شغل الملف الأفغاني الساحة الدولية مؤخراً بعد تكثيف الجهود لإيجاد حل للحرب في أفغانستان والتي دخلت عامها التاسع خاصة مع تأكيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه عن حال الاتحاد عن نية الولاياتالمتحدة سحب قواتها من أفغانستان بنهاية عام 2011، ومع اقتراب موعد سحب القوات وسط استمرار تدني الأوضاع الأمنية وعجز القوات الأفغانية والدولية عن تطويق عناصر طالبان والقاعدة، بدأ المجتمع الدولي في النظر في بدائل دبلوماسية لمساندة أفغانستان. وساطات إقليمية ودولية ففي السادس والعشرين من يناير الماضي، قامت تركيا بالتنسيق مع منظمة المؤتمر الإسلامي بعقد قمة إقليمية في إسطنبول ضمت كل من أفغانستان وباكستان وإيران وطاجيكستان وأوزباكستان وتركمانستان والصين، وشاركت فيها كل من السعودية والإمارات بصفة مراقب. وهدفت هذه القمة إلي تفعيل دور الدول الإسلامية في حل الأزمة في أفغانستان، وإنهاء الحرب هناك. وسعت القمة الإقليمية في اسطنبول إلي تفعيل المبادرة التي أطلقها الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أكمل الدين إحسان أوغلو، التي طرحها أمام جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت في منتصف شهر يناير الماضي والتي تم تخصيصها لبحث قضايا الأمن والسلام العالميين، ودعا فيها أوغلو إلي فتح قنوات الحوار في مناطق النزاع في العالم الإسلامي، وعدم الاكتفاء بالحلول العسكرية فقط. وفي لندن، عقد في الثامن والعشرين من الشهر الماضي المؤتمر الدولي حول مستقبل أفغانستان بمشاركة نحو 70 دولة. واشترط مؤتمر لندن تحقيق كابول تقدمًا في مكافحة الفساد كشرط لزيادة المساعدات المباشرة التي يقدمها إلي حكومة أفغانستان بنسبة 50 في المائة في غضون سنتين، وأعلن المؤتمر عن تقديم دعم مالي مخصص لزيادة عديد الجيش الأفغاني وقوات الأمن وتطوير أدائهما. وأقر المؤتمر استراتيجية تلزم الدول الغربية بالمساعدة في بناء الجيش والشرطة والاقتصاد في أفغانستان. ورحب المؤتمر بخطة الحكومة الأفغانية حول محاورة عناصر من طالبان لإقناعهم بإلقاء السلاح وقطع علاقاتهم مع تنظيم القاعدة وباقي المنظمات الإرهابية، وإدماجهم في الحياة السياسية. كما أعلن أن الدول المانحة تعهدت ب 140 مليون دولار لتمويل جهود المصالحة. والتزم المؤتمر بدعم قوات الأمن الأفغانية وتدريبها بهدف رفع عددها إلي نحو 300 ألف عنصر بحلول أكتوبر 2011. وأكد مؤتمر لندن حول أفغانستان علي بدء مرحلة جديدة نحو سيادة كاملة لأفغانستان علي ان تنتقل المسئوليات الأمنية الي القوات الأفغانية اعتباراً من نهاية العام الجاري وبداية العام المقبل وأشار البيان الختامي للمؤتمر إلي أنه سيتم دعوة خبراء لتولي الإشراف علي الهيئات الإدارية وتقييم مدي تفشي الفساد، وهو الأمر الذي ربطته بعض الدول المانحة باستمرار تقديم المعونات لأفغانستان. التحول للدعم الفني كما عقد في اسطنبول أيضاً في مستهل الشهر الجاري اجتماع لوزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) شاركت فيه أيضاً نحو 15 دولة غير عضو بالناتو لكنها مشاركة في قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) التي يقودها الحلف في أفغانستان والبالغ قوامها حالياً نحو 85 ألف جندي. وتمت مناقشة سبل قيام الدول الأعضاء بالحلف بتعديل حجم التزاماتها الراهنة تجاه أفغانستان وإرسال المزيد من المدربين العسكريين عوضاً عن القوات القتالية من أجل التمهيد لتولي الجيش الأفغاني والشرطة الأفغانية المسئولية، وذلك بعد أن واجه الحلف صعوبات في اقناع العديد من الدول الأعضاء بزيادة حجم قواتها القتالية الراهنة والبالغ قوامها 120 ألف جندياً استجابة للضغوط الأمريكية لتكثيف عدد القوات لشن هجمات علي حركة طالبان في المناطق الحدودية تعتقد أنها من شأنها إضعاف الحركة بشكل جذري ونهائي. وانتهي اجتماع وزراء دفاع دول حلف الناتو بتأكيد من دولة واحدة فقط وهي فرنسا بتقديم 80 مدرباً عسكرياً في الوقت الذي أمل فيه وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس في الحصول علي وعود بتقديم أربعة آلاف مدرباً. وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، اندريس فوج راسموسن، أن عملية دعم الأمن في أفغانستان أصبحت تتطلب نفقات أكبر من السابق خاصة بعد تقلص الميزانيات الحربية لدي الدول الأعضاء في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية واضطرار الحلف لاتخاذ إجراءات لسد العجز في ميزانيته. شروط المصالحة وعقدت في الرابع من فبراير الجاري قمة سعودية أفغانية في الرياض بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس الأفغاني حامد كرزاي تناولا فيها سبل التعاون بين البلدين والدور السعودي في دعم ومساندة أفغانستان خاصة بعد مطالبة الرئيس كرزاي في قمة لندن بوجود دور سعودي للمصالحة مع طالبان وبناء السلام في أفغانستان. كما طلب كرزاي من العاهل السعودي إيجاد آلية للوساطة بين كابول وإسلام أباد لمعالجة الخلافات بينهما. وأعرب كرزاي عن رغبته في تشكيل مجلس وطني للسلام والمصالحة وإعادة الاندماج، ينتج منه "لويا جيركا السلام" أي مجلس أعلي يجمع قادة القبائل الأفغانية. واشترط الملك عبد الله بن عبد العزيز علي حركة طالبان أن تتوقف عن تقديم الملاذ لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن قبل أن تتدخل كوسيط في محادثات السلام بينها وبين الحكومة الأفغانية بينما اشترطت حركة طالبان انسحاب قوات التحالف الغربية بالكامل من أفغانستان قبل بدء المفاوضات. وأكدت حركة طالبان في بيان بعنوان "قرار مؤتمر لندن غير القابل للتطبيق" نشرته بموقعها علي الإنترنت أنها لن تتواطأ مع الحكومة الأفغانية أو مع الغرب، ورفضت المشاركة في أي محادثات قبل انسحاب قوات الاحتلال، وأعلنت أنها ستستمر في حربها حتي تحقيق النصر الذي وصفته بأنه أصبح قريب المنال. وأضاف البيان "خلال السنوات الثماني الماضية لم تظهر الإمارة الإسلامية أي استعداد للتواطؤ مع أي طرف فيما يتعلق بالجهاد والبلاد والمصلحة الشعبية والوطنية والإسلامية. الأمريكيون الغزاة وجميع حلفائهم يجب أن يفهموا أن هدف مجاهدي الإمارة الإسلامية هو أكثر نبلاً وإجلالاً مما يمكن أن يتخيله حكام البيت الأبيض". عملية إقليم هلمند وفي الوقت الذي دعا فيه كرزاي من مؤتمر لندن حركة طالبان لبدء الحوار، بدأت القوات البريطانية والأمريكية تعلن عن استعدادها لشن هجوم كبير علي إقليم هلمند جنوبأفغانستان لتجهيز ميدان القتال لعملية كبيرة تشنها قوات حلف شمال الاطلسي. وتهدف العمليات إلي السيطرة علي واحة مرجة التي تسيطر عليها طالبان من أجل شل تأمين الحركة للمياه المتوفرة في قنوات الواحة التي يعتقد بأنها آخر معقل كبير لطالبان في جنوبإقليم هلمند الذي ينتج فيه معظم محصول الأفيون الذي يستخدم في تمويل طالبان عسكرياً. وكانت بعض الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي قد تعهدت بتمويل صندوق لدمج عناصر طالبان من المعتدلين في العملية السياسية ومن بينها ألمانيا واليابان وإسبانيا وأستراليا. وأشار الأمين العام لحلف الناتو إلي أنه ''لا يقاتل الكثير من المتمردين في أفغانستان لأسباب دينية أو أيديولوجية، إنهم ليسوا بالضرورة ضد الحكومة الأفغانية أو القوات الدولية من الناحية الأيديولوجية ، لكنهم يقاتلون من أجل بعض الأموال لطالبان لكي تبقي علي قيد الحياة''. أما علي الصعيد الداخلي، فقد لاقت دعوة كرزاي للمصالحة الوطنية مع طالبان معارضة واسعة ولا سيما من المنظمات الحقوقية التي تخشي التردي إلي أوضاع قد تضر بحقوق المرأة والأقليات العرقية والدينية. وأعرب الكثيرون عن تخوفهم من أن تؤدي جهود دمج طالبان إلي تمييز قبائل البشتون من أجل محاولة كسب ولائها. غير أن كرزاي كان قد أعلن في مؤتمر لندن عن الشروط التي وضعها للتفاوض مع طالبان ومن بينها إلقاء السلاح، والتخلي عن العلاقات مع تنظيم القاعدة أو غيره من التنظيمات الإرهابية واحترام الدستور والسعي للمشاركة في بناء المجتمع. واعتبر كرزاي أن هذه الشروط تنطبق علي أي فرد من أفراد الحركة لو أراد المصالحة الوطنية، وأشار إلي أن صندوق دعم المصالحة سيسعي إلي إعادة الإعمار لخلق الفرص لجميع الأفغان ولجذب عناصر طالبان المنضمين للحركة بسبب قلة الموارد الاقتصادية. طالبان ليست للبيع الوضع في أفغانستان هو بالتأكيد كما وصف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ومن قبله الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو حرج للغاية. الجميع يريدون الخروج من أفغانستان، غير أن استراتيجية الخروج باتت مثيرة للقلق ومستنزفة للاقتصاد بشكل لم يكن في حسبان أي من أصحاب التحالف. الوضع الآن بات يعتمد علي الأوراق الأخيرة للخروج من أفغانستان وهي: أولاً شن هجمات مكثفة علي معاقل حركة طالبان في المناطق الحدودية، ثانياً دعم فكرة المصالحة الوطنية مع طالبان، وأخيراً التحول تدريجياً إلي فكرة الاستعاضة بالدعم اللوجيستي والفني كبديل عن الدعم العسكري الذي صار نقطة خلاف وضغوط داخلية من المعارضة في الدول الأعضاء في التحالف. الرئيس كرزاي أعلن عن أنه من الصعب إدارة أفغانستان أمنياً قبل حلول عام 2015، والتحالف يعلن عن الاستعداد للانسحاب بحلول عام 2011، بين هذين التقديرين، يبقي التقدير الآخر الذي تحيط به الشكوك وهو تقدير إمكانية استقطاب طالبان في مصالحة تكون شبيهة باستقطاب المقاومة في العراق. هذا التقدير لا تزال كل الشواهد تؤكد خطأه في استيعاب الواقع الفعلي للحركة القائمة فكرياً ومذهبياً علي مبدأ الجهاد والتصدي للاحتلال. وأكد رون موريو في مقال له بمجلة نيوزويك الأمريكية علي عبثية فكرة شراء عناصر طالبان مشيراً إلي أن طالبان ليست للبيع وهو الأمر الذي يؤكده استماتة رجالها في الصمود أمام الحرب التي شنها الحلفاء ودخلت عامها التاسع دون إحراز نتيجة ملموسة تذكر.