لينين الرملي: ترتكز الممارسة الديمقراطية علي مبدأ الصراع الداخلي الذي اعتدنا علي أفكاره واستبعاده طوال الوقت لذلك يتخذ الجدل مسارات مرتدة متوترة بهيج إسماعيل: الناس في حالة استنفار دائم حتي في حالة الحكم بالإعدام كانوا سينزلون الميدان مهللين وفي حالة البراءة مستنكرين أبوالعلا السلاموني: من المؤكد أن الاستفتاء كان استلابا لروح الثورة ووعيها والآن يعود الإخوان للحديث عن العدالة المشهد السياسي المصري ينذر بالخطر الأحداث سريعة صادمة ومتوترة الشخصيات شرسة عنيدة جامحة.. عيونها علي السلطة القادمة الصراع أصبح كالوشم الناري علي ذاكرة الوطن.. يندفع بقوة لتسقط كل الأقنعة التفاصيل غزيرة متشابكة.. حمقاء متسلطة.. رمادية غائمة.. مسكونة بالزيف والوعي والدم والعشق، واللحظات تشهد جدلا ونفيا ومدا وجذراً وعبثا مأساويا صارخاً. كانت البدايات في 25 يناير 2011 يوم ميلاد ثورة مصر حين تفتح الورد في الجناين والشوارع والميادين وقرر الناس أن يمتلكوا الروح والجسد ويعانقوا نجوم الحرية. منذ 25 يناير وحتي الآن يشتبك المشهد السياسي بالمشهد الدرامي لنصبح أمام مفارقات تاريخية، ووثبات درامية مدهشة.. فقد سقط الرئيس السابق، وظل نظامه باقيا يشعل صراعاً نارياً ليستلب روح الثورة ويعود إلي المسار.. التيارات الدينية دخلت قلب المشهد.. صعد الاستفتاء وغاب الدستور.. ولايزال.. الإخوان قطفوا الثمار واستأثروا بها.. امتلكوا البرلمان والشوري وامتد الطموح إلي الوزارة والرئاسة.. ولعبة السياسية تحاول العودة إلي المربع صفر.. بينا تشهد مصر جدلاً عارماً حول الحكم الصادر ضد مبارك بالأشغال الشاقة المؤبدة. رغم عذابات الروح وسقوط الأحلام فان الصراع العنيد يأخذنا إلي لحظة فارقة.. قد نكون فيها أو لا نكون.. وفي هذا السياق نتعرف علي قراءات مختلفة لمجموعة من مثقفي مصر ومبدعيها الكبار حين تشتبك الساسية والدراما مع الإنسان والحرية. لينين الرملي الحياة دراما.. ترتكز بقوة علي الصراع الداخلي.. والمشهد السياسي الحالي هو ابن شرعي للدراما في أعلي مستويات تعقيدها وتركيبها. في مصر والشرق بشكل عام تتجه تيارات الفكر والفلسفة نحو انكار الصراع الداخلي ونفيه بعيداً عن موجات الحياة والواقع والسياسة.. وهذه الرؤية تتضح ببساطة في معظم إنتاجنا الفني حيث الصراع الخارجي هو الأكثر حضوراً في وجودنا، لتكريس التسطيع والتبسيط والتغييب في الأطر الضيقة لتناقضات الأبيض والأسود.. حكايات العسكر والحرامية، وقصص الحب الوهمية.. باختصار نظل أسري التوجهات الأحادية المغلقة. ترتكز الممارسة الديمقراطية علي مبدأ الصراع الداخلي الذي اعتدنا علي انكاره واستبعاده طوال الوقت، لذلك يتخذ الجدل الحالي مسارات مرتدة متوترة، يتجه بقوة نحو ديكتاتورية جديدة، فثقافة الاختلاف لاتزال غائبة، وإذا تأملنا البرلمانات في بلادنا نجدها مجرد شكل مفرغ من محتواه، حيث الأغلبية المتسلطة المندفعة إلي أهدافها وأهوائها والأقلية الصامتة التي تدعي نوعاً من المعارضة الوهمية. الآن وصل الصراع إلي أقصي مداه.. أصبح حادا مخيفاً يهدد بالخطر، لكن القراءة العميقة للتاريخ وثورات الشعوب تمنحنا يقينا بنهايات مغايرة، رغم الضبابية القاتمة التي تسيطر علي المشهد السياسي، وإذا كانت أي دراما في المسرح تنتهي إما بهزائم وانكسارات أو بصعود وانتصارات، فان روميو وجولييت، شكسبير، يموتان لتنتهي أجمل قصص الحب والحياة، وتشهد خشبة المسرح تيارات الحزن والدموع بعد أن ضاعت الأمنيات، وكذلك يموت كل أبطال عالم هاملت لتبقي أشباح الموت والظلام وعلي مستوي آخر قد تبعث الدراما انتصاراً لإرادة الحياة عبر التوافق أو الجدل الذي عرفناه مع هيجل.. فالأفكار ونقائضها تنتج فكراً ثالثا جديدا، يولد في إطار توافقي. فهل سيحدث هذا الآن؟ بالنسبة لي أنا لينين الرملي- الرؤية أمامي ضبابية.. هناك صراع ساخن أتمني ألا يكون عنيفا، وبغض النظر عن آرائي وأمنياتي أؤكد أنه كفانا عنف وعبث.. وعلينا أن نثبت أن وراءنا سبعة آلاف سنة حضارة. من المؤكد أن المسرح المصري يشهد الآن حالة من الخلل والخلط والعشوائية.. مفيش مسرح.. تبدو التجارب باهتة.. قراءة في الجرائد اليومية.. طوفان من الشعر لكنه ليس شعراً.. معظم التجارب المسرحية التي تناولت ثورة 25 يناير عجزت تماماً عن صياغة سحر وعمق وأسرار إرادة الإنسان.. الفن لا يأتي ببساطة.. ليس هو مجرد سرد الأحداث أو توثيق التفاصيل، مشاعر الميدان وصدق انفعالاته ليست شعراً.. الشعر دراما ودهشة وخيال وحركة في كل الاتجاهات. أتصور أن الفن الحقيقي يمتلك نوعاً من ديكتاتورية الجمال.. وعلينا أن نعود إلي المفاهيم المبدئية التي تؤكد الفروق الشاسعة بين المسرح والقصة والشعر والرواية والتحليل السياسي.. وإذا كانت الفوتوغرافيا قد صورت تفاصيل الأحداث التي عشناها منذ الثورة وحتي الآن، فاننا لانزال في انتظار ميلاد التجارب التي تتنفس وتنبض بحرارة اللحظة الفارقة.. علينا أن نري الصورة عن بعد فقد نكتشف أشجاراً وأضواءً وتاريخاً وحضارة. بهيج إسماعيل شعب مصر في حالة سخونة يختار الأطراف الحادة ويبتعد عن الرؤي الوسطية، اختار الإخوان وأحمد شفيق وعندما أعلنت الأحكام علي مبارك ومساعديه كان في حسبانهم اختيار الإعدام أو البراءة.. لم ينحازوا إلي الوسط سواء في الانتخابات أو الأحكام المتوقعة. الناس في حالة استنفار دائم.. حتي في حالة الحكم بالإعدام كانوا سينزلون إلي الميدان مهللين وفي حالة البراءة مستنكرين فالحرية الوليدة والخوف الهارب من الأعماق وضع الشعب في موقف الثائر الدائم، وعلي الأصح في موقف السيد، بعد أن كان في موقف الخاضع.. انه بالتعبير الدرامي تحول من موقف المتفرج إلي موقف المشارك، فعند عرض فيلم أو مسرحية أو قراءة رواية يكون المشاهد أو القارئ إما مشاركاً في الأحداث أو متفرجاً علي ما يحدث. الإنسان المصري نضج دراميا وسياسياً من كثرة متابعته لبرامج التوك شو في القنوات الفضائية وقد أكسبه هذا بعداً ثقافيا حوله من وضع المشاهد إلي وضع المشارك، والمعروف أنه في حالة الدراما يمكن للمشاهد ان يترك المكان ثم يعود إليه، لكن في حالة المشارك لا يمكنه ترك المكان حيث يعتبر نفسه جزءاً من العمل الدرامي. هكذا امتلك الشعب المصري ثقة في أن يتكلم ويدلي برأيه سواء كان الرأي صواباً أو خطأ. أنها هوجة في المولد محمد أبوالعلا السلاموني ثورة 25 يناير فريدة من نوعها، تختلف عن ثورات العالم في فرنسا وروسيا والصين ومصر 23 يوليو.. تلك الثورات التي فجرتها البرجوازية والفلاحون والعسكريون. كان 25 يناير هو البعث والميلاد، حين استطاع الشباب أن يلملوا جراح سنوات طويلة، ويوقظوا روح شعب كاد يغيب.. فقد امتلكوا مقدرة البوح والمكاشفة، منحتهم الثقافة وعياً ثوريا جامحاً، منهم من قرأ كتابا.. قصيدة، لوحة، أو شاهد المسرح والباليه والأوبرا وعرف معني إنسانية الإنسان. كان هذا التكوين هو السلاح الذي امتلكه شباب 25 يناير، لذلك جاءت الثورة سلمية، فنحن لا نمتلك إلا قوة الثقافة.. الوقائع تؤكد أننا شعب من العالم الثالث اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.. لكن القوة الناعمة المصرية تجاوزت بنا حدود الكائن، وانبهر العالم كله بثورة مصر. كانت الأيام الأولي نموذجاً للجمال والاكتمال.. لكن للأسف اندفع التيار الإخواني إلي قلب المشهد فأفسده تماماً.. لو لم يتدخل هذا الفصيل كانت الثورة قد اتخذت مسارها الطبيعي الناجح، فقد كان مطلبنا الرئيسي هو الدستور أولاً.. الدستور الذي يحدد القواعد والمعايير، ويتبني المحاكمات والشريعة الثورية، ليتم ذلك كله من البداية وينتهي النظام القديم. من المؤكد ان الاستفتاء كان استلاباً لروح الثورة ووعيها، والآن يعود الإخوان للحديث عن العدالة، وما قبلوه في المقدمات رفضوا نتائجه.. هكذا نصبح بالفعل أمام مسرحية مشوقة مكتملة الأبعاد تموج بالوثبات الدرامية العالية، حيث كشفت التفاصيل عن سيطرة الجماعة علي مجلسي الشعب والشوري وامتدت الأطماع إلي تشكيل الوزارة والدخول المحموم في سباق الرئاسة. يتجه المشهد السياسي الآن إلي صراع غير مسبوق.. الإخوان يحاولون الرجوع إلي المربع صفر، كأنهم يعودون بالثورة إلي البداية لتطبيق الشرعية الثورية وقانون العزل والغدر، انه بالفعل مشهد عبثي.. نحن في مسرح العبث.. أما المطالبة بتشكيل مجلسي رئاسي فهو مجرد عملية تكتيكية، فهذا الفصيل يعيش ثأراً لن يتركه. وأعتقد أن حمدين صباحي وأبوالفتوح لا يمتلكان دهاء الإخوان في اللعبة السياسية، وفي هذا السياق يمثل وجود أحمد شفيق عنصراً مهماً في المشهد.. خطران يواجهان بعضهما.. فلنترك الذئاب تقتل بعضها.. الذئاب تتقاتل لصالح الناس.. وعلينا أن نحقق الديمقراطية ولا ننقلب علي نتائجها.. فعزل شفيق هو انجاز لمصلحة الإخوان حتي يفترسوا الفريسة ويغيب الذئب. لاتزال المواقف غامضة، ولا أستطيع أن أري ملامح الأيام القادمة أنا أكتب حاليا الجزء الثالث من مسرحية الحب في ميدان التحرير، لتصبح الأجزاء الثلاثة وثيقة حية لثورة مصر.. والتجربة تدور حول شاب وفتاة من الثوار جمعهما الحب، والتقيا في ميدان التحرير.. وقبض عليهما جهاز أمن الدولة، وفي الجزء الثاني قبض عليهما رجل الأمن العسكري، أما الجزء الثالث فقد قبض عليهما رجل الأمن السلفي.. رغم كل تعقيدات المشهد السياسي الحالي فإننا ننتظر نتيجة صراع القوي.. والسيناريوهات المطروحة يعرفها التاريخ جيداً.. فهل هو سيناريو الثورة الفرنسية التي انتكست وعادت الملكية وأصبح نابليون امبراطوراً ثم قضوا عليه بعد ذلك؟ أم هو سيناريو ثورة يوليو 1952؟ أم أنه السيناريو الإيراني حين قام الوطنيون والليبراليون والتقدميون بالثورة.. لكن الإسلاميين خطفوها؟ وهناك ذبحوا وعذبوا وقتلوا الناس باسم الدين والشريعة.