عد قرابة سبعة أشهر علي واقعة حجب تمثال "حوريات البحر" بالإسكندرية، عاد البعض - فيما يبدو - لاستئناف "غزوة التماثيل"، حيث أكد عدد من المصادر وشهود العيان أن بعض المتأسلمين أقدموا علي حرق تمثال المخرج السينمائي الرائدالراحل محمد كريم داخل مدينة السينما في 11 مايو الجاري، وانتشرت في بعض المواقع الالكترونية صور للتمثال وقد أصابته تلفيات جسيمة.. المدهش أن أساتذة ومسئولين بأكاديمية الفنون نفوا الواقعة تماما رغم وجود هذه التلفيات، والأكثر إثارة للدهشة أن معظم السينمائيين - وكذلك الهيئات الرسمية وغير الرسمية التي ينتمون إليها - التزموا الصمت التام، وكأن الأمر لا يتعلق بمن كان يسمي "الأب الروحي للسينما المصرية"، فيما عدا جبهة الإبداع المصري، التي نُسب لها بيان يدين الواقعة حرره المخرج أمير رمسيس. وجه رمسيس كلامه إلي "من قرروا في يوم وليلة أن مجتمعنا لم يعرف الإسلام قبل مجيئهم" قائلا: "لسنا مرضي بالإسلاموفوبيا، ولكن أفعالكم لا تمنحنا الوقاية من هذا المرض بقدر ما هي حاملة للفيروس ناقلة له، لن تحرق تماثيلنا وأفكارنا.. نحترم فننا.. مبدعينا الأموات منهم والأحياء.. ولن نسمح بحبس أو إحراق إبداعنا الذي حمل حب الجمال والخير والقيم السامية لأجيال من المصريين، أياً كان الطريق الذي سنسلكه في تلك المعركة". أضاف البيان محذرا - وله كل الحق - أن من يحرق تمثالا اليوم سيقتل مبدعا غدا، فالمنطق المغرض والمغلوط واحد.. ووصف الواقعة بأنها مأساة تعرض لها التمثال ممن رأوا فيه صنماً، وقال إنهم هم صناع الأصنام من روح الدين، أو ممن رأوا أن فن السينما بشكل ما محرم، ولا يليق تكريم أحد رواده.. وأكد أنه بفضل أشخاص مثل محمد كريم ومن تلوه، عرف العالم أن للعرب عقولا وروحا وإبداعا، وأن هناك من المسلمين مبدعين يحترمهم ويجلهم العالم، في حين أن كل ما فعله دعاة الظلام هو خلق حالة العداء المعروفة عالمياً. "عمة" علي الرأس من ناحيته، قال الدكتور مختار يونس الأستاذ بقسم الإخراج بالمعهدالعالي للسينما، والمنتدب من وزارة الثقافة للإشراف علي التمثال - في تصريحات صحفية - إنه ينتظر تقرير المعمل الجنائي لمعرفة سبب الحريق، وأضاف أنه أرجع حرق التمثال للمتأسلمين لأنه وجد علي رأس التمثال "عمة" لم تكن موجودة من قبل، كما أن الشباب المتأسلم الموجود بالمنطقة كانوا قد طالبوا من قبل - حين كان التمثال موضوعا أمام الأكاديمية - أن يزيلوه من مكانه لأنه حرام، وتضايقهم رؤيته كثيرا.. وعلي حد قوله، استجابت الأكاديمية ووضعته داخل جهاز السينما، ولكنهم فوجئوا بعد ذلك بالاعتداء. العجيب أن الدكتور عادل يحيي، عميد المعهدالعالي للسينما، وزميل الدكتور يونس، قال إن أنباء حرق التمثال عارية تمامًا من الصحة، وإنه لا يمكن لأحد أن يحرق التمثال لأنه ليس من الورق.. وشدد علي أن هذه ليست المرة الأولي التي يذاع فيها نبأ إحراق التمثال، موضحًا أن هناك مجموعة تحاول لفت انتباه الإعلام للتمثال، ومحاولة الضغط علي الأكاديمية لقبوله كإهداء ممن قام بعمله، في حين أنه لا يحمل أي صفات تشبه المخرج محمد كريم، كما أن حجمه يساوي خمسة أضعاف حجم الإنسان الطبيعي.. وأشار إلي أن التماثيل التي وضعت لرموز الفن والإبداع داخل الأكاديمية كل منها عبارة عن رأس تعبر عن هوية الفنان، ولا تحتاج لأي إشارة توضيحية للتعريف باسمه. كما أن عمر زكي نائب مدير عام الدراسات العليا بأكاديمية الفنون، أكد أن ما تداولته صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من شائعات حول حرق التمثال، غير صحيح، وأنه بحالته التي عليها داخل مدينة السينما، بين الأكاديمية وستوديو المدينة. الشمس و"الخيش" لكن بعض شهود العيان أكدوا أن الواقعة صحيحة، ومنهم هيثم يوسف، أحد أعضاء لجنة قراءة النصوص في جهاز السينما، والذي يطل مكتبه علي التمثال، حيث قال إنه صور التمثال وهو محترق حتي يثبت للجميع الواقعة، لكن الأكاديمية مصرة علي نفي الواقعة.. وأضاف أنه عندما سأل مسئولي الأمن قالوا كلاماً غير منطقي، ومنه أن الشمس تفاعلت مع "الخيش" الذي كان ملفوفاً علي التمثال مما أدي إلي احتراقه، وتساءل: إذا كان ذلك حقيقيا، هل كان الحريق سيبدأ في الثالثة فجرا، أي بعد غياب الشمس بحوالي 8 ساعات أو أكثر؟ وأوضح أن سبب توجيه التهمة لبعض المتأسلمين، أنهم قالوا من قبل إنه إذا ظل التمثال موجوداً خارج الأكاديمية سيحطمونه، وسيتخلصون منه تماما إذا وُضع بالداخل أيضا، لأنهم لن يسمحوا بوجود "أصنام" بعداليوم، فقد انتهي هذا العصر إلي الأبد! ولفت نظري أن هناك ما يشبه التعتيم الإعلامي علي الواقعة، كما لم تهتم أي جهة رسمية - سينمائية أو غير سينمائية - بتأكيدها أو حتي بنفيها بشكل قاطع، وكأن محمد كريم نكرة.. وعلي العموم، لمن لا يعرف محمد كريم (8 ديسمبر 1896-27 مايو 1972)، فهو مخرج مصري رائد بدأ حياته ممثلاً. أخرج للسينما فيلمين كلاهما يحمل اسم "زينب"، لكن الأول صامت أُنتج عام 1930، والثاني ناطق أنتج عام 1952. ارتبط اسمه مع الموسيقار محمد عبدالوهاب حيث أخرج له الأفلام السبعة التي قام ببطولتها من "الوردة البيضاء" حتي "لست ملاكاً". كما أخرج فيلم دليلة من بطولة عبدالحليم حافظ عام 1956، وهو أول فيلم مصري ينفذ بطريقة سينما سكوب، وأخرج فيلم أولادالذوات عام 1932، وهو في رأي البعض أول فيلم عربي ناطق. الحوريات "الخارجة" وكان الحاضرون في مؤتمر انتخابي أقامه حزب النور السلفي قبيل إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة، في ميدان الرأس السوداء بالإسكندرية، مساء الاثنين 31 أكتوبر 2011، قد فوجئوا بقيام منظمي المؤتمر بتغطية تمثال ضخم في وسط الميدان بالقماش والحبال، وحجبه تماما عن الحاضرين، معتبرين أنه "خارج".. التمثال من الفن الإغريقي، ويصور الإله اليوناني زيوس، في هيئة 4 حوريات بحر، يجلسن علي منصة رخامية.. وحسب قول أحد منظمي المؤتمر، فإنهم اعتبروا أن وجوده وسط الحديقة خارج، خاصة أنه كان مواجهاً للمنصة التي جلس عليها قيادات الحزب، فقرروا تغطية التمثال بستائر من القماش، وتم ربطها بإحكام بالحبال لحجب معالمه عن الحضور، وعلقوا عليه لافتة تقول: "المرأة المصرية هي التي تستقطع من وقتها لزوجها ولا تنسي بناء وطنها"! وفي واقعة سابقة علي حادث الإسكندرية، تم تحطيم تمثال من الآثار المصرية القديمة في مدينة المنصورة، بعد أسابيع من مطالبة أحد قادة الجماعات المسماة سلفية بضرورة إخفاء التماثيل بطبقة من الشمع، وهي فكرة عجيبة من شأنها أن تجعل مصر مثار سخرية الدنيا كلها، بعد أن كانت مهد فن النحت.. وإزاء هذه التجاوزات، طالب البعض - وأضم صوتي لهم - المجلس العسكري بإصدار مرسوم بقانون يقضي بالسجن المؤبد علي كل من يحطم تمثالاً في مصر، أو جزءاً منه عامداً، كإجراء للدفاع عن الثقافة المصرية التي تعدالتماثيل جزءاً منها، وكخطوة علي طريق مواجهة الهجمة الهمجية الشرسة علي الإبداع.