تصعّد الحكومة التركية هجومها علي جنوبها العربي وبأبعاد خطيرة بعيدة عن الدبلوماسية وما ادعته من خطط استراتيجية لدور لها معلوم في إطار التحولات الجغراسياسية في المنطقة. ويتوضح هذا التصعيد بعد أن فشلت سياستها التي رسمها لها وزير خارجيتها احمد داود اوغلو وسماها تصفير المشاكل. الوقائع المرئية والمخفية تقول بتعدد المشاكل الآن مع اقرب الجيران لتركيا، وان سياسات الحكومة التركية، ورئيسها رجب طيب اردوغان، تتسم بروح عدائية وهجومية ولو احيانا او ابتداء بالتصريحات الرنانة والخطب المتشنجة والكلمات العنجهية مع جيرانها المختلفين معها. وأخذت علاماتها تتكشف مع سوريا الي درجة تجاوزت التهديد بأعمال عسكرية تركية بعد اسقاط طائرتها في المجال الجوي للسواحل السورية، اضافة الي الدعم اللوجيستي المتعدد الاشكال وبالسلاح والقواعد العسكرية للمعارضين لدمشق. ومثلها مع بغداد إلا انها تميزت بخطوات خطيرة علي مستويات مختلفة، من بناء السدود علي منابع نهري الرافدين في اراضيها وخرق الاتفاقيات الدولية والمشتركة بين العاصمتين، وبصفقات استفزازية مع رئاسة اقليم كردستان العراقي وخرق الأجواء العراقية بطيرانها العسكري وقصف اراض عراقية في شمال العراق وفتح اراضيها لتشكيل قوي مناوئة لسلطة بغداد المركزية علي أسس طائفية وإقليمية مترابطة مع مشاريع اكبر منها وابعد مدي من تحفظاتها وعلاقاتها الاستراتيجية بالعالم العربي وما يحصل فيه الآن والحملات الاستعمارية والتعاون الصهيو امريكي لرسم معالم خارطة جديدة فيه تتضمن دورا لتركيا ولحزبها الحاكم بهويته الاسلامية المنسجمة مع المشاريع الاطلسية. تجاوزات مباشرة تثير هذه التجاوزات المباشرة والمعلنة رسميا اشكاليات تخبط السياسات التركية واعتماد مسار آخر ضمن خطط تستهدف اشعال نيران وصراعات تستهدف امن المنطقة وتهديد مستقبلها والتنسيق مع اعدائها الذين يعملون من اجل ذلك. كما أن هذه الخطوات المتصاعدة تكشف من جهة اخري تعامل الحكومة التركية مع جيرانها بأساليب لا تنم عن حسن جوار وتصفير مشاكل بقدر ما تسعي الي تأزيم مكثف وصناعة أوضاع خطيرة قد تؤدي الي تدهور امني حاد ونزاعات مسلحة بشكل أو بآخر. وتشير مصادر الي أن تصعيد أنقرة ضغوطها المتعددة علي بغداد لا يخلو من مواقفها من الازمة السورية وتطورات المواقف العراقية منها، وكذلك من الازمة النووية الايرانية وإعلان صريح لاصطفاف تركيا الرسمي مع عضويتها في حلف الناتو وليس مع هويتها الاسلامية وجيرتها للبلدان المعنية وتناقض مع تصريحاتها بالاستقلال السياسي والسيادة الوطنية لكل الاطراف. الخروف الأسود والأبيض في التاريخ حكمت بغداد قبائل تركية تسمّت ب قره قوينلو وآق قوينلو، وهي باللغة العربية، الخروف الاسود والخروف الابيض، وحكمتا بغداد، الاولي بين (1375 - 1468) والثانية بين ( 1468 - 1508) وفي كليهما هزمتا وعادت بقاياهما الي تركيا الحالية ولم يتركا اثرا يحفظ لهما مكانة تاريخية غير اسميهما ووقائع التاريخ القاسية. ويبدو أن رئيس الحكومة التركية اردوغان يتذكر تلك الحقب السوداء في التاريخ ويتمثلها مؤخرا في تصريحات له بأنه من احفاد تلك السلالات التي حكمت في المنطقة وآخرها العثمانيون وما سجله التاريخ عنها. فهل ما يقوم به بصدد العلاقات مع بغداد استعادات من تلك الاسماء، هل هو في المفهوم المعاصر وما حصل من علاقات دولية وقوانين وقوي عسكرية وتحالفات وغيرها، هل هو آق او قره قوينلو جديد؟ وماذا يريد من حملاته المتكررة علي بغداد، هو او افراد حكومته، او تمرير رسائله عبر آخرين من فسح لهم من العراقيين وغيرهم بيوت مناف ومنصات هجوم علي بغداد بأشكال مختلفة، للأسف اغلبها يحمل ابعادا طائفية لا تخدم ما يدعيه من اسلام وسطي معتدل علنا ومحمي بقوات الناتو واقعا وصفقات مشبوهة لن تساعد علي بناء ثقة وعلاقات طبيعية بين الجيران سرا وعلنا؟! آخر حملات أنقرة علي بغداد صفقات تصدير النفط العراقي من اقليم كردستان العراقي مباشرة دون اتفاقات مع المركز والحكومة الرئيسية التي تحكم العراق. مما دعا الحكومة العراقية الي مطالبة أنقرة بوقف هذه الصفقات غير القانونية محذرة من الاضرار في العلاقات التركية العراقية، خصوصا علي الصعيد الاقتصادي. وأشار البيان العراقي الرسمي، (16/7/2012) إلي أن "النفط والغاز ملك لكل العراقيين ويجب أن يتم تصديرهما وأن توجه مواردهما للحكومة الاتحادية"!، مضيفاً أن "تركيا تساهم بفعلها هذا بتهريب النفط العراقي وتضع نفسها في موقع لا نتمناه لجارة صديقة تربطنا بها مصالح كبيرة". وأكد أن "هذا الأمر سيؤثر علي العلاقات بين البلدين وخصوصاً العلاقات الاقتصادية مشدداً علي رفض بلاده أن تكون تركيا طرفا وأن "تُفسر دستورنا بطريقتها الخاصة، فلدينا خلافات حول موضوع النفط وعقوده مع إقليم كردستان وهذه قضية عراقية يتم التعامل معها ضمن الوطن الواحد... هذا ليس عمل دولة مسئولة وأضاف المتحدث الذي نشر البيان أن "تركيا ومسئوليها اختاروا أن يتعاملوا مع غير الحكومة الاتحادية التي لها كامل السيادة في التعاملات الخارجية، وهذا إجراء غير قانوني"، متسائلا "هل ستسمح دولة تركيا بالتعامل السيادي مع مستوي أقل من الحكومة المركزية التركية؟". كم ستستمر السياسات التركية في ممارساتها العدوانية هذه مع بغداد وهل تغيرها اذا تغيرت مواقفها مما يحيط بها من أزمات ولماذا هذه السياسات التي لم تجن منها ما وعدت شعبها والعالم به عند فوزها بالانتخابات التشريعية الأخيرة؟. أن الاخبار المتواترة من توتر الأوضاع في الحدود العراقية التركية وقصف الطائرات التركية لقري عراقية واختراقات متكررة للمجال الجوي اضافة اخري لتازيم تلك العلاقات وصناعة أوضاع لا تخدم بتاتا العلاقات القانونية بين بلدين مستقلين، فكيف وهما جاران تاريخيان وبينهما روابط كثيرة ومصالح مشتركة! تطورات العلاقات بين أنقرة وبغداد عنوان اخر لفشل سياسات الحكومة التركية وأقطابها واستمرارها في هذا التصعيد ينذر بما لا يحمد عقباه مستقبلا.