لم أكن أتخيل اننا في ظل هذه الظروف التي تمر بها البلاد ودوشة وربكة انتخابات الرئاسة التي تشغل الرأي العام حاليا أن أري كل هذا الاقبال داخل دور العرض السينمائي ... فقد أصابني الاحباط في الشهور الماضية عندما كنت أتردد علي دورالعرض وأجدها خالية من الجمهور الذي يكاد يعد علي أصابع اليد الواحدة . ذهلت من كثافة جمهور "المصلحة" وشجاعة صناعه حيث لم يتخوفوا من هذه الظروف والأحداث السياسية الراهنة وقاموا بطرحه في الأسواق فجاء ليحيي وينعش شباك التذاكر من حالة الركود التي كان يعانيها فما شاهدته من اقبال الجمهور علي السينما الأيام الماضية منذ ابتداء عرض الفيلم لم أشاهده من قبل اندلاع الثورة فقد جاء الفيلم في مصلحة دور العرض السينمائي فأعاد المشهد الجماهيري الغفير الذي كنا نفتقده منذ بداية الثورة. صراع تاريخي صراع بين تاجر المخدرات سالم المسلمي «أحمد عز» الذي يعيش في جنوبسيناء وبين ضابط الشرطة حمزة «أحمد السقا» الذي يقتل شقيقه علي يد سليمان المسلمي «محمد فراج» شقيق سالم المسلمي ويحاول الضابط الايقاع بتاجر المخدرات ليأخذ بثأر شقيقه. السيناريوكتبه المؤلف وائل عبد الله وهو مأخوذ عن قصة حقيقية قام بتجميعها من الجرائد وتدور أحداث الفيلم في ما قبل ثورة 25 يناير حيث تظهر صور الرئيس حسني مبارك وتحسب له الشجاعة في عدم تغيير السيناريو حتي يواكب الحدث ويرضي الجمهور كما أنه أظهر الجانب الخفي لرجال الشرطة كيف يعانون هم وأسرهم في حياتهم الاجتماعية حيث انهم تقريبا يعملون طوال الوقت ويحسب له هو وفريق العمل أنهم لم يتأثروا بما حدث بين صراعات بين الشعب والشرطة وظلوا علي موقفهم صامدين فجميع المجالات فيها الصالح والطالح فهذة سنة الحياة . ويجب علينا أن نحترم جهاز الشرطة في وطننا فهم آباؤنا وأخواتنا ويجب علينا احترامهم أكبر وأكثر من ذلك لكي يعود الأمن في الشارع المصري أقوي مما كان عليه . حرب باردة المشاهد كانت مقسمة قسمة العدل بين السقا وعز والحوار كان ظريفا به لمسات كوميدية فجمع بين الدراما والكوميديا في آن واحد وكان الصراع بين الضابط وتاجر المخدرات أشبه بالحرب الباردة أي كل منهما يلعب علي الهادي فالسيناريو غير تقليدي قدم علاقة ضابط الشرطة بتاجر المخدرات في شكل جديد . عودة أحمد الفيلم شهد عودة أحمد السقا الي عرشه من جديد بعد التراجع الذي عاناه منذ عرض فيلم "الديلر" فقدم شخصية الضابط حمزة المحب لعمله حتي لو جاء عمله علي حساب أسرته بشكل جيد فقدم خطوة جديدة في مشواره الفني حيث كان التركيز هنا علي الأداء التمثيلي الجهد المبذول واضح وخفة الظل الرزينة التي قدمها أضفت جو من الكوميديا علي الفيلم كما أن مشاهد الأكشن كانت محدودة داخل رغم اجادةالسقا تقديمها ليثبت من فيلم لآخر أنه مازال يحتفظ بلياقته البدنية و أنه لم يؤثر عليه شئ فهو دائما يتحدي نفسه ويتحدي الصعوبات والمتاعب . السقا عاد في "المصلحة" بتألق واضح رغم الاقلال من مشاهد الأكشن وعدم الإسراف فيها ليعود بشكل جديد مختلف بعيد عن القالب الذي اشتهر به . بينما قدم احمد عز شخصية سالم المسلمي ورغم أن الشخصية تتميز علي المستوي الدرامي بالتناقضات والانفعالات النفسية الا انه قدمها بشكل متميز أبرز من خلالها انفعالاته الشخصية فقدم دورا مختلفا عن أدواره السابقة كما أن الشكل غير تقليدي لتاجر المخدرات فهو صارم وحاد الطباع وخفيف الظل في آن واحد ويحسب له اتقان اللهجة البدوية والتحدث بها بطلاقة رغم صعوبتها الفيلم يعتبر خطوة فنية مهمة وجديدة في مشواره الفني أثبتت أنه قدرته علي التنويع وتقديم أدوار مختلفة بعيدة عن مقومات وسامته كما أن عمله مع ساندرا نشأت يجعل أداؤه في تصاعد مستمر فهي تجيد توظيفه وإخراج الآداء الجديد والجيد. تدريب مكثف تبقي مشكلة أحمد عز فقط في عدم التحكم في صوته فهذا يسبب له الانفعال الزائد غير المطلوب فهو يحتاج تدريبا مكثفا حتي يستطيع التحكم فيه ولكن هذه المرة أطل علينا في شكل مختلف غير نمطي جعله أصبح يسير في الطريق الصواب الذي يجعله يتشكل من دور لآخر فقد كانت المباراة الفنية رائعة بينه وبين السقا فاجتهادهما واضح في إبراز كل منهما أسلحته الفنية في وجه الآخر ومحاولة كل منهما سرقة الكاميرا من الآخر من خلال المشاهد التي كانت تجمعهم سويا والحقيقة انهم قد نجحا في تقديم تلك المشاهد المشتركة فهي أفضل مشاهد الفيلم . مما يجعلنا نقول ان العمل الجماعي يرفع بمستوي العمل ويظهره بشكل لائق فكل منهم تحدي الآخر بموهبته الفنية وعاد ذلك بالنفع علي العمل فجعلنا نشاهد منافسة فنية شريفة وممتعة بين النجمين . أحمد السعدني :- «يحيي» رغم ظهوره كضيف شرف داخل الفيلم الا انه كان محور الأحداث وترك بصمة ظريفة وكوميدية فقدم دور الضابط خفيف الظل بشكل ظريف ليس به استخفاف. محمد فراج:- يعلن عن ميلاد فنان جديد في عالم السينما فتميز في تقديم شخصية «سليمان المسلمي» شقيق تاجر المخدرات فقد أجاد تقديم اللهجة البدوية واقترب من آداء أهالي سيناء بشكل كبير فهو يحتاج فرصة أكبر لإبراز موهبته فأداؤه الفني سوف يؤهله لعمل بطولة منفردة في السنوات القادمة . أحمد منير:- جسد دور الضابط «حمدي» الذي يشارك الضابط حمزة في القبض علي سالم المسلمي تاجر المخدرات فهو فنان موهوب ذو ثقل فني يحتاج نظرة مختلفة من صناع السينما لكي يقدم في شكل مختلف بعيدا عن دور ضابط الشرطة الذي انحصر فيه فهو موهوب ويستطيع تقديم أدوار كثيرة ومختلفة بشكل جيد يبرز امكانياته الفنية . صلاح عبد الله:- جسد شخصية «أبو فياض» فهو دور جديد عليه لم يقدمه خلال مشواره الفني من حيث أدائه للشخصية السيناوية وتحدثه باللهجة البدوية كما أنه ابتعد هذه المرة عن الانفعال الزائد الذي يصاحبه في معظم أعماله . ضيف الشرف ظهر كضيف شرف ومن المفترض ان ضيف الشرف يؤثر في الأحداث ولكنه هنا أضفي جو من المرح فقدم دور الداعية رجل الدين الذي يعتبر مهنته تجارة وليس دعوة للدين ولكنه قدمها بشكل جيد ومميز وخفة ظل محببة يتمتع بها وحضور مؤثر . كان هذا الدور أقل بكثير من أن تقدمه فنانة في حجم حنان ترك وكان من الأفضل أن تقدمه ممثلة أخري صاعدة كان سوف يعتبر نقلة في مشوارها أما هنا فقد حاول صناع العمل اعطاء أهمية للدور فهي تجسد دور حنان زوجة حمزة ضابط الشرطة فقاموا بتوريطها في قضية مخدرات لكي يصبح للدور أهمية ولكنها لم تكن مناسبة للدور فقد نجحت في إبراز مدي المعاناة التي تعانيها زوجة ضابط الشرطة، قدمت دور «شادية» وكانت أقرب لضيفة الشرف داخل الفيلم فالدور جديد عليها ولكنه كان يحتاج جهدا أكثر من ذلك كما أن الدور ليس مؤثرا في الأحداث واذا حذف لايؤثر ولا يخل في السياق الدرامي للفيلم . كندة علوش جسدت دور «نانسي» ولم يضف لها الدور جديد سوي انها شاركت الأحمدين في هذا الفيلم . وبينما دورها لم يؤثر في الأحداث ولكنها قدمته بشكل جيد نظرا لأنها سورية الأصل استطاعت تقديم دور الفتاة اللبنانية وتقديم اللهجة الصحيحة . ياسمين رئيس -فنانة صاعدة موهوبة تنبأت لها بمستقبل جيد منذ أن شاهدتها في فيلم «واحد صحيح» ورغم صغر مساحة دورها الا انها قدمته باحساس صادق وأوصلت مرارة الفراق الذي شعرت به بعد استشهاد زوجها. والعنصر النسائي في الفيلم كان مهمشا فلم يكن المحور الرئيسي للعمل مثلما كانت غادة عادل في "ملاكي اسكندرية" بينما كان وجودهن لاكتمال الشكل المعتاد عليه في الأفلام حتي لا يصاب المتفرج بالملل. موسيقي الفيلم التي وضعها عمرو إسماعيل كانت مناسبة للأحداث ومعبرة عنها خدمت القصة بشكل كبير وساهمت في خلق الجو المناسب لدي المتفرج والأحاسيس التي تتماشي مع الحدث المعروض . قام بتصوير الفيلم ايهاب محمد علي الذي استخدم «الهاند هيلد» أي الكاميرا المتحركة فكانت متحركة بطريقة سريعة أدت الي خلق توتر غير مطلوب في بعض المشاهد وهي موضة سائدة منذ فترة في التصويرالسينمائي ولكنها غير مناسبة طوال أحداث الفيلم فبعض المشاهد كانت تحتاج كاميرا ثابتة . نأتي الي ساندرا نشأت وهي مخرجة موهوبة من أمهرمخرجين جيلها ويعد هذا التعاون الأول بينها وبين أحمد السقا والرابع مع أحمد عز ويحسب لها تقديم الجديد مع أحمد عز في كل مرة تتعامل معه فيها وأيضا في اداراتها للمثليين وتوظيفهم وحفاظها علي الايقاع السريع للفيلم طوال الأحداث ولكن يعيب عليها الاسراف في استخدام «الزووم» القريب والبعيد والكاميرا المتحركة التي لم تهدأ طوال الفيلم فقد أوصلت لنا توترا وقلقا غير مبررفي بعض المشاهد فهذا الأسلوب في التصوير يتم استخدامه لتوصيل توتر ما يحدث داخل المشهد وليس من المعقول ان تكون ساندرا قدمته طوال الفيلم لأنه سائد هذه الأيام فهي دارسة للأخراج وتعلم جيدا متي تستخدم هذة الأساليب فكان عليها استخدامه فقط في المشاهد التي تريد أن تنقل التوتر والصراع بها بدلا من اجهاد وتشتيت ذهن المشاهد كما حدث ولكنها اختارت مواقع تصوير جيدة وأبرزت مباراة هائلة بين السقا وعز أثبتت أنها مخرجة متمكنة فبعد هذا الفيلم أصبح اسم ساندرا نشأت كفيلا بأن يكون جواز مرور للفيلم .