كل قمة تتجدد المطالبات بضرورات التغيير والإصلاح والتجديد.. في البيانات الختامية للقمة.. لتعود فتكررها في القمم التالية دون تنفيذ شيء منها قضايا التنمية المستدامة والحكم الرشيد وتمكين المرأة والمشاركة السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتقسيم الثروات وبناء الطاقات أصبحت موضوعات مستدامة في القمم العربية مؤتمرات ولقاءات، جماعية وثنائية، جولات وزيارات، بيانات ونداءات، انتخابات وتهديدات، عناوين سريعة في الملفات الساخنة اليوم في المشهد السياسي العربي. عقدت خلال أيام ماضية في القاهرة دورة اجتماعات البرلمان العربي وتبعها اجتماع مجلس وزراء الخارجية، ومن ثم مجلس الجامعة. وصدر عنها ما صدر. اغلب فقرات البيانات تحذيرات ومطالبات، قد تكون انتباهات ضرورية ومهمة جدا، ولكن السؤال الدائم ما العمل؟ أين ومن هو المسئول عنها؟!، العبرة في التطبيق!. أجلت اغلب القضايا أو قدمت إلي مؤتمر القمة الذي انعقد في بداية هذا الأسبوع وسط توقعات بأن الدورة نفسها ستدور ويتصاعد التشاؤم الرسمي هذه المرة أكثر من السابق، لما هو عليه الواقع الصعب. القضايا العربية تتكرر في كل اللقاءات والاجتماعات. مرت عليها عقود وكل مرة تتجدد المطالبات بضرورات التغيير والإصلاح والتجديد. قضايا التنمية المستدامة والحكم الرشيد وتمكين المرأة والمشاركة السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتقسيم الثروات وبناء الطاقات وتوفير الخدمات وغيرها باتت موضوعات مستدامة هي الأخري. وقضايا الثقافة والأمية الثقافية والتطورات الهائلة في تقنية الاتصالات والعلوم والفضاء وغيرها مازالت المهمات الأولي والأساسية والتي لم تبتعد عن الأذهان كثيرا في البيانات الختامية. احساس بالمسئولية المصالح الوطنية والقومية تتطلب هي الأخري إحساسا أكبر بالمسئولية الفردية والجماعية، الرسمية والشعبية، والعمل علي نقد الذات والدعوة إلي تجديد الوعي بالحاضر والمستقبل، إيمانا بقدرات التغيير والتجديد والحفاظ عليها أمام الأخطار المحدقة بها، والملمات المتعاقبة عليها وعلي جميع الأصعدة. لا تكفي الشعارات البراقة والكلام المنمق في البيانات والنداءات وعلي الهواء دائما. ولا تجدي تصريحات بعض المسئولين عنها لتمرير الوقت أو الرد علي ركام الكلام. من هنا لابد من رؤية واضحة للقضايا العربية والمصالح الوطنية والقومية والعمل المشترك عليها. ووضع النقاط بوضوح علي الحروف وتسمية الجهات أو الأطراف أو الأفراد الذين يتحملون المسئولية المباشرة ودورهم فيها. علي سبيل المثال لنأخذ القضية الفلسطينية وما يحيط بها الآن، وكيف عالجتها البيانات والاجتماعات ومن يتحمل المسئولية عنها، كقضية إستراتيجية ومركزية عربية؟. قمة عربية وافقت علي مبادرة سلام وسمتها بالعربية وشكلت لها لجنة متابعة مبادرة السلام العربي، من وزراء خارجية العديد من البلدان العربية. المجتمع الدولي، كما يسمي إعلاميا، شكل لجنة رباعية لها، من ممثلي الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي وكلف رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بتمثيلها، مكافأة له ومعرفة بقدراته علي تنفيذ المطلوب منه بشأنها. لجنة متابعة مبادرة السلام العربي تنفذ ما يقترح عليها ولا تتمكن من فرض رؤيتها، وتمهل التعنت الصهيوني اشهرا لمفاوضات لم تثمر شيئا، بل ولن تعطي توقعا أخر. ومثلما وجهت الحكومة الصهيونية صفعة لأبرز حليف لها في قيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد وجهت لمقترحات أو تطمينات أهل النظام الرسمي العربي صفعات مشابهة أو اشد منها ولم يعتبروا منها بعد. وبلير تجول من جديد كما هو المندوب الأمريكي جورج ميتشل لإحياء مفاوضات غير مباشرة. بعد اتفاق أوسلو عام 1993 حصلت منظمة التحرير الفلسطينية علي ما يشبه "حكما ذاتيا" في الضفة الغربية وقطاع غزة وأسفر عن تكوين سلطة فلسطينية، عند الفلسطينيين والعرب وفي أغلب العلاقات العامة. وتدحرجت من بعده اتفاقات ومعاهدات ومؤتمرات ثنائية دائما، تستفرد بها الحكومات العربية خصوصا.. معاهدة وادي عربة، ومؤتمر واي ريفر عام 1998، ومؤتمر كامب ديفيد عام 2000، ولم تتوصل كلها إلي حل دائم وسلام عادل. نشطت جامعة الحكومات العربية أو حاولت تحريك مبادرة السلام وإعادة إطلاق عملية التفاوض بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، علي أمل الوصول إلي التأييد الدولي وذهبت إلي الأممالمتحدة ومجلس الأمن وعادت بخفي حنين. ومازالت تحمل الخفين دون قناعة بتغيير وجديد يعطيها بعض ما عملت من أجله وحصدت منه ما يحصل الآن من استهانة واسعة بجهودها ومصداقيتها ودورها في مصير القضية المركزية. جامعة الحكومات العربية تحرك جامعة الحكومات العربية كواجهة رسمية للعمل العربي المشترك أو هكذا تعلن حين تحاسب علي تنفيذ ميثاقها ومبادئ العمل العربي المشترك بخصوص فلسطين لم يثمر إلي الآن ويكاد يكون مستمرا ومتشابها في بداياته ونهاياته، بالنسبة إلي القضايا الأخري، وخصوصا قضية الاحتلال الأمريكي للعراق ومرور أعوام عديدة، سارت مياه كثيرة في جدوله السياسي والعسكري وتداعياته المحلية والإقليمية والدولية. ولم تعمل بجدية من اجل مساعدة الشعب العراقي علي التخلص من الاحتلال وبناء دولة مستقلة ديمقراطية موحدة. ورغم إقرار بدور خطير للكيان الإسرائيلي فيما حصل للعراق من تدمير الدولة ومؤسساته العسكرية والأمنية والاقتصادية والعلمية وكذلك التهديدات والتأثيرات الأخري في محاولات إعادته لموقعه العربي ودوره الاستراتيجي فان الجامعة وبعض الحكومات المنضوية تحتها لم تألوا جهدا في تغيير طبيعة الصراعات وصناعة أعداء جدد وتغيير البوصلة العربية في الدفاع عن المصالح العربية والإقليمية والثروات العربية والتحالفات السياسية. وتتعدد التحديات الإستراتيجية في أبرز القضايا الأخري، ومنها التهديدات الأمنية الداخلية ونشوب حروب أهلية وتبديد الثروات البشرية والاقتصادية والطبيعية العربية. ولا دور للعمل المشترك العربي ولا الإسلامي، رغم مرور أكثر من ستة عقود علي إنشاء جامعة الحكومات العربية واقل منها لمنظمة العالم الإسلامي والمنظمات الإقليمية الأخري. وفي النتائج المرئية والمتوقعة تبرز صورة مرعبة لمستقبل عربي يبتعد كثيرا عن أحلام أبنائه. القضايا الإستراتيجية في العالم العربي ما زالت بحاجة ماسة لعمل جدي وتفكير واضح وإخلاص وطني وقومي. المؤتمرات واللقاءات العربية والعربية الإسلامية لا ترد علي التحديات المتحركة والتي يلعب فيها العامل الخارجي دورا كبيرا، ويجعل من القضايا التافهة، كما سماها عمرو موسي أمين عام جامعة الحكومات العربية، محركا سلبيا بين الحكومات العربية ويفقدها الثقة ويحرمها من أبسط التوافقات علي الأمور العملية الثنائية والإقليمية، فكيف ينظر بعد إلي دور العمل العربي المشترك والتحديات الإستراتيجية المتصاعدة؟. كاظم الموسوي [email protected]