كيف حدث التحول إلي النحت بالمفهوم المعاصر، بعد أن كانت الدراسة والبدايات مع النحت بالمفهوم المتعارف عليه؟ - أعود للنصف الأول من الثمانينات ودراستي بفنون جميلة جامعة المنيا، وبدأ تخصصي في النحت والذي مارسته بشكل منتظم منذ عام 1989 وحتي 1997 بالشكل والفكر المعتاد والمتعارف عليه في الحركة التشكيلية المصرية في اتجاه التجريد ، ومع حلول عامي 1998 - 1999 خرجت أعمالي من نطاق النحت المتعارف عليه إلي منطقة جديدة أكثر رحابة وتواؤماً مع أفكاري وأهدافي الفنية والثقافية، وهي تنتمي للفنون الهندسية وما يمكن أن نطلق عليه: «كونكريت» وهو يرتبط بشكل ما بفنون المينيمال والفنون المفاهيمية إن جاز الربط بينها. لماذا إذن لا تتمتع الفنون المعاصرة بشكل عام والنحت منها بشكل خاص بالرواج الكافي من حيث المشاهدة والاستقبال في عالمنا العربي؟ - فكرة الرواج الجماهيري أو التجاري هي أحد أسباب تعطل حركة التطور في الفنون البصرية المصرية والعربية ساهمت ومازالت في تحجيم وتقزيم الفنون البصرية وحصرها في منطقة التزيين والتجميل . وهذه ليست مشكلة فنية بل هي ثقافية في المقام الأول حين يتم حصر المفهوم الفكري والفلسفي للفنون داخل إطار الجماليات الشكلية الكلاسيكية، في الوقت الذي تعتمد الفنون المعاصرة بكل أنواعها ووسائطها علي فكر وفلسفة ودراسات ثقافية كسرت الحدود بين الفنون بكل أنواعها من جانب والفنون والعلوم من جانب آخر لخلق وابتكار أنماط ومعايير جديدة للمفاهيم الفكرية والجمالية للفنون البصرية. وفيما يخص المجتمع العربي لا يمكن أن نتجاهل أن الثقافة العربية ثقافة شفاهية وليست بصرية . هل تعتقد أن الفنون المعاصرة ستؤثر بالسلب علي الفنون الحديثة والكلاسيكية؟ - من الطبيعي في أي ثقافة حيوية وديناميكية تسعي للتقدم والتطور أن تفسح المجال للجديد والمتطور لكن أتمني أن يتسع الوعي والإدراك الفكري والثقافي لممارسي الفنون، وتعي الحركة الثقافية أن الفنون التطبيقية والمعمارية والسينمائية هي في الواقع فنون بصرية أصيلة، وأن يدرك القائمون والعاملون في الحقل الفني سواء في الإدارة الثقافية أو الممارسة أنه من السذاجة تصور أن الفصل ما بين الفنون بكل أنواعها أو الفصل ما بين الفن والعلم، أو الفصل ما بين الفن والفلسفة، ممكن في زمننا هذا، فالمعاصرة لا تعني المنتج بالوسائط الحديثة بل المعاصرة لكنها طريقة تفكير وفكر وفلسفة. ماذا اضافت فرصة الإقامة وممارسة الفن في أوروبا لتجربتك الفنية؟ - إقامتي في أوروبا مرت بعدة مراحل، بدأت بالزيارات سواء القصيرة نسبياً والتي لعبت دوراً شديد الأهمية في تطور تجربتي الفنية من حيث المواجهة مع الذات من خلال مرآة الآخر والذي نقلنا عنه تجربة الحداثة في الفن منذ بداياته الأولي هنا في مصر في بدايات القرن الماضي. والوصول إلي السؤال المؤرق والمرهق: كيف يمكن تصنيف منتجي الثقافي والفني؟ محلياً أم عالمياً؟ ومن هنا بدأت المفاهيم والمعايير التقليدية لماهية الفن تهتز وبدأت المراجعة والتدقيق في كل فكرة وكل عمل أشرع في إنتاجه بناء علي القياس السابق، ومرت هذه المراحل بفترات تقدم وتراجع حتي وصلت إلي ما انتجه واخرجه فنياً الآن والذي يحمل تراكمات الفنون الإنسانية من الفنون المصرية القديمة مروراً بالفنون القبطية والإسلامية والحديثة والمعاصرة. أما المرحلة الأهم وهي مرحلة الإقامة ورغم وجودي لفترات طويلة في أوروبا إلا أني أحافظ علي حضوري ووجودي في الحركة البصرية المصرية، هذه الإقامة تعني أنك تعيش وتمارس الفن في قلب الحركة الثقافية الأوروبية والعالمية بمعاييرها وتركيباتها الشديدة الثراء مما يسهم في اتساع الأفق الفكري والتراكم الثقافي للفنان، والذي ينعكس بالضرورة علي المنتج الثقافي والفني الذاتي. أنت أحد أبناء جيل التسعينات ، فما الذي يميزه، وهل اختلفت معاييره الفنية عن الأجيال السابقة له؟ - لا أحبذ التصنيفات العمرية أو الفنية، وكم أتمني أن تلغي ونحكم علي العمل الفني دون النظر لكونه لوحة أو تمثالا أو تركيبة مغايرة، ولكن هذا الجيل حُكم عليه بهذا التصنيف العمري الصريح بسبب ظهوره بقوة من خلال صالون الشباب، وربما أهم الأسباب التي دفعت الحركة الثقافية لتسمية الجيل هو قوة حضوره في صالون الشباب ثم في قاعات العرض الخاصة والعامة أيضاً وقدرته علي فرض معايير ومفاهيم جديدة للفنون البصرية وكسره للقوالب الثابتة وتخطيه للحواجز الدراسية وتحديه للثوابت الثقافية. تلك المعايير التي تميز هذا الجيل هي معايير عالمية ولا تخضع للقياس المحلي القديم والذي ظل ثابتاً لسنوات طوال (مع تقديرنا للحالات الإستثنائية لبعض الرواد من الأجيال السابقة ترتبط أعمالك الفنية الثلاثية الأبعاد (النحتية) بالفنون المفاهيمية، فما الفكر المحرك الذي تنتمي له أعمالك النحتية؟ - لا أظن أنه يمكن تصنيف أعمالي الفنية داخل مدرسة فنية محددة، لكن فيما يخص الفكر العام أو الاتجاه الفني يمكن تصنيف أعمالي داخل الإطار الواسع للفنون المفاهيمية والتي تتعامل مع الهندسيات وعلاقة الفنون البصرية بالتصميم والعمارة، فالمنطلقات الفكرية والفنية في أعمالي ترتبط ارتباطاً مباشراً بعلاقتي وإدراكي الثقافي لفلسفة الفنون الهندسية والتي تتقاطع فيها البصريات مع التصميم والعمارة، منذ فنون المصريين القدماء مروراً بالفنون العربية والإسلامية وبالطبع الفنون الهندسية المتنوعة في القرن العشرين وصولاً للفنون المعاصرة. تم اختيارك ضمن عشرة فنانين علي مستوي العالم في القائمة القصيرة لجائزة "جميل" ، وكذلك شاركت في مهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة، وكلا المعرضين يقوما علي فكرة الفنون المعاصرة التي تعتمد الفنون الإسلامية كأساس لها، فماذا عن تلك الأحداث؟ - 2011 كان عاماً شديد الزخم السياسي والثقافي والفني، وكان لدي العديد من المشاركات الفنية المهمة محلياً وإقليمياً وعالمياً، ومنها الترشح ضمن الفنانين العشرة للقائمة القصيرة لجائزة "جميل" للفنون بمتحف فيكتوريا وألبرتس بلندن كمحطة أولي حيث سيتنقل المعرض لمدة عامين إلي عدة دول أوروبية وأمريكية، والعمل الذي تم ترشيحه للعرض والجائزة هو عملي المسمي " الجسر" وتعتبر هذه المسابقة الحدث الأهم في العالم فيما يخص الفنون المعاصرة التي تعتمد الفنون الإسلامية كمرجعية أو خلفية لها، وشرفت بهذا الترشح والذي اعتبره جائزة في حد ذاته، حيث تم اختيار العشرة فنانين من عدد كبير جداً من المتقدمين علي مستوي العالم ... أما الحدث الثقافي الثاني وهو مهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة والذي شاركت فيه بمعرض خاص لمجموعة من أعمالي الحديثة في متحف الشارقة للفنون داخل الإطار العام للمهرجان بناء علي نفس الفكرة السابقة، وكان التمثيل المصري في هذا المهرجان علي مستوي رائع رغم أنها المرة الأولي التي تدعي مصر للمشاركة في هذا المهرجان، مع مراعاة أن الدعوة كانت للفنانين بشخصهم وفنهم وليست دعوة رسمية لوزارة الثقافة، والفنانون المصريون كانوا: محمد أبوالنجا - معتز نصر - حمدي رضا - سامح إسماعيل - حازم المستكاوي.