المؤلف يقدم تحليلا لعدد من الروايات منها «نبيذ أحمر» لأمينة زيدان و«ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي و«غادة الرشيد» لعلي الجارم الكتاب محاولة لمناقشة قضية الأدب والنقد النسائي خلال نماذج قصصية لروايات وقصص قصيرة للرجال والنساء بلاغة السرد بين الجنسين.. عنوان كتاب الدكتور سعد أبو الرضا الصادر عن الهيئة العامة للكتاب من القطع الكبير فيما يقرب من 230 صفحة وقد اشتمل علي ثلاثة فصول تضمنت تحليلا لبعض الروايات منها: «نبيذ أحمر» لأمينة زيدان ، «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي، «البحث عن الجذور» لمؤمنة أبو صالح، «عذراء بغداد» لمريم عبدالباقي، «جمرات تأكل العتة» لمني المديهشي، «لكني امرأة» لماجدة شحاتة إلي جانب عدة نماذج من الأدب الإسلامي والتاريخي مثل «غادة الرشيد» لعلي الجارم، «مهما غلا الثمن» للدكتور عبداللطيف العريني، «مولانا أبو البركات» لمحمود تيمور. المرأة الأوروبية المقهورة يؤكد د. أبو الرضا في مقدمة كتابه أن مقولة المرأة المصرية مقهورة ومهمشة غير صحيح بل علي العكس، إن المرأة الأوروبية هي التي ظلمت وقهرت ومن حقها أن تطالب بدفع هذا الظلم والقهر وقد قامت بذلك فعلا حتي تجاوزت الخطوط الحمراء؟! بينما المرأة المسلمة قد نالت كل حقوقها منذ فجر الإسلام اللهم إلا في بعض المجتمعات التي تعطل هذه الحقوق لتأخرها. ويحاول هذا الكتاب مناقشة هذه القضية اسهاما مع كثيرين وكثيرات ممن حاولوا عرضها واثارتها بين مؤيد ومعارض متخذين من النماذج الإبداعية وسيلة للكشف والتباين كما سيتضح من خلال أعمال إبداعية للإناث والذكور. الفصل الأول بعنوان «الغزامي والأدب والنقد النسوياني» بين نقاد ثلاثة ناقش فكرة الأدب والنقد النسويين خلالها وجهات نظر مجموعة من النقاد هم «الدكتور عبدالله الغزامي» في كتابه المرأة واللغة، و«الدكتور إبراهيم خليل» في مقالته الروائية العربية والخطاب النسوي، وهدي الزين في كتابها الأدب النسوي المعاصر في سوريا ولبنان - والهدف من ذلك كشف بعض اتجاهات الأدب والنقد النسويين بين القبول والرفض وتوخي ما يبتغيه هؤلاء النقاد من حريتهم في هذه القضية الخاصة بالنسبة إلي لغة المرأة في الأعمال التي ناقشوها وهي اتجاهات يمكن أن تتآزر معها الدراسات التحليلية للأعمال الروائية والقصصية المتناولة هنا في الفصلين الثاني والثالث لبيان مدي ترسخ فكرة الأدب والنقد النسويين في حياتنا المعاصرة وعلاقة ذلك بفنية هذه الأعمال. أما الفصل الثاني فقد خصص لإبداع المرأة بمناقشة كثير من القضايا التي تتعلق بالفن الروائي مثل عبثية الرؤية والأدب النسائي في رواية «نبيذ أحمر» لأمينة زيدان من مصر والجنس والتداعي وشمولية الصور في رواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي من الجزائر، والتقنيات الروائية الحديثة في رواية ليلي الجهني الفرودس اليباب ، جاهلية من السعودية، ويحكي القيم الأخلاقية في البناء الروائي في رواية «البحث عن الجذور» لمؤمنة أو صالح من سوريا وكذلك في رواية «عذراء بغداد» لمريم عبدالباقي من السعودية أيضا . هذا وقد برز من تحليل المجموعات القصصية للرجال مناقشة بعض قضايا الفن الأخري منها تجلي الحس الديني في القصة القصيرة في نموذجين لمحمد تيمور ونجيب محفوظ ثم ملامح التجربة الإبداعية في القصة القصيرة في مجموعة «تلك التفاصيل» لحسن حجاب الحازمي من السعودية، والتوفيق بين الدعوة والفن في قصص الشيخ علي الطنطاوي من سوريا. ورغم تعدد مظاهر السرد كعلم ارتبط بالغيبوبة وما بعدها لكن مجال البحث هنا مرتبط بصفة أساسية بالرواية والقصة القصيرة ومحاولة جلاء عناصرهما السورية وعلاقة اللغة بهذه العناصر كاستخلاص القوانين التي تحكم هذا السرد. وفي كتابه الرائد المرأة واللغة ناقش د. الغزامي هذه القصة معتمدا علي الخطاب السردي للمرأة علي المستويين السعودي والعربي عارضا لكثير من الروائيات ذوات الأعمال المتميزة في نظره مبينا أن الخطاب السردي للمرأة أقدر في الكشف عن هذا الموقف ولم يعتمده د.الغزامي علي الخطاب السردي للمرأة -فحسب- وإنما حشد وناقشها من الآراء والمقولات ما يؤيد وجهة نظره تلك - أي تهميش المرأة لفلاسفة وعلماء كأفلاطون والجاحظ وفرويد وداروين وجارودي والعقاد وغيرهم كذلك آراء نساء عربيات كمي زيادة وبنت الشاطئ وسهير القلماوي وسلمي الخضراء ونوال السعداوي وغيرهن أجنبيات كفرجينيا ودولف وسيمون دي بغدار ليدلل علي قهر المرأة وتهميشها بيدها أو بيد الرجل. بل إنه في هذا الكتاب قد لا يري لها من وظيفة إلا امتاع الرجل بالحكي ومن ثم فقد كثرت في لغة هذه الكتابة عبارات الشبق والجنس والجسد. لكن الدكتور الباحث محمد عبدالمطلب في هذا المجال ينقض كل ما ذهب إليه د.الغزامي من ذكورية اللغة مبينا أن الذكورة والأنوثة مفردتان محايدتان في أصل المواضعة اللغوية كما تبين أن ذكورية اللغة زعم من مزاعم ما يشيع في البيئة الثقافية دون تمحيص أو دليل لأن اللغة في تشكيل دوالها إنما كان هدفها تحقيق التواصل بين المتكلمين وأن ظاهرة التغليب أو الحمل لا تعني المفاضلة. في الفصول الثلاثة الأولي يحاول الغزامي مناقشة موقف المرأة في «ألف ليلة وليلة» وقد أخذت الأنثي دور الحكي والتسلية للرجال بينما كان شهريار يستمتع بذلك ولا يري الغزامي في ذلك إلا انتصارا للرجل! نبيذ أحمر أما بالنسبة لرواية «نبيذ أحمر» فقد تجاوزت العبثية فساد الواقع وما فيه من فوضي وعنف وخطوط حمراء وأخلاق واعراف وربما كان اعتماد الرواية علي تعاطي الشخصية للخمر فيها من مسوغات اختيارها لهذا العنوان. وهذه الرواية تمزج الواقعي بالتاريخي ومن ثم فهي يمكن أن تكون ذات صلة وثيقة بالسيرة بما فيها من أحداث تتعلق بالشخصية الرئيسية «سوزي» وحكيها لها خلال تسلسل هذا العمل، وقد يكون في ذلك نوع من الاعتراف لاسيما وهي تبدأ زمنيا من العاشرة لتصل إلي الأربعين وما بعدها بقليل، وربما كانت هيمنة الجانب التاريخي السيري التسلسلي علي حياة الشخصية الرئيسية «سوزي» مدعاة لتصور ضآلة الجانب الفني الروائي، لكن هذا الزعم يمكن أن يتلاشي بالنظر إلي ما شكل الرواية من جوانب رمزية تتصل بعنوانها وسريان اللون الأحمر خلال هذا العمل بالإضافة إلي مواقف الاسترجاع التي تبثها الشخصية الرئيسية في مختلف ارجاء الرواية كاشفة عن تدفق تيار الوعي وتوظيف المونتاج السينمائي، وما يرتبط بذلك من لصق أو كولاج وغير ذلك مما يتعلق بفن السرد الروائي ونجاحه التجريبي منه الذي يمكن أن تنتمي إليه رواية «نبيذ أحمر» كضرب من ضروب الرواية الجديدة اليوم. ولعل مما يتصل بالأدب النسائي ونماذجه الهوائية كيفية تقديم المشاهد الجنسية في بناء الرواية لتدعيم الأهداف المنوط بها ففي «نبيذ أحمر» قدمت الكاتبة هذه المشاهد الجنسية بصورة مقززة، فبقروش زهيدة تناوب ثلاثة من الشباب علي «خيرية» فتاة الرابعة عشرة وقد تسال الدم منها وقد تلصصت عليها «سوزي» بلا إرادة خلال أعواد خوص العشة الهشة التي كانت خيرية تتمدد فيها ثم رأتها مقتولة بها وتلك مغامرة من المغامرات التي ارتبطت بالتهجير وعبثية الرؤية في الرواية. ويرتبط بما سبق مالفت نظر سوزي بطلة الرواية في موقف جنسي آخر المتمثل في حركة أبيها وأمها المتوجه علي السرير تحت اللحاف الفستقي الباهت، وما كانت سوزي تتصور أن يكون بينهما مثل هذا الذي يحدث أمامها وهي بين النوم واليقظة. ذاكرة الجسد يمكن أن تجسد الرؤية السردية في رواية أحلام مستغانمي إنذارا قويا لاستفادة الجزائر والأمة كلها بما ترددت فيه من ضعف وفساد، الجزائر الثورة التي أصبحت دولة يستغلها المستغلون والمراءون والعملاء وأصحاب المصالح وغاسلو الأموال بينما الشعب يعيش في ضنك وحرمان كما تلفت هذه الرواية النظر إلي كثيرا من الحكام العرب الذين يمتطون العروش ولا يخلصون للشعوب، فالذاكرة والجسد هما بطلا الرواية «خالد» الذي تجمع شخصيته كثير من تناقضات الإنسان، فهو الوطن الذي فقد ذراعه في حرب التحرير الجزائري لكنه في الوقت نفسه يتعامل مع مستغلي الثورة ويهدي بعضهم الصورة التي يرسمها رغم احتقاره لهم. ولقد كان انصرافه إلي الرسم تعويضا نفسيا أيضا لما أصابه بعد ببتر ذراعه بناء علي توجيه الطبيب اليوغسلافي في تونس.. وفعلا حاول تحقيق ذاته خلال الرسم لكن لماذا الرسم؟ انه قد رسم وطنه متمثلا في جسور قسطنطينية مسقط رأسه وصورة أحد هذه الجسور هي التي جذبت «أحلام» إليه وجمع بينهما الحب، وإن كان هذا الوطن يعاني أهله ضيع الحياة فلم تحقق لهم الثورة وتضحياتهم من أجلها ومناصرتها ما كانوا يرجونه من خير وتقدم وازدهار هكذا صورت الرواية «خالد» فاقدا لأشياء كثيرة ذراعه في حرب التحرير وقد كان ذلك مبعث فخر له أحيانا وفي أحيانا أخري كان يشكو من أمية الوطن ذلك عندما لم يعامله موظف الجمارك في وطنه المعاملة اللائقة به رغم رؤيته له مبتور الذراع.