الانتحار في اليابان ليس لحظة ضعف وإنما هو حرية شخصية.. وليست هناك عُقد ولا أزمات في الأدب الياباني تُري ما الذي يجعل كاتباً عالمياً كبيراً مثل ماركيز يقول وقت أن قرأ رواية (الجميلات النائمات) للكاتب الياباني (ياسوناري كاوباتا):كنتُ أتمني لو كنتُ أنا مَنْ كتب هذه الرواية؟! كذلك تقول د.هيفاء البيطار الكاتبة السورية في دراسةٍ لها حول الأدب الياباني عنوانها:سحر الأدب الياباني إنها كلما قرأت رواية لكاتب ياباني خصوصاً كاوباتا وميشيما تتذكر عبارة ماركيز السابقة وتقول لنفسها ليتني أستطيع أن أكتب مثل الأدباء اليابانيين.لكنها تعلن علي الرغم من تمنيها أنها لن تستطيع أن تكتب مثلهم والسبب في هذا لا يتعلق بمسألة اللغة بل يتعلق بالروح .. فنحن العرب ببساطة لا نمتلك روح اليابانيين. سطوة الدين تقول د.بيطار في دراستها إن أول ما يدهشها في الأدب الياباني هو تحرره من سطوة الدين..إن الإنسان الياباني ليس إنساناً مُعذَّباً بالوصايا العشر ولا بمفاهيم مثل:الإثم.. الحلال.. الحرام.. وما هو علي شاكلتها.غير أن هذا لا يعني أبداً أن الإنسان الياباني ليس عنده أخلاق بل إن الحس الأخلاقي عند الياباني عالٍ جداً.. غير أن الدين في حياته ذو تأثير طفيف كما لو أن الدين يكمن خارج حياته أو قل علي هامشها ولا يتوغل في جوهر كيانه.من هنا يبدو المجتمع الياباني مجتمعاً لا دينياً وهذا ما يمنح الأدب آفاق حرية مدهشة.أيضاً لا يوجد حس الإثم المنجذر في أعماق شخصيتنا وسببه غالباً استخدام الدين لتخويف البشر مع أن الدين في جوهره جاء ليسعد الإنسان ولينظم له حياته وعلاقاته مع كل من هم حوله. الانتحار ليس جريمة ونظراً إلي غياب الإله من الأدب الياباني وبالتالي من الحياة اليابانية فإن نسبة الانتحار هناك تُعدُّ مرتفعة جداً بالقياس إلي مجتمعات أخري خاصةً أن الانتحار لدي الياباني ليس جريمة كما هو في كل الأديان.. بل هو عند الإنسان الياباني أحد أشكال ممارسة الحرية الشخصية.. فهو لديه ليس هروباً ولا ضعفاً بل هو قرار حر بإنهاء الحياة حين يري أن هذا هو القرار المناسب كما تقول دراسة د.بيطار. أدب رفيع حتي إن الكاتب الكبير الحاصل علي جائزة نوبل كاوباتا والذي درَّس علم احترام الحياة لسنوات عديدة انتحر ذات يوم وعلي نهجه انتحر ميشيما ذلك الروائي العبقري الذي كتب ثلاثية (معبد الفجر). هكذا لا يبدو الانتحار في اليابان لحظة ضعف وإنما هو حرية شخصية.وعلي الرغم من أن الأدب الياباني يبدو لمن يطلع عليه ويقرأه أدباً خالياً من المشاعر وأن ثمة بروداً وفتوراً يغلف العمل الأدبي كله ولا نجد مشاعر جَىَّاشة ولا نلمس حسَّاً بالفجيعة ولا نشهد مشاعر صارخة متصارعة وليس هنالك لا الحب الملتهب ولا العبارات الطنانة ولا الإنشاء المُنمّق إضافة إلي أن لغته تنساب ببساطة وإيجاز ودقة ودون استعمال للكثير من الصفات إلا أننا نجد أنفسنا فجأةً أسْري روح عالية وأدب رفيع. أحكام قِيمَة في الأدب الياباني تنساب المشاعر الإنسانية بسلاسة آسرة تُشعرنا بأننا دخلنا في حالة عدم انعدام الوزن.ثمة إحساس بالخفة والرشاقة والسمو كما تتحرر أرواحنا من قيود كثيرة تشدها إلي أسفل وتجعلها ثقيلة.لذا فإن البساطة والعمق هما أهم ما يميز الأدب الياباني وهذا ما تراه د.بيطار في دراستها. كذلك يبدو الأدب الياباني متحرراً من ثقل الأحكام الأخلاقية.. فالكتَّاب يسردون وقائع الحياة كما هي دون أي مىْل إلي إطلاق أحكام قِيمة.وتعرض د.بيطار مثالاً لهذا يتمثل في رواية (ضجيج الجبل) لكاوباتا التي يعرض فيها مشكلة أب يشعر بشرخ كبير في علاقته مع ابنه الذي صار غريباً بعد أن عاد من الحرب منهزماً يتخذ له عشيقة ويوقع الأسرة في مشكلة حين تحمل الزوجة والعشيقة في الوقت نفسه.وتُعلق قائلة لو تناول الكتاب العرب هذه المشكلة لقرأنا صفحات من المشاعر الملتهبة بالغضب والقهر.. صفحات من الصراخ والشجار والآلام النفسية التي لا تُطاق ولا تُحْتمل قط.لكن كاوباتا تناول الموضوع كما لو أنه ليس هناك مشكلة فلا صراخ ولا احتجاج لأن الأمر صار حقيقة واقعة.. لكنه ينقل لنا هوْل الوضع اللا إنساني عن طريق تفكير الأب بصمت وألم بابن العشيقة الذي لن يعرف أسرته ويقارنه بالابن الشرعي الذي سوف يحظي بكل الامتيازات.بعبارة أخري بسيطة تقول العشيقة للأب المفجوع بسلوك ابنه الرافض الاعتراف بأبوته للجنين :(سأحتفظ بالطفل.. إنه لي.. النساء ىُنشئنَ الأطفال الذين نسيهم الرجال منذ زمن بعيد.) سماء بلا عائق إذن ليست هناك عُقَد وليست هناك أزمات في الأدب الياباني بالمعني المألوف الذي نعرفه خاصةً بعد أن اعتدنا في حياتنا كما في كتاباتنا أن نأخذ الانفعالات حتي حدودها القصوي.فيما لا توجد في الأدب الياباني حدود قصوي.. فقط يوجد نبع يتدفق مثلما يتدفق النهر .. ثمة انسياب جميل للزمن بكل تجلياته المأساوية والمفرحة. هكذا نشعر أن الأدب الياباني كطائر يحلق في سماء لا يحدها عائق مزهواً بإحساسه وبذاته الحرة الطليقة التي لا تقيدها لا تشريعات ولا قوانين.. إنه باختصار أدب النفس الحرة.. ليست حرية الانفلات وإنما حرية السمو والرقي.هذا هو الأدب الياباني كما تراه د.هيفاء بيطار.. تُري كيف نري نحن أدبنا العربي؟ أريحوا أنفسكم لا أحد يستطيع أن يطالب بالطبع أن يخلو الأدب العربي من وجود الله تعالي لكن الذي نطالب به هو ألا يكون ثمة أوصياء علي الدين الذي خىَّر الله تعالي عباده في اعتناقه أو في عدم اعتناقه.. لقد ترك الله سبحانه وتعالي لنا حرية الإيمان به أو عدم الإيمان به.. لقد ترك للإنسان الحرية في هذا ونأتي نحن البشر لنضيق علي أنفسنا وعلي خلق الله.. لماذا؟.. لستُ أدري. من هنا أقول للذين يبقرون بطون الكتب ليعثروا فيها علي سطر جنسي أو علي عبارة تفوح منها رائحة الكفر بالله تعالي ليجلدوا صاحبها ويلقوا به في جحيم أبدي.. أقول لهم:أريحوا أنفسكم.. فالله تعالي ليس في حاجة إلي معونتكم وهو قادر علي فعل ما يشاء.. فقط أصلحوا أنفسكم فلربما اقتدينا بكم!!!