إنهم لا يكذبون ليس لأسباب دينية أو أخلاقية، وليس لأن هناك حديثًا شريفا سَافَرا عبر القرون يقول إن الكذب رذيلة والصدق فضيلة، ليس بسبب سيرة نبوية عطرة كان لقب الصادق الأمين هو أول مستند أيد حمله للرسالة السماوية الرفيعة، إنهم لا يكذبون لأسباب عملية بحتة. إنهم لا يكذبون من أجل مزيد من المال ومزيد من التقدم، لا يكذبون لأن لديهم أطماعا وطموحات ورغبة طاغية في سكني الكواكب في السماء السابعة. وعلي هذه الصحيفة ومن عدة أسابيع تحدثنا عن الكذب العام الذي رأينا البعض لا يستحون من ممارسته علنًا، ونوهنا إلي أنه واحد من أهم أسباب الفشل السياسي وملحقاته الإقتصادية والإجتماعية التي عانينا ويلاتها خلال الستين عامًا السابقة وقد مارسه السياسي ورجل الإعلام والصحفي وكلنا شهداء عيان عليه. تخيلنا أن ثورة يناير ستشفينا منه فإذا به يطل علينا بوجهه القبيح وبتبجح منقطع النظير. إنهم لا يكذبون جون ماكين يمكنه أن يكذب في بيته ومع أصدقائه، أما إذا وقف أمام الكاميرا، أي امام الرأي العام، فمن المستحيل أن يكذب لأن الثمن هو مستقبله السياسي، فقد رأي رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية يطرد من البيت الأبيض شر طردة، ليس لأنه اختلس المليارات، أو أورد بلده موارد التهلكة، كما حدث عندنا، ولكن لأنه نفي علمه بواقعة تجسس حزبه علي الحزب المنافس وثبت فيما بعد أنه يعلم. تلك كانت حكاية الرئيس نيكسون الذي كان واحدًا من أكفأ رؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد تولي رئاستها وهي غارقة في مستنقع حرب فيتنام، وشبابها ىُقتلون يومىًا في أحراشها، وأموالها تستنزف بالمليارات . ليس فحسب وإنما اقتحم ملف العلاقة مع الصين وشكل دويتو ناجحا مع هنري كيسنجر لإنهاء مشاكل الولاياتالمتحدة معها ثم قام بزيارة للصين اهتزت لها أركان الكرة الأرضية، وأعاد العلاقات التي ظلت مقطوعة لعقدين من الزمان منذ الحرب الكورية، وترتب عليها منع الصين من الانضمام إلي هيئة الأممالمتحدة رغم سكانها الذين تعدوا المليار، بينما تنعم تايوان التي لم تكن إلا إقليمًا من أقاليم الصين بهذه العضوية، وأنهي بذلك تناقضًا مؤلمًا كان دائمًا محل انتقاد العالم زمن الحرب الباردة، ترتب علي ذلك بالطبع شهود الولاياتالمتحدة لعدة عقود من الازدهار إلي أن حلت حماقات جورج بوش الإبن، ورغم كل هذه الجهود والعبقرية السياسية لم يغفر له الشعب الأمريكي أبدًا أنه كَذَب. في نفس الوقت فإن هذا الشعب المتزمت فيما يختص بهذا البند من بنود العمل العام أو السلوك العام، نجد أنه غفر لبيل كلينتون سقطته مع المتدربة بالبيت الأبيض مونيكا، لا لشيء إلا لأنه لم يكذب واعترف بفعلته وترك للرأي العام توقيع العقوبة التي يراها وكانت العفو. جون ماكين شاهد هذه الوقائع ورأي وعرف كيف تفكر أمته، وكيف أنها تعلمت من الرسل أهمية الصدق، وجربته في حياتها العامة ووجدت أنه طوق النجاة أو حجر الزاوية بالنسبة لأي نظام سياسي، أصبح الصدق العام ناموسًا أو صراطًا مستقيمًا يسير عليه الجميع، ودون حاجة متجددة إلي ذكر أحاديث شريفة أو نماذج من سير ذاتية أو عنعنة هنا وهناك تلوكها الألسن وتكتسب من ورائها قيمة ما رغم أنها لا تعمل بها، وتضرب بها عرض الحائط عند أول اختبار بالذخيرة الحية . فكونك تصدق أو تكذب في حياتك الخاصة فهذا شأنك مع أسرتك ومع الله أما الكذب العام الكذب علي الأمة وأنت صاحب مقام رفيع فيها، ولك مكان ما في صنع القرار فهذا خط أحمر لأن أضراره لا تخص شخصًا بل تخص الأمة بكاملها مصيرها، لذا أستميحكم عذرًا أيها السادة إن صَدَّقت ماكين وكذبت غيره. أيها الإخوان.. قولوا الحق هنا من هذه الصحيفة التي أراها تقف وحيدة بلا أي سلاح سوي سلاح الحق وتدخل في معارك أقل ما يقال فيها إنها توقع الرعب في أغلظ القلوب، أطالب الجماعة (أعتقد أنه لم يعد هناك داع لأن أقول جماعة الإخوان المسلمين) أن تحقق في المسألة، ومن المؤكد أن لديها تسجيلا للحوار الذي دار بين ممثلي الجماعة وبين جون ماكين، وعليها أن تعترف بشجاعة بالدور الذي لعبته في مسألة رفع الحظر علي سفر مندوبي المنظمات المدنية إلي بلادهم إن كان قد حدث، فلاشك أن هناك لهوا خفيا لعب دورًا في صنع هذه الأزمة وحولها من حال الأصل من مخالفة إلي جناية، والهدف هو صنع مشاكل جديدة لبلد ما تنفك تقع في المشكلة تلو الأخري. الحق يفرض علينا القول بأنه منذ قيام الثورة والولاياتالمتحدة تؤيدها وتحرص علي إصدار البيان تلو الآخر لتعضيدها، بصرف النظر عما في السرائر من أغراض، كما أننا لا نعرف علي وجه التحديد دورها في غل يد إسرائيل عن انتهاز فرصة انشغال الجيش بالأمن الداخلي والقيام بأي عمل عدواني ضد مصر في هذه الظروف الاستثنائية. وإن ثبت أن الجماعة وعدت ماكين بالعمل علي رفع الحظر عن المتهمين وأوفت بوعدها عن طريق استخدام نفوذها وتأثيرها الفاعل في الوسط القضائي من أجل البحث عن حل قانوني وتجاوز الأزمة وعدم السماح لها بتدمير علاقة مصر بأقوي دولة في العالم وهو ما يعني في نفس الوقت ثبوت واقعة الكذب فعلي الجماعة أن تعفي السيد غزلان من منصبه كمتحدث رسمي باسمها فمن المؤكد أن مصر لن تتحمل أحمد سعيد جديد يعلن سقوط عشرات الطائرات الإسرائيلية بالكذب كما حدث في نكسة 67 أو في حاجة إلي صاروخي قاهر وظافر جديدين يربضان في عالم من الخيال يتربصان بمن يحاول الاعتداء علي هذا البلد الذي يدمره الكذب العام دون أن نفعل شيئًا لإنقاذه .ش وعزل السيد غزلان في هذه الحالة وفي هذه الظروف أمر بالغ الأهمية، كبند مهم في خريطة طريق، تباعد بين سلوكيات الجماعة وبين سلوكيات الرئيس المخلوع وجهازه السياسي المهلهل، خريطة طريق توضح أن هناك ثورة قامت وشهداء سقطوا واقتصاد تضرر وتضحيات كبيرة بذلت من أجل شيء واحد هو التغيير وليس بقاء الحل علي ما هو عليه.