«التخطيط» تعقد ورشة حول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان للعاملين بالوزارة    التنظيم والإدارة يوضح حقيقة عدم توفير اعتمادات مالية ل3 آلاف إمام بالأوقاف    وزير الرى يلتقى أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية    رئيس الوزراء وسط ركاب مترو الخط الثالث.. و«الوزير»: «الرابع» يشمل 39 محطة    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    خالد حنفي: علينا إطلاق طاقات إبداع الشباب والاهتمام بريادة الأعمال والابتكار    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    خلال لقاء نظيره اليوناني.. شكري: حرب غزة أبشع أزمات التاريخ المعاصر    أزمة بين إسبانيا والأرجنتين بعد تصريحات لميلي ضد سانشيز    انطلاق مباراة زد والاتحاد السكندري بالدوري    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    بعد التحقيقات.. الأهلي بطلا لدوري الجمهورية 2003    ضبط المتهمين بقتل شاب في مدينة المستقبل بالإسماعيلية    8 مصابين فى حادث تصادم "ميكروباص" وربع نقل بأسوان    بيروت ودبي.. تفاصيل حفلات عمرو دياب في شهر يونيو    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    إعلان نتائج مسابقة جوائز الصحافة المصرية عن عامي 2022-2023    حصريًا على dmc.. موعد عرض مسلسل "الوصفة السحرية"    يعالج فقر الدم وارتفاع الكوليسترول.. طعام يقي من السرطان وأمراض القلب    إجراء 19 عملية زراعة قوقعة للأطفال بسوهاج    هل يوجد مشروب سحري لزيادة التركيز يمكن تناوله قبل الامتحان؟.. استشاري يوضح    هيئة الدواء تشارك باجتماع منظمة الصحة العالمية حول استخدام المضادات الحيوية    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    إلهام شاهين تحيي ذكرى سمير غانم: «أجمل فنان اشتغلت معه»    إيرادات الأفلام تواصل التراجع.. 1.2 مليون جنيه في يوم واحد    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    ڤودافون مصر توقع اتفاقية تعاون مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لدعم الأمن السيبراني    بعد طائرة الرئيس الإيراني.. هل تحققت جميع تنبؤات العرافة اللبنانية ليلى عبد اللطيف؟‬    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    وزيرة الهجرة: الحضارة المصرية علمت العالم كل ما هو إنساني ومتحضر    شيخ الأزهر يبحث تعزيز الدعم العلمي لأبناء بوروندي    مناورة بترولية بالعلمين بالتزامن مع حفر أول بئر بالمياه العميقة غرب المتوسط    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    العثور على طفل حديث الولادة بالعاشر من رمضان    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    كواليس جلسة معارضة المتسبب فى وفاة الفنان أشرف عبد الغفور    افتتاح دورة إعداد الدعاة والقيادات الدينية لتناول القضايا السكانية والصحية بمطروح    الليجا الإسبانية: مباريات الجولة الأخيرة لن تقام في توقيت واحد    الرئيس الجزائري: فقدت بوفاة الرئيس الإيراني أخا وشريكا    نائب جامعة أسيوط التكنولوجية يستعرض برامج الجامعة أمام تعليم النواب    بروتوكول تعاون بين التأمين الصحي الشامل وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لتطوير البحث العلمي فى اقتصادات الصحة    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو "من أجل المرأة فى العلم"    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    ضبط 20 طن أسمدة زراعية مجهولة المصدر في البحيرة    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    مرعي: الزمالك لا يحصل على حقه إعلاميا.. والمثلوثي من أفضل المحترفين    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    بدأت بسبب مؤتمر صحفي واستمرت إلى ملف الأسرى.. أبرز الخلافات بين جانتس ونتنياهو؟    مجلس الوزراء الإيراني يعقد جلسة طارئة في أعقاب تحطم طائرة الرئيس    معين الشعباني: تسديداتنا أمام الزمالك لم تكن خطيرة.. ولاعب الأبيض قدم مباراة رائعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يجري في ليبيا ؟
نشر في القاهرة يوم 20 - 03 - 2012

جاء إعلان مجموعة من الزعماء المدنيين في مدينة بنغازي في شرق ليبيا مؤخرا أنهم سيديرون شئونهم بأنفسهم بمثابة أكبر تحد لسلطة الحكومة في طرابلس، والتي تواجه صعوبات بالفعل في تأكيد سلطتها بعد الإطاحة بالرئيس معمر القذافي في العام الماضي، وقد دفع إعلان زعماء القبائل والسياسيين منطقة برقة" إقليما فيدراليا اتحاديا" رئيس المجلس الوطني مصطفي عبد الجليل إلي التهديد باستخدام القوة لمنع تقسيم ليبيا . وبالرغم من أن هذه الأنباء أثارت تساؤلات كبيرة حول مستقبل ليبيا، فقد اكدت عدة مصادر في المنطقة الشرقية أنه ليس ثمة إجماع في الشرق علي ما أطلق عليه " خطة الحكم الذاتي "، كما أكد رئيس مجلس مدينة طبرق في الشرق أنهم يعارضون فكرة النظام الفيدرالي، وسوف يحمون وحدة ليبيا بأرواحهم، واعتبرت مصادر أخري في ليبيا أن إعلان شرق ليبيا إقليما فيدراليا يتمتع بالحكم الذاتي يمكن أن يفتح الطريق أمام تقسيم ليبيا وما يترتب علي ذلك من نتائج كارثية . كانت الأنباء التي تواترت عن خطة الحكم الذاتي في برقة قد أثارت مخاوف لدي شركات النفط العالمية حيث تعني مسألة الحكم الذاتي المطروحة إعادة تفاوض هذه الشركات بشأن عقودها مجددا مع الكيان الجديد . يذكر أن المنطقة الشرقية تمثل أكبر مناطق حقول النفط الليبية، وهو الإقليم التاريخي الذي يمتد من الحدود مع مصر في الشرق إلي منتصف الساحل الليبي علي البحر المتوسط، وذكرت دوائر ليبية أن فكرة الحكم الذاتي تعد رد فعل علي سياسات الإهمال التي تعرضت لها المناطق الشرقية، قبل الثورة وبعدها، مما يعكس الصعوبات والمشاكل التي تواجه الحكم الجديد في ليبيا، والتحديات الكبري التي تواكب مرحلة بناء الدولة. أحاديث الحكم الذاتي جاء موقف المجلس الوطني الانتقالي الليبي رافضا بصورة قاطعة لإعلان بنغازي بتطبيق نظام الاتحاد الفيدرالي باعتباره خيارا لإقليم برقة، معتبرا أن هذه الخطوة تعد خروجا علي الشرعية وعن المجلس الوطني الانتقالي الذي اعترف به الليبيون ودول العالم والمنظمات الدولية علي أنه الممثل الرسمي والشرعي للشعب الليبي، واعتبر مصطفي عبدالجليل رئيس المجلس أن هناك مندسين من أزلام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي يحاولون الدعوة لتقسيم ليبيا، وإذكاء الفتنة في شرق البلاد، بل إن عبدالجليل أكد أن دولا عربية لم يسمها تذكي وتغذي الفتنة في ليبيا حتي لا ينتقل إليها طوفان الثورة، كما أكد المتحدث باسم المجلس أن إعلان بنغازي لا يمثل المنطقة الشرقية حيث خرج سكان بنغازي والبيضاء ودرنة والكفرة وطبرق يؤكدون رفضهم للفيدرالية والتقسيم معلنين أنهم مع وحدة ليبيا كوطن للجميع، ويبدو أن الاعتقاد السائد في المجلس الوطني هو أن الشارع الليبي لا يسير في اتجاه الفيدرالية، كما أن مؤسسات المجتمع المدني الليبية ترفض ذلك قطعيا . ويلاحظ أن إعلان شرق ليبيا إقليما فيدراليا يتمتع بالحكم الذاتي فتح الباب لنقاش موسع بين مؤيدين ومعارضين للفيدرالية، خاصة أن مجموعة زعماء القبائل والسياسيين الذين تبنوا القضية في المناطق الشرقية يؤكدون استمرار اعترافهم بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل شرعي ووحيد في ليبيا في الشؤون السيادية والسياسة الخارجية، وتمتع الولاية الفيدرالية بسلطات تدبير الشئون التعليمية والصحية والإسكان والتنمية، وقد أكدوا في بيان لهم أن " النظام الاتحادي الوطني الفيدرالي " هو خيار الإقليم كشكل للدولة الليبية الموحدة، في ظل دولة مدنية دستورية شريعتها من القرآن والسنة الصحيحة "، وقد قرروا اعتماد دستور الاستقلال الصادر في 1951 كمنطلق مع إضافة بعض التعديلات وفق ما تقتضيه ظروف ليبيا الراهنة . كذلك هناك بعض أساتذة الجامعات في ليبيا يقولون إن الفيدرالية تناسب شكل الحكم الجديد في ليبيا، ولا تؤدي بالضرورة إلي تقسيم البلاد، ويؤكد أصحاب هذا التوجه أن الخطأ يتمثل في أنه ما كان يجب اتخاذ هذه الخطوة من جانب واحد دون التشاور مع سكان الأقاليم الأخري في ليبيا، ويشير أنصار العودة للفيدرالية إلي أنها يمكن أن تمنع تهميش الشرق الليبي كما كان الحال منذ عقود في فترة حكم القذافي، وكانت ليبيا اتحادا فيدراليا من 1951 1963 خلال حكم الملك إدريس السنوسي، وكانت منقسمة إلي ثلاثة أقاليم هي برقة وطرابلس وفزان، وحكمت وفقا للنظام الفيدرالي تحت اسم " المملكة الليبية المتحدة " وقد غير الملك هذا النظام ووحد الدولة في كيان واحد وغير الإسم إلي " المملكة الليبية " ، حتي الانقلاب العسكري الذي قامت به مجموعة القذافي في 1969 . ويقترح أصحاب اتجاه الفيدرالية إمكانية تقسيم ليبيا إلي خمسة ولايات هي برقة وطرابلس وفزان وجبل نفوسة ومصراته، ويبدو أن استمرار تفكك الدولة في ليبيا بعد الثورة مع عدم تبلور سلطات قوية، والافتقار إلي مؤسسات فاعلة، وكذلك كون منطقة برقة هي صاحبة أكبر عدد من المسلحين، هي الأسباب التي تقف وراء هذه الدعوة التي تنحاز للفيدرالية. ومن الطبيعي والمنطقي أنه بعد كل ما شهدته ليبيا في العام الماضي من أحداث الثورة الشعبية التي نجحت بمساعدة التدخل الخارجي في إسقاط نظام حكم القذافي الاستبدادي والذي حكم البلاد لمدة 42 سنة متواصلة أوقف خلالها كل نقاش مجتمعي أو أي طروحات شعبية وجمد تماما روح الشعب الليبي سياسيا وفكريا ومؤسسيا، أن ينطلق الشعب الليبي في المرحلة الحالية لمناقشة واختيار نظام الحكم الذي يريده مستقبلا ، وأي خيارات سياسية سيقف وراءها، وذلك استعدادا للدخول في مرحلة انتخابات الجمعية التأسيسة في يونية المقبل، ويؤكد المحلل السياسي عبدالسلام الرقيعي أن دعاة الفيدرالية لهم الحق في التعبير عن أفكارهم وأن يبينوا نوع الحكم الذي يريدونه، ولكن بدون أن يعني ذلك الدعوة إلي انفصال منطقة برقة، وإنشاء دولة مستقلة، لأن ذلك لن يحصل علي الشرعية مطلقا . بالإضافة إلي ذلك، فإن بعض دعوات الفيدرالية تري أن ذلك يأتي تعبيرا عن نهج ديمقراطي تطبيقا لمبدأ " الديمقراطية التشاركية " التي تمنح الناس فرصا أكبر للمشاركة في إدارة شئونها بدلا من الاعتماد الكامل علي السلطة المركزية . ولكن، هناك تحذيرات قوية من أن الفيدرالية ستزيد من التوتر في ليبيا في مرحلة يسعي الجميع فيها للمصالحة الوطنية بعد كل ما جري في العام الماضي، وتزداد أهمية هذه القضية لأن معظم النفط الليبي موجود في إقليم برقة، بينما يفتقر إقليما فزان وطرابلس إليه، وتزيد الفيدرالية من أسباب الصراع علي الثروة، ويؤكد معارضو الفيدرالية بأنها إذا كانت من تراث الماضي فقد كان ذلك بسبب أن ليبيا بلد شاسع المساحة ولم تكن المواصلات والاتصالات سهلة بين مناطقه في الماضي، مما سهل مسألة الحكم الذاتي، ولكن اليوم الأمر يختلف، وتسهل الاتصالات بين جميع المناطق . أما علي الصعيدين السياسي والقانوني، فإن خطوة إعلان الحكم الذاتي من خلال موقف منفرد لأحد الأطراف فإنه لايعد تصرفا يحظي بالشرعية القانونية وهو مالا يرتب أي نتائج سياسية أو مالية أو إدارية، لذلك فهو إجراء باطل قانونا، وهو أيضا يناقض المصالح السياسية العليا لليبيا أمام المجتمع الدولي، ويفتح الباب لانقسامات اجتماعية وسكانية في البلاد، فضلا علي تعرضها لمخاطر أمنية في أصعب مرحلة تمر بها . ومع ذلك، فإن النقاش يستمر ، ويؤكد أحمد الزبير السنوسي الذي عين رئيسا للمجلس الانتقالي الأعلي لإقليم برقة أن الفيدرالية ليست مدعاة للفتنة، وأن الفيدرالية هي التي أدت لازدهار دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الشكل الأكثر ملاءمة لليبيا . ويذكر أن السنوسي هو أحد أقارب الملك الراحل الذي أطاح به القذافي في انقلاب عام 1969، وهو أقدم سجين سياسي في عصر القذافي، وهو أيضا، عضو في المجلس الوطني الحاكم في ليبيا. ويبدو أن الاتجاه العام في ليبيا يقف ضد فكرة التقسيم والفيدرالية، كما أن عدة دعوات دينية تحاول دحض هذا الاتجاه، حيث حذر مفتي الديار الليبية الشيخ الصادق الغرياني من أن إعلان منطقة برقة إقليما فيدراليا هو " ابتعاد عن شرع الله " محملا الفساد المستشري في البلاد المسؤلية عن مثل هذه الدعوات . ليبيا .. الآن عندما رفرفت الأعلام الليبية في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس وأطلقت حشود في مختلف أنحاء البلاد صيحات الفرح احتفالا بالذكري الأولي للثورة التي انطلقت في 17 فبراير 2011 ومنحتهم الحرية وأنهت حكم القذافي بعد أكثر من أربعة عقود من القهر والقمع والحكم الشمولي، فقد اختلطت مشاعر الفخر بالثورة مع مشاعر الخوف من المجهول القادم وسط ظواهر تنبئ بالفوضي من ناحية، ووعود حكومية لم تتحقق من ناحية أخري ، وشكوك حول المستقبل من ناحية ثالثة ،هذا، بالرغم من صيحات الأمل التي عمت الاحتفالات بولادة ليبيا جديدة ومزدهرة . فمن ناحية يعرب كثير من الليبيين عن أسفهم حيث خيبت الحكومة آمالهم وزادت من الشكوك حول مدي قدرتها علي الحفاظ علي وحدة البلاد التي يقطنها حوالي 6 ملايين نسمة، وفي الوقت نفسه فإن هناك استعدادات لإجراء أول انتخابات حرة في تاريخ ليبيا في يونية المقبل، هذا، بينما يجري تنافس محموم بين عشرات من الجماعات المسلحة متعددة الانتماءات المحلية والقبلية والدينية، والتي يصارع كل منها لنيل أكبر نصيب من غنيمة الثروة والسلطة، وعلي جوانب المشهد، تلوح ممارسات تشفي وتعذيب، تجري في غياهب سجون مظلمة يواجه فيها عناصر من رجال القذافي ومناوؤن للثورة عمليات تعذيب تنكرها السلطات، وتصر عليها ميلشيات ماتزال غاضبة وتريد الانتقام من ميراث الاستبداد القذافي وسنوات القهر والقمع علي أيدي زبانية حكمه المديد. وعلي المستوي الرسمي، وفي حدود ما توصلت إليه ليبيا الجديدة فإن قادة المرحلة الحالية وفي مقدمتهم مصطفي عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي يؤكد وعوده لليبيين بأنهم بصدد الإعداد لبناء دولة ليبيا الجديدة، والتي ستقام فيها مؤسسات ديمقراطية ومدنية، وسيكون فيها كل الليبيين سواسية أمام القانون، وستخدم الدولة جميع مواطنيها، كذلك يؤكد رئيس الوزراء عبدالرحيم الكيب أن حكومته تبذل جهدها لتعقب أنصار القذافي الذين ما يزالوا يقومون بالتآمر ضد الثورة، وسرقة أموال الليبيين. وإذا كان صحيحا أن الليبيين يعيشون علي أمل تحقق هذه الوعود في المستقبل القريب، ويعربون في فرح ظاهر عن تمتعهم بحرية التعبير والكلام والأمل في التغيير والمستقبل، فإن ذلك لا يمنعهم من التذمر من بطء عمليات التغيير وتأخرها، وفي ذلك، يمارس الليبيون " حريتهم " في مقاطعة رئيس الحكومة وانتقاده علنا، خاصة بالنسبة لافتقار ليبيا لجيش وطني يدافع عن حدودها، كما يعرب الليبيون عن أملهم في أن تقوم الحكومة بجهد أكبر في مجال التعليم، بعد سنوات من الجمود والتخلف والشلل في عهد القذافي، ويثمن كثير من الليبيين قضية التعليم بأنها تفوق في أهميتها المسألة النفطية . وطبيعي أن الثورة الليبية، كغيرها من ثورات " الربيع العربي " أطلقت سقف التطلعات الشعبية إلي آفاق تتجاوز قدرات قادة المرحلة الراهنة، الأمر الذي يجعل المواطنين يتعجلون النتائج ويتوقعون انجاز عمليات التغيير بسرعة، ورؤية ثمارها علي الفور. ومن هنا يأتي الغضب الشعبي علي من يمسكون بزمام الأمور وربما اتهامهم بالضعف والتخاذل، ومن ذلك الانتقادات الصريحة الموجهة إلي المجلس الوطني الانتقالي، ورئيسه عبدالجليل، بأنهم تخلوا عن قيم الثورة ومطالب الشعب الليبي، ولا يتواصلون مع الشارع ، ولم يكونوا علي مستوي الشفافية اللائق في بيان كيفية إنفاق عائدات النفط، وأنهم سمحوا بضم مسئولين سابقين ممن خدموا في عهد القذافي في بعض المؤسسات، ويعلق محلل سياسي بأن المجلس الوطني الانتقالي الليبي يبدو "عاجزا" عن مواجهة الغضب الشعبي المتنامي ضده وضد رئيسه بشأن إدارة المرحلة الانتقالية، خاصة أن المجلس لا يمتلك رؤية استراتيجية واضحة للتعامل مع حالة الفراغ الحالية، والتي يضاعف من خطورتها أن الدولة أصلا في عهد القذافي لم تكن تمتلك أي مؤسسات حقيقية، ومن المتوقع أن يستمر عمل المجلس الانتقالي إلي حين انتخاب المؤتمر الوطني العام "الجمعية التأسيسة" والتي أعلن عن إجرائها في 23 يونية المقبل. وعموما، تتمثل أهم وأخطر مشاكل ليبيا الآن في حالة الانفلات الأمني، حيث لاتزال المجموعات المسلحة من الثوار تتصارع علي السيطرة علي مقرات كانت منسوبة للدولة، وسط غياب شبه كامل للحكومة
الانتقالية التي يتردد أنها تعاني بدورها من تدخلات المجلس الانتقالي في اختصاصاتها، في وقت تزيد فيه مخاطر الانفلات الأمني بسبب حالة تناحر القوي السياسية والجهوية والقبلية . . ومع غياب سلطة مركزية قوية، تميل الأحوال في ليبيا نحو التقسيم علي الأرض وفقا لموازين القوي من جانب أمراء الحرب وزعماء المجموعات المسلحة، مع عودة قوية لاعتبارات القبيلة، وتقسيم للمواقع الاستراتيجية التي تسعي القوي للسيطرة عليها مثل طرابلس وبنغازي، فيما تظل مدن مصراته والزنتان وبني وليد وسرت مكشوفة ومعرضة لمعادلات أخري صعبة تعيشها ليبيا اليوم . توترات أخري 1 علي حسب الأنباء الواردة من المناطق التي تشهد توترات في ليبيا، فلاتزال مدينة الكفرة الصحراوية جنوب شرق ليبيا غير مستقرة بالرغم من التهدئة التي أعلنتها قوات الجيش وكتائب الثوار بعد الاشتباكات التي دارت مؤخرا بين قبائل التبو والزوية وحلفائهم من قبائل أخري، مما أودي بحياة نحو 100 شخص . وكان الجيش الوطني وكتائب الثوار قد تمكنوا من السيطرة علي المدينة إلي حد ما بعد إجراء مفاوضات بين شيوخ القبائل المتناحرة، والتي لاتزال تتبادل الاتهامات واللوم حول النزاع. ويقول عدد من شيوخ القبائل أن التشاديين هم من شنوا الهجوم الأخير علي مدينة الكفرة، ومن المعروف أن القبائل تقتسم مساحات مشتركة بين عدة دول، فقبيلة التبو تقيم في مربع حدودي بين ليبيا وتشاد والسودان والنيجر، ومنذ 17 فبراير 2011، تشهد منطقة الكفرة فراغا إداريا وأمنيا، وتضم البلدة حوالي 40 ألف نسمة، وقد أصبحت تقريبا خالية من السكان . وتقول بعض المصادر إن الاشتباكات تتواصل بين القبائل والثوار في مربع حدود الصحراء الليبية مع تشاد والسودان والنيجر بالرغم من الهدنة . وقد انتقد منسق الشئون الاجتماعية في حكومة الكفرة المحلية المجلس الوطني الانتقالي لتجاهله الجنوب الشرقي بالرغم من أن إقليم الكفرة هو أكبر الأقاليم الليبية ويمتد علي حدود السودان وتشاد، وتتمثل الخطورة هنا أنه أكد أن المنطقة قد تضطر إلي إعلان استقلالها ما لم تتلق الدعم اللازم لإنهاء ما وصفه بهجمات المرتزقة. ولابد هنا من ملاحظة أن الروابط القبلية أقوي كثيرا في منطقة الكفرة منها في الشمال علي ساحل البحر المتوسط، وقد شهدت هذه المنطقة تمردا قبليا في عام 2009، ولم يستطع القذافي قمعه إلا بإرسال طائرات حربية، وفي 2011 أرسلت السودان أسلحة لمساعدة المقاتلين الليبيين علي انتزاع السيطرة علي المنطقة التي تعد مركزا للمهربين الذين يستغلون ضعف سلطة القانون في المناطق الحدودية في أفريقيا جنوب الصحراء . 2 هناك أيضا ممارسات أخري غير مبررة تحدث في أنحاء متفرقة في ليبيا منها قيام جماعات إسلامية ليبية مسلحة بتخريب ونبش وتدنيس وتحطيم مجموعة من المقابر العسكرية في مدينة بنغازي، حيث دفن الجنود البريطانيين الذين قتلوا خلال الحرب العالمية الثانية، وأكدت صحيفة " أوبزرفر " أن شرائط فيديو أظهرت ما تعتبر ميليشيات إسلامية فيها حوالي 30 عنصرا مسلحا وهم يحطمون شواهد القبور بينما يقوم آخرون باستخدام المطارق لتكسير التوابيت . وقد تسببت هذه الممارسات في صدمة في ليبيا وبريطانيا، وأضطر المجلس الوطني الانتقالي إلي الاعتذار، غير أن أحدا لم يعتقل علي خلفية هذا الهجوم، وتعد هذه المقابر التي تعرضت للتخريب جزءا من مقابر قامت ببنائها لجنة الكومنولث بعد الحرب العالمية الثانية. 3 وفي شهر فبراير الماضي، شهدت الحدود الليبية التونسية توترا شديدا، حيث دارت مواجهات مسلحة عنيفة بين قوات من الشرطة العسكرية الليبية ومجموعات من " ثوار زوارة " غير بعيد عن معبر " رأس جدير " الحدودي بين ليبيا وتونس، وقد دفعت السلطات التونسية بتعزيزات أمنية وعسكرية إلي منطقة الحدود التي تمتد نحو 140 كيلو مترا وظلت وحدات الجيش التونسية في حالة استنفار تحسبا لأي طارئ، فيما تم إغلاق المعبر أمام الأفراد والآليات. 4 علي صعيد آخر، عبرت مصادر أوروبية عن قلقها بشأن مدي قدرة الحكومة الليبية علي تأمين سواحلها علي البحر المتوسط بعد أن ترددت أنباء عن قيام مهربي السلاح ومتمردي تنظيم القاعدة ومهاجرين غير شرعيين باستخدام ليبيا كبوابة إلي الدول الأوروبية . وفي هذا الصدد قال وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونجيه إن وضع ليبيا الاستراتيجي الذي يربط بين أفريقيا والبحر المتوسط يجعلها منطقة معرضة للخطر، لذا قرر الجانبان الليبي والفرنسي إنشاء لجنة عمل مشتركة لبحث هذه المشكلات، كما وصلت بالفعل إلي ميناء طرابلس سفينتان حربيتان فرنسيتان للقيام بمهمات تدريبية في ليبيا، والمساعدة في إزالة الألغام من الموانئ النفطية. 5 تعد من أخطر المشكلات التي تواجه ليبيا في الوقت الحاضر هي الميليشيات المسلحة التي ترفض التخلي عن سلاحها، ولا تستجيب لطلب الحكومة في الانضمام للجيش والشرطة، ولم ينضم لهذه المؤسسات إلا عدد محدود حتي الآن، ويعتقد أن الميليشيات عازفة عن حل نفسها لأنها تأمل في ترجمة قوتها العسكرية إلي سلطة ونفوذ في ليبيا الجديدة، وقد حذرت عدة منظمات حقوقية من أن الميليشيات المسلحة تدوس علي حقوق الإنسان، وتهدد طموحات الليبيين في بناء دولة ديمقراطية تقوم علي العدالة واحترام حقوق الإنسان، ويجد المجلس الوطني الانتقالي صعوبة في بسط سيطرته علي شتي أنحاء البلاد مع تنازع الميليشيات المحلية والجماعات القبلية المتنافسة علي النفوذ والموارد. مهمات البناء بكل المقاييس، تعيش ليبيا مرحلة المخاض الصعب لإعادة بناء الدولة بكل مشكلاتها ومصاعبها، وسط ظروف غاية في الصعوبة علي كل المستويات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبعد أن خضعت البلاد لعملية تجريف شاملة علي مدي عشرات السنين، مما يجعلها حاليا تفتقر لأبسط أسس الدولة التي كان يمكن البناء عليها، وعلي حد وصف رئيس الوزراء الليبي السابق محمود جبريل، فنحن أمام نموذج بلا دولة، ولاجيش وطني، ولا شرطة، ولاجهاز للأمن، مما يعني أن من هم في الشارع لهم اليد العليا. وعلي الرغم من ضخامة التحديات التي تواجه الشعب الليبي الذي يتطلع لغد أفضل وبناء دولة جديدة علي أسس ديمقراطية، ومع كل المهام الكبري التي يضطلع بها القائمون علي الحكم في ليبيا في هذه المرحلة الصعبة، فإن هناك محاولات واجتهادات لعبور المرحلة والسعي لوضع اللبنات الأولي لمهمة بناء الدولة، ومن ذلك علي سبيل المثال المحاولات الحثيثة لتأسيس مؤسسات المجتمع المدني، وظهور تشكيلات أولية للنقابات، والجمعيات والروابط، ويتردد أن عشرات الصحف الجديدة قد صدرت، تعبيرا عن حيوية نسبية وحراك ثقافي بدأ يؤتي ثماره في الساحة الليبية . في هذا الإطار، تشكلت عشرات الأحزاب السياسية (تصل في بعض التقديرات إلي 40 حزبا سياسيا)، منها علي سبيل المثال " حزب القمة " المعبر عن شباب ليبيا والساعي إلي تعزيز مسيرة ليبيا من الثورة إلي الدولة، و "الحزب الديمقراطي الوطني " الذي يعلن رئيسه صديق كريم صراحة أنه لا يريد دولة علمانية محضة في ليبيا، وهناك حزب "التواصل" وهو حزب قومي يؤكد أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر الرئيسي للتشريع، والحزب " الديمقراطي الاجتماعي "الذي يؤكد مؤسسه أنه سيستلهم أغلب الدعم من" الأمازيج " الذين ينتمي إليهم وسوف يستخدم الحزب للدفاع عن حقوقهم، وحزب الإخوان المسلمين الذي يصفه رئيس اللجنة الخاصة بتشكيله أنه " حزب وطني بمرجعية إسلامية "، وكانت جماعة الإخوان المسلمين الليبية قد تأسست في عام 1949 كأحد فروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر ولكنها حظرت، ولم يتسن لها عقد اجتماعات عامة في ليبيا حتي نوفمبر 2011، وغالبا ما كان يضطر أعضاؤها لإبقاء انتماءاتهم للجماعة سرا خشية الاعتقال والتعذيب والسجن . وعموما، فإن مهمة البناء السياسي في ليبيا لن تكون سهلة، ويتوقع أن يكتنفها صعوبات جمة مع عدم وجود أي جذور للعمل السياسي في البلاد فكريا أو مؤسسيا، وقد أصدر المجلس الانتقالي في الشهر الماضي قانون الانتخابات الذي حظي بإشادة دولية، ونص القانون علي منع أفراد الجيش من التصويت في محاولة لإبعاد المؤسسة العسكرية عن المجال السياسي. ويلاحظ أن توجهات الأحزاب المشكلة تغطي عدة تيارات سياسية ديمقراطية وإسلامية وعلمانية وقومية، ويحاول مؤسسو الأحزاب المشكلة الحصول علي دعم من الولاءات الإقليمية والقبلية والعرقية، وكثيرا ما يردد ممثلو الأحزاب الجديدة أن الشعب الليبي سئم الأيديولوجيات التي فرضها عليهم القذافي لمدة 42 سنة استرشادا بتعليمات ما كان يطلق عليه " الكتاب الأخضر"، وفي السياق العام فإن هناك توقعات بأن يدخل في حلبة السباق السياسي عناصر علمانية وشيوخ للقبائل وأيضا ممثلون للميلشيات، وليس ممكنا في التحليل العام التوصل إلي الملامح الرئيسية للمشهد السياسي رهن التشكل في ليبيا حاليا، وما إذا كانت الغلبة ستكون للتوجه الإسلامي، علي غرار ما تشهده عدة دول عربية، أو أن الثقل السياسي سيكون من نصيب التوجهات القومية. فضلا عن ذلك، فإنه لاشك أن حقيقة الوضع الاقتصادي في ليبيا تزيد من صعوبات مرحلة إعادة البناء، وبالرغم من استئناف انتاج النفط ورفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة علي ليبيا، فإن حقائق الواقع تنبئ بأزمة كبري تواجه الاقتصاد الليبي الذي تسوده الفوضي ويستشري فيه الفساد حيث لم تكن البلاد في الماضي تسير وفقا لأية خطة أو رؤية اقتصادية بل سياسات عشوائية تتفق ومصالح أصحاب النفوذ، ما يعني أن إدارة موارد ليبيا وفي مقدمتها النفط كانت خاضعة لفوضي مريعة. وبلغة الاحصاءات، فقد ارتفع احتياطي الدينار في المصارف الليبية من 500 مليون عند سقوط القذافي إلي 5 .1 مليار حاليا، ومع ذلك، هناك شكوي من قلة السيولة، حيث إن القسم الأكبر من العملة الليبية بات متداولا خارج القطاع المصرفي، كذلك، انخفض الناتج الداخلي في 2011 بنحو 60 % وشكل رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والدول الغربية علي نظام القذافي انتعاشا لموارد الحكومة ومع ذلك فالأزمة مستمرة ، وقد أعرب صندوق النقد الدولي عن قلقه لأن الدولة تتمول بالاقتراض لدي البنك المركزي وتسحب ودائعه لكن في المقابل تتشكل حصيلة البنك المركزي أساسا من زيادة الأوراق النقدية المتداولة، ويؤدي طبع الأوراق النقدية لزيادة التضخم الذي وصل إلي 15% . وحسب شركة النفط الوطنية، فقد تم استئناف إنتاج المحروقات بنحو 3 . 1 مليون برميل يوميا في نهاية يناير الماضي مقابل بضعة آلاف في شهر يوليو، لكن موقف الحكومة واضح حيث أكدت أنه لا عقود جديدة قبل انتخابات المجلس التأسيس في يونيو المقبل. أما بالنسبة لمشكلة الأموال الليبية في الخارج، فإن رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفي عبدالجليل أكد أنه لم يتسن استرداد سوي جزء يسير من أصل حوالي 100 مليار دولار تم تجميدها أثناء الحرب الأهلية، وأكد عبدالجليل أن هناك مشكلات كبري في دفع رواتب العاملين الحكوميين، وسد نفقات الطاقة، وأن عجز الميزانية سيصل قدره هذا العام إلي 10 مليارات دولار، وتؤكد مصادر صندوق النقد الدولي أن تعافي إنتاج النفط والغاز في ليبيا يعد أحد أهم العناصر في إعادة بناء وانتعاش الاقتصاد الليبي بعد ثمانية أشهر من الانهيار .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.