هل يحتاج المثقف الي عملية تحديث لمخزونه الثقافي بنوعيه الأصيل والمكتسَب؟ أم هو يختلف عن الآخرين ولا يحتاج الي أن يجدد رصيده المعلوماتي وقناعاته التي يرتكز عليها في طرح افكاره وما شابه؟. إذا قال المثقف بأنه ليس بحاجة لعملية تحديث تشمل افكاره وقناعاته ومعلوماته وغيرها، هذا يعني انه اكتسب درجة الاشباع في هذا الجانب لدرجة ان قناعاته لم تعد قابلة الي التغيير، وبذلك يكون قد ارتكن تماما الي قاعدته المعلوماتية والفكرية التي اكتسبها في الماضي مضافا اليها قدراته الذاتية في هذا المجال. ولكن هل يمكن ان يبقي المثقف حبيسا لمخزونه الماضي، وهل ان خطوة رفضه او ابتعاده عن تحديث هذا المخزون بما يتوافق ومستجدات الراهن المتجدد أبدا، تصب في الاتجاه الصحيح؟.. إن المثقف هو ابن ثقافة المحيط ومحركها ومنتجها في آن، وطالما أن الثقافة ينبغي أن تتصف بالتحرك الحيوي الدائم بما يتواءم ومستجدات العصر، فلابد أن يكون منتجها متصفا بهذا الشرط، طالما انه احد عناصر انتاج الثقافة وتحديثها في الوقت نفسه، بكلمة اخري، لا يمكن الوصول الي ثقافة متحركة من خلال منتج ساكن او قارّ او ينتسب الي قاعة معلومات وقناعات وافكار سالفة الحضور والفعل في ساحة الماضي. وهكذا يكون الربط بين الثقافة والمثقف عضويا قائما علي الترادف الدائم بين الطرفين، فالمثقف القار (المقتنع) سيسهم بثقافة مقتنعة ومعتدّة بذاتها وغالبا ما تكون رافضة للتحديث والتفاعل مع غيرها من الثقافات ويكون لديها من الحجج والتبريرات ما يكفي لدعم موقفها كالحفاظ علي الهوية وما شابه، أما العكس (المثقف الحيوي) فإنه سيسهم بصناعة وتحديث ثقافة (حيوية) لها القدرة علي التجدد والانفتاح والتفاعل المقترن بالحفاظ علي الذات الثقافية التي تميزها عن غيرها لا من باب التفضيل المطلق، (فتصبح ثقافة متعالية ومعزولة) بل من باب التفرد المتكافئ مع الثقافات الاخري. ولكن يبقي السؤال قائما، مَنْ من المثقفين أكثر قدرة من غيره علي الإسهام بتحديث الثقافة ونقلها من حالة النكوص او السبات او الخمول (والاعتداد المتعصب بالذات) الي حالة النمو والانفتاح والتحاور وإثبات الذات من خلال التحديث الايجابي المتواصل لركائزها ومقوماتها جمعاء؟ بطبيعة الحال سيقع الاختيار علي المثقف الحيوي الذي يقبل التحديث بل ويقبل عليه ويبحث عنه من اجل ان يطور مخزونه وادواته كلها لكي يكون مثقفا معاصرا وبالتالي قادرا علي الاسهام في بناء ثقافة معاصرة متطورة واثقة ومتفاعلة مع الثقافات الاخري. من هنا تبدو ضرورة التحديث الذاتي للمثقف بالغة الاهمية، والمقصود بالتحديث الذاتي، هو الجهد الفردي الذي ينبغي أن يبذله المثقف من اجل تطوير قناعاته ومعلوماته وركائزه الثقافية كلها، وينسحب هذا علي وجوب الاطلاع المتواصل علي طرق وآليات الاتصال الحديثة، كالانترنت والطباعة وهضم معلومات الحاسبات وما يتعلق بذلك، ناهيك عن التواصل بصورة مباشرة مع العالم الآخر (الثقافات الأخري) والاطلاع علي سماتها ومقوماتها وقناعاتها ايضا، ليس من اجل المقارنة بين ثقافة المثقف وتلك الثقافات فحسب وكشف نقاط الضمور وما شابه، بل من اجل العمل علي فتح منافذ الاتصال والتحاور المتبادل بما يفيد الثقافات الانسانية بعيدا عن لغة التسيد الثقافي لثقافة دون غيرها. كما تبرز هنا خطوات مهمة اخري تتعلق بالجهد الذي ينبغي أن يبذل من لدن المعنيين (رسميين او أهليين) في مجال التحديث الثقافي للفرد وللثقافة ذاتها، بمعني أن الجهد الفردي للمثقف لن يكون بمقدوره تحريك الثقافة الي الأمام، بل يتطلب الامر تعاضدا جماعيا (رسميا) ممثلا بالجهد الحكومي المخطط له سلفا في هذا المجال مضافا إليه الجهد الأهلي ممثلا بالمنظمات والمؤسسات الثقافية التي لا تعتمد في أنشطتها وعموم حراكها علي الدعم الحكومي، بل ثمة المنافذ التي تستطيع ان تغذيها بالموارد اللازمة والداعمة لعموم انشطتها. وبهذا فإن القول بضروره التحديث الثقافي الذاتي للفرد المثقف سيصب في الطريق السليم لتحديث الثقافة ذاتها وجعلها اكثر قوة وحيوية وثباتا في آن.