليها , ف الى أين ستتجه العلاقات المصرية – القطرية فى الأيام القادمة , هل لإتساع دائرة الخلاف والتوتر بين البلدين , أم الى إحتواء هذا التوتر ورأب الصدع بمساعدة دول مجلس التعاون الخليجى أو بتدخل غربى أمريكى ؟؟