الهوية خلف النقاب عدم بلوغ الوعي الوطني المصري مرحلة النضج سبب لانتشار النقاب الفرد هو حجر الزاوية في بناء المجتمع وهوية الفرد تتحدد من خلال فكر وجسده والأهم ملامح وجهه يكثر الحديث اليوم في مصر عن انتشار ظاهرة النقاب، أسبابها ونتائجها، في بلد بلغ عمره أكثر من سبعة آلاف عام، أنشأ خلالها الكثير من القيم الحضارية علي كثرة تنوعها واختلافها، ومر بمراحل من الليبرالية الإجتماعية والفكرية كان آخرها مرحلة ما قبل ثورة يوليو، لم ينتشر النقاب حينها كما هو اليوم، وربما تعود أكثر أسباب انتشاره اليوم إلي عدم بلوغ الوعي الوطني المصري مرحلة النضج . قدراتنا الثقافية سبق أن صرح بعض المسئولين في مصر بمنع ارتداء النقاب في المدارس والجامعات خصوصاً أيام الإمتحانات، وكنت أرجو أن يكون الحوار هو وسيلتنا الوحيدة بديلاً عن المنع حتي ولو كان هذا المنع له وجاهته الحقوقية، خصوصاً أن النقاب ليس ظاهرة تمت للإسلام علي طول تاريخه بصلة، اللهم إلا صلة استدعاء التشدد والانغلاق الحضاري في عصور الظلام، في إعلان واضح عن مدي الضحالة الفكرية التي نعيشها اليوم . لكن لماذا يجب أن يتم بحث الظاهرة فكرياً وثقافياً قبل المواجهة الأمنية؟، ببساطة لأن أحد أكثر أسباب انتشاره من وجهة نظري في عصرنا الحاضر بين نساء مجتمعنا الفضليات، هي حالة الشعور بالعجز واللاجدوي التي تسود المجتمع أمام نمط الحياة الغربية الذي غزا مجتمعنا تكنولوجياً واستهلاكياً، في حال يصبح فيها ذلك النمط ليس من نبت الأرض والمجتمع، ويجعلنا نتصور أن قيمة النقاب هي من تربة إسلامية خالصة أو هو محدد للهوية في مقابل غزو ثقافي، مع أن النقاب ليس من الإسلام في شئ بقدر ما هو تعبير عن العجز المتصور أمام العالم، أقول العجز المتصور لأنه عجز نصنعه بأنفسنا وبفعل إرادتنا، كما أن نمط الحياة الغربية والأمريكي منها ما كان ليقلقنا فكرياً لولا أننا شعوب مستهلكة، علي العموم فالمسألة نسبية بدليل أن اليابان مثلاً أخذت نمط الحياة الغربي دون أن تتخلي عن تراثها أو تظهر تشددها تجاهه، بل وبقي زيها التراثي وقصص الساموراي تسري في عروقها حتي اليوم، ناهيك عن أن التكنولوجيا تعتبر غزواً فكرياً بالطريقة التي نتعامل بها معها، المشكلة هنا أننا مستهلكون فقط في حين أن الآخر المنتج لا يعرف إلا مصلحته فقط، وهذا في نهاية الأمر ليس عيباً فيه. إذن فالأمر قائم علي رد فعل لاواعي تجاه تفوق حضاري غربي استطاع النجاح في تسويق أنماط جديدة للحياة العصرية، وعلينا أن نختار بعناية من هذا كله ما يناسبنا دون أن ننسحب تماماً من الحياة بإخفاء وجوه بناتنا وزوجاتنا وتغييب عقولنا من خلال الفضائيات الدعوية، وبعيداً عن النمط الغربي في المأكل والملبس مازالت الفرصة أمامنا لنكتشف قدراتنا، لقد أعطت التكنولوجيا لكل من الرجل والمرأة في مجتمعنا علي السواء فرصة لاستغلال الإمكانات والقدرات الإنسانية، وأهم هذه القدرات هي الحرية والقدرة علي الإختيار، أنظر مثلاً لأجهزة التكنولوجيا فهي بطبيعتها تحتوي علي قدر كبير من الاختيار للمستخدم ( عقلياً أو روحياً ) مع كل خطوة يجريها المرء عليها، أوضحها التليفزيون ذو الفضاءات المتعددة الإتجاهات والموبايل والنت، ذلك الإختيار الذي يتطلب نضج وعي المستخدم وإلا كانت آثاره السلبية كارثية، وبفضل هذه الحرية أصبح الإنسان أياً ما كانت جنسيته ودينه، أكثر قدرة علي بعث إمكاناته العقلية ( إبداع فكري) والإنفعالية ( التمثيل المسرحي والسينمائي) والجسدية ( الاستعراض والرقص والفنون )، لكن ما حدث في المقابل أن انغلق المجتمع العربي الذي مازال يرفض اللحاق بقافلة الحضارة، ولأن الإنسحاب أمام الآخرين لم يكن ممكناً علي مستوي الواقع، وإن كان ممكناً علي مستوي الفكر أو قل اللا فكر كما هو حاصل اليوم، أصبح الإعلان عن عدم وجودنا هو الحل، فانتشار النقاب في جماعة ليس رمزاً عليها كما يوهمنا أصحاب الإسلام السياسي إنما هو رمز علي عدم وجود هذه الجماعة أصلاً، بمعني أنهم يرون هوية المرأة المسلمة من خلال إخفاء( تغطية) وجهها، كل هذا في مقابل الإنحلال الأخلاقي في الغرب، وكأن الإنحلال الأخلاقي هو كل ما أنجزه الغرب عبر مسيرته الحضارية، وهو ثمرة كفاحه علي مدي تاريخه ! وكأن الرجل الغربي لا ينشغل بالمرأة إلا من أجل الجنس والاستمتاع، فلا معامل ولا مختبرات ولا حلبات نقاش علمي، ومع كل هذا لا يمكن إنكار أن للغرب مصالح دائمة ومباشرة في ظل حالتنا اللاعقلية الراهنة، يجني فوائدها اليوم ربما أكثر من أي وقت مضي، لكن يجب أن يكون الأهم بالنسبة لنا هو معالجة تلك المحاولة المخجلة لنا بإبعاد نصف المجتمع (الزوجة / الأم / الإبنة / الأخت ) عن مجال الوجود الإنساني . ملامح وجهه الفرد هو حجر الزاوية في بناء المجتمع، وهوية الفرد في نهاية الأمر تحدد هوية المجتمع، وهوية الفرد بدورها تتحدد من خلال فكره وحديثه وجسده والأهم وجهه وملامحه، فعندما يصل الفرد لمرحلة عمرية معينة في أي دولة من دول العالم، تطلب منه حكومته كما يطلب منه مجتمعه بشكل ضمني استخراج بطاقة تحدد شخصيته نسميها البطاقة الشخصية وفي دول الخليج يطلقون عليها الهوية، وأهم ما في الهوية الصورة الشخصية للفرد، حيث أنها لا تعد من الكماليات لأنها الركيزة الأساسية التي يصر علي وضوحها موظف السجلات عندما تطلب منه استخراج بطاقة، بل إنه يرفض أن يأتي له رجل بصورة تغيرت فيها ملامحه بفعل إطالة لحيته، لأن وجهه ببساطة هو عنوان وجوده، فماذا يحدث لو أرادت جماعة من البشر إخفاء وجهها تماماً طول العمر، ألا تنفي هذه الجماعة وجودها أصلاً، أليس هويتها هنا ( النقاب) نفياً لوجودها الفردي والجماعي معاً . إن أخص خصائص الوجود الشخصي والإنساني لفرد هو وجهه، نعم الوجه بملامحه وتعبيراته، لقد خلق الله لنا وجوهاً لنعبر بها عن أنفسنا، نفرح نحزن نرتعد خوفاً، تظهر علينا إمارات النجاح والفشل، نضحك ونبكي أي في نهاية الأمر نصبح بشراً. لكن العقل العربي عموماً والمصري خصوصاً لسان حاله اليوم يقول : إني أري الرجل الغربي وقد أظهر المرأة من خلال عقلها وجسدها مما يعني التجربة والاختيار والسقوط الإنساني، وما يتبعه من تفجر إمكانيات وطاقات بشرية و إنسانية، يعني أنه يكشف نصف المجتمع من حيث هو إنسان بغرائز وعقل وشرط أرضي، وأنا مضطر والحالة هذه - مازال الكلام للعقل العربي - أن أخفي نصف المجتمع عندي ( المرأة ) ، وأبرر هذا بالحفاظ علي الهوية والدين والتربية والأخلاق، وكل هذا معناه ضمنياً أنها لا تمتلك أياً من هذه القدرات، ويجب أن أحميها أو أمحيها لا فرق عندي في الحالتين، لأنها في نظري شئ أو شخص يجب تشييئه . إذا في مقابل عالم بأكمله يبحث عن قدرات الإنسان وطاقاته الإبداعية، لا نري - نحن العرب- في أنفسنا قدرات ولا إمكانات، فنحن في مواجهة العالم بثقافاته وأفكاره وفلسفاته منها المغرض والنافع، نفضل مواجهة هذا بنفي أنفسنا من الوجود، وربما عمّا قريب سوف ننقب رجالنا أيضاً ، إنه انتحار جماعي مبرر علي الأقل بالنسبة لنا .