السيسي يهنئ الشعب المصري ورجال القوات المسلحة بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر    البنك الأهلى اليونانى يستكمل إجراءات التخارج من السوق المصرية قبل نهاية العام الجارى    8 بنوك تمنح شركة تابعة ل«بالم هيلز» تمويلاً مشتركًا بقيمة 10.3 مليار جنيه    تقارير إسرائيلية: توقعات بوصول قائد القيادة المركزية الأمريكية إلى إسرائيل للمساعدة بتنسيق الرد على إيران    محافظ الغربية ووزير الشباب يفتتحان الملعب المنجل بمركز شباب الفرستق    أرقام مميزة ل فيكتور بونيفاس رفقة بارين ليفركوزن    تفاصيل غرق طالب بنهر النيل في الحوامدية    اليوم.. العرض المصري «حيث لا يراني أحد» يشارك في مهرجان ظفار الدولي للمسرح    حبس موظف تحرش بسيدة أجنبية في المعادي    الإمارات تُطلق حملة إغاثة لدعم لبنان ب 100 مليون دولار    «الإفتاء» تنظم البرنامج التدريبي «التأهيل الفقهي» لمجموعة من علماء ماليزيا    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    البورصة المصرية تربح 71.1 مليار جنيه في أسبوع    الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس غداً الأحد ودرجات الحرارة المتوقعة (تفاصيل)    تأجيل إعلان جوائز مسابقة ممدوح الليثي بمهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط    الدفع ب9 سيارات إسعاف لموقع حادث اصطدام «ميني باص» بشجرة في الإسماعيلية    كومباني يوضح صعوبة مواجهة فرانكفورت في الدوري الألماني    نقابة المهن الموسيقية ترعى مؤتمر الموسيقى والمجتمع في جامعة حلوان    عاجل.. تأجيل إعادة محاكمة متهم بتفجير فندق الأهرامات الثلاثة لحضور المحامي الأصيل    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 103 ملايين خدمة مجانية خلال 65 يوما    «العمل» تعلن عن 4774 وظيفة للشباب.. تعرف على التخصصات    خلال 24 ساعة.. تحرير 534 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    القوات الروسية تحرر بلدة جيلانوي فتورويي في جمهورية دونيتسك الشعبية    اليابان تجلي 16 من رعاياها من لبنان بطائرة عسكرية    خبيرة: مشروع رأس الحكمة أحدث استقرارا نقديا انعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    صفحات من المجد.. قراءة في كتب حرب أكتوبر    احتفالًا بانتصارات أكتوبر.. ورش وعروض فنية ضمن فاعليات قصور الثقافة    التضامن: تسليم 801 وحدة سكنية في 12 محافظة للأبناء كريمي النسب    الكنيسة الأرثوذكسية تهنئ الرئيس والمصريين بذكرى نصر أكتوبر    رئيس معهد التمريض بالتأمين الصحي في الشرقية: تكليف الطلبة بالعمل فور التخرج    «منظومة الشكاوى» تكشف عن الوزارات والمحافظات صاحبة النصيب الأكبر من الشكاوى    في حوار من القلب.. الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"    موشيه ديان يروى شهادته على حرب 73: مواقعنا الحصينة تحولت إلى فخاخ لجنودنا.. خسرنا كثيرا من الرجال ومواقع غالية    وزير التعليم العالي: لدينا 20 جامعة أهلية تتضمن 200 كلية و410 من البرامج البينية    إطلاق حملة لصيانة وتركيب كشافات الإنارة ب«الطاحونة» في أسيوط    ترشيدًا لاستهلاك الكهرباء.. تحرير 159 مخالفة للمحال التجارية خلال 24 ساعة    التنمية المحلية: حل 690 شكوى خلال شهر سبتمبر من خلال "صوتك مسموع"    تخفيضات 10%.. بشرى سارة من التموين بشأن أسعار السلع بمناسبة ذكرى أكتوبر    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    الولايات المتحدة تضرب 15 هدفًا للحوثيين في اليمن    برلماني يحذر من مخاطر انتشار تطبيقات المراهنات: تسمح بقرصنة بيانات المستخدمين    لموظفي القطاع الخاص.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2024    فرد الأمن بواقعة أمام عاشور: ذهبت للأهلي لعقد الصلح.. واللاعب تكبر ولم يحضر (فيديو)    شاهندة المغربي: استمتعت بأول قمة للسيدات.. وأتمنى قيادة مباراة الأهلي والزمالك للرجال    تقرير أمريكي: السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا.. وحماس لا ترغب في المفاوضات    حاول إنقاذه فغرقا معًا.. جهود مكثفة لانتشال جثماني طالبين بهاويس الخطاطبة بالمنوفية (أسماء)    طريقة عمل الكرواسون بالشيكولاتة، الوصفة الأصلية    غارة إسرائيلية عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت    بمناسبة اليوم العالمي للمعلم.. رسالة مهمة من وزير التربية والتعليم    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    بلومبيرغ: البنتاجون سينفق 1.2 مليار دولار على الأسلحة بعد هجمات إيران والحوثيين    إسلام عيسى: انتقالى لسيراميكا إعارة موسم منفصل عن صفقة أوجولا    مصدر يكشف أزمة جديدة قد تواجه الزمالك لهذه الأسباب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حافظ نجيب يهدد الملك فؤاد في «الحاوي»..وجلالته يغلق المجلة بالضبة والمفتاح
نشر في القاهرة يوم 21 - 02 - 2012

حافظ نجيب رجل قوي الحيلة، والحيلة هي قدرة الذهن علي التصرف في المواقف المعقدة بما يناسب، وهي عنده فطرة نمتها تجاربه وثقافاته، وقد يضطر إلي تنفيذها بالمغامرة المحسوبة، والخطة المحبوكة، فكثير من المعضلات التي واجهته أوجد لها حلولا بحيله المرسومة، وقد عرف عنه النصب والاحتيال في مقتبل عمره، واستطاب الحياة معهما لأنه قادر علي النفاد إلي سريرة المرء، وإدراك مواضع الغفلة فيه، وعجزه عن تمحيص ما يقال له، ولكن هذا العقل لم ينصرف تماما إلي الشر وإنما في كثير من الأحيان يغلب عليه الفكر والفن، فينتج أدبا وفكرا اجتماعيا وهو بالرغم من انحرافه أحد صناع الثقافة إذ أنه شاعر وقاص وروائي ومترجم وكاتب مسرحي، وممثل مسرحي، وواعظ ديني وصحفي حرر مجلتين. وحافظ نجيب رجل مجرب متدرب علي أعمال متنوعة ومحيط بمستلزمات كل منها وملم بالمؤثرات التي تؤثر علي النفس وتلون الفكر ومثله لا تخدعه بوادي الناس عن دخائله ولا مظاهر الحياة عن خفاياها، فقد كان ضابطا وجاسوسا ومدرسا وممثلا وراهبا في أديرة النصاري وصدر عنه كتاب «الراهب المسلم» وواعظا مسلما يعظ المسجونين وهو أحد السجناء، وكان عاشقا ومعشوقا ومحتالا، وفي كل هذا كانت تناجيه نفسه بما يرتجيه، وإذا اطلنا التأمل في هذا أدركنا مدي اتساع ذهنه واستشفافه لروح الأشياء، وإلمامه بطبيعة العصر الذي وجد فيه وألوان النفوس ومعايير الناس في عيار الأمور إلي جانب ثقافته وقراءته. وهو في رواياته التي ابتدعها لا أقول إنه يميل إلي الغرائب والغوامض والحوادث المثيرة المدهشة والحيل العجيبة والحذر والمراقبة والتربص والتنكر إلي آخره وإنما أذهب إلي أنه من صناع هذه الأشياء التي تعد من مفردات حياته وأعماله الفنية فهو لا يري أن القصة أعمال تقع في نطاق الحياة اليومية، وشخوص يتصرفون بما يناسب البيئة والزمن، وإنما هي تزخر بالدسائس والمراوغات والاستخفاء والتمويه، والانتقام، والأخطار المتلاحقة إلي جانب المغالبة والمغالطة لذلك فإن روايته لا تنطفئ وقدتها، وإنما تظل فاعلة متحركة مع اتساع دائرة الصراع فيها، والبطل وهو حافظ نجيب يكون غازيا ظافرا يحقق رغباته مرة بالحيلة، وأخري بالقوة التي هدت إليها الحيلة، والبطل ليس مخرجا وظالما، وإنما هو منقذ النفوس من ختل الآخرين وغشهم أي أن المؤلف وهو بعينه البطل يصور الأفكار الجميلة، ويعزز القيم النبيلة وهو ما نجده في كثير من القصص البوليسية ، كما أن هذا اللون يناسبة ويجاري حياته لما عرف عنه من تجسس ومطاردة ومفاجأة، وتدويخ الشرطة بالحيل وهي قوام القصص البوليسية وهو كاتب يتعمق المواقف ويتأملها ويجيد تحليل النفوس ويستبطن أعماقها من أقوالها ويستشعر القارئ هذا في شخوص بدائعه الروائية، ولحافظ نظرية في العواطف بثها في روايته «الحب والحيلة» ومفادها أن حب الفتاة في الصبا طيش، تندفع فيه بتأثير عمرها الصغير، وغالبا ما يأتي مصادفة أو علي أثر نظرة لذلك يسهل عليها مقاومته، ويزول أثره بمرور الأيام، أما حب المرأة بعد بلوغها سن النضوج فإنه القوة التي ينخلع بها فؤادها ينغرس في القلب ويتأصل فيه ليثبت ويقوي ويترعرع.. ويدوم هذا النوع من الحب، إنه الحب الحكيم يشترك في وجوده العقل والقلب ويأتي بعد تردد واختيار. وقد تكون نظرته صحيحة لأن للمرأة الناضجة تقديرا لمن تراه جديرا بها، فهي لا تعشق نتيجة انفعال طارئ، وإنما بعد تبىّن الأسباب الدافعة والبحث في الأسباب عمل عقلي كثيرا ما تؤيده العواطف، أما الحب غير المسبب فهو حب طائف طائر، وموازنة حافظ بين الحب التلقائي الذي يكون نتيجة مصادفة أو محادثة أو ممازحة والحب الارادي المسبب بأسباب والذي يأتي نتيجة تفكير وتدبير واقتناع ، فيها نظر ولكن انتصاره للحب الارادي يجد من يؤيده ، والظاهر لي أننا لا نعرف طبيعة الحب معرفة واضحة بالرغم من أن الناس مروا بتجربة الحب وعند انقضاء زمن الحب يبدو للعشاق أنه لم يستطع أن يتفهم نفسية الآخر أو طبيعة حبه، وعندي أن الحب ليست له طبيعة واحدة، وإن تشابهت اشكاله وتقاربت أحلامه وكل ما نعرفه أننا نحب ونتعذب ونفترق، وهذا في معظم الأحوال، ومن روافد نظرية الحب الارادي عنده أن الحب ليس بالضرورة أن يكون بالقلب والاحساس، وإنما قد يكون بالحيلة أي بإثبات الإخلاص والعطف والتضحيات والمخاطرة بالنفس وتخليص المحبوب من مشكلة وقع فيها لذلك سمي روايته «الحب والحيلة». أعماله رواية «الحب والحيلة» التي أشرنا إليها واحدة من سلسلة روايات حافظ نجيب المؤلفة، ومن ابداعاته الأخري في حقل الرواية «كنوز السلطان عبدالحميد» التي صدرت عن مجلة المرصد وقام فيها بدور مراسل صحفي يوافي صحيفته بأخبار الحرب البلغارية- العثمانية عام 1913، وكان قد أحب إيفانا وبعد أهوال وأخطار يتزوجها في نهاية الرواية ونذكر كذلك روايته «الجاسوس المصري» الصادرة في سلسلة مسامرات الشعب، وقام فيها بدور خادم عبيط عند ممثلة شهيرة لها علاقات بعظماء أوروبا واستخدم حيلة في الحصول علي معلومات مهمة وهو في كنفها وتقع أحداثها في ألمانيا، وغيرها من الروايات البوليسية أو شبه البوليسية والتي يصل عددها إلي عشر وكان يجب أن تكون عندنا دراسة وافية واسعة عن الرواية البوليسية تتناول نشأتها وتطورها في مصر ، وتأخذ في اعتبارها روايات حافظ نجيب المبكرة والمؤلفة. ولكن للأسف أهمل الدارسون هذه الروايات، أو كما قال الأستاذ صلاح عيسي «ولعلها من الأعمال الرائدة التي لا تزال بعيدة عن اهتمام دارسي تطور الرواية العربية » (ج القاهرة 2002/11/12م). وفي عدد 19 يناير 1926 من مجلته «الحاوي» رد حافظ نجيب باستعزاز علي شخص يدعي «البحراوي» يقيم في الاسكندرية يقول «من حافظ نجيب ومحرر الحاوي ومترجم روح الاعتدال غاية الإنسان النشائة دعائم الأخلاق، مناهج الحياة، الغرور، وعدد 22 رواية جونسون، وعدد 8 ملتون وعدد 4 معربات حافظ نجيب وعدد 10 روايات حافظ نجيب، ومترجم الغرفة الصفراء وسر الجريمة، والشيخ المخيف» والكتابان الأولان، «روح الاعتدال»، و«غاية الإنسان» نسب ترجمتها إلي «وسيلة محمد»، وهي زوجته ولا صلة لها بهما وكان وقت ترجمتها مطاردا من الشرطة ومختبئ ولا يستطيع أن يظهر اسمه عليهما، ولأجل تغزير مادته الكتابية نضيف إلي ما قاله في رواية كتبها وهو في سجن الحضرة نشرها «جورج طنوس» في كتاب «نابغة المحتالين - حافظ نجيب» ويضم هذا الكتاب مجموعة من اشعاره إلي جانب مجموعة أشعار أخري نشرتها مجلة «الأقلام» سنة 1906 وقصص قصيرة أخري ورواية «ثورة العواطف» وهي مؤلفة، ومنشورة في عدد خاص من مجلته «الحاوي» في مايو 1926، وختم حياته بكتاب «اعترافات حافظ نجيب» الذي ظهر بعيد وفاته بقليل. وقد روي فيه ذكرياته والأحداث التي مر بها حتي يناير 1909 . هذا إضافة إلي أنه حرر مجلتين اسبوعيتين كان يكتب الغالبية العظمي من موادهما أي أن مجموع أعماله تملأ رفا كاملا في مكتبه وهو إنتاج كبير لم تكتب عنه دراسة وافية موضوعية تحليلة تقيمه وتضعه في مكانته التي يستحقها. العالمين وكان حافظ نجيب قد حقق شهرة واسعة وصار حديث المجالس والجرائد في الربع الأول من القرن العشرين نتيجة الروايات والكتب التي ترجمها وألفها، وما كتبته عنه مختلف الصحف عن حوادثه مع الشرطة وما جري معه في ساحات المحاكم، وفي شهر مايو 1922 أصدر عبدالقوي الحلبي مجلة «العالمين» واستكتب فيها عددا من الكتّاب منهم كامل كيلاني وطنطاوي جوهري ومحمد يونس القاضي. ومع ذلك تعثرت ولم يكتب لها الرواج، وفي عامها الثاني وسع صاحبها من مساحة صفحتها، وأكثر من صورها وزودها بعدد آخر من الكتّاب، وجعل «علي الحمراوي» مديرها المالي، وحافظ نجيب رئيس قسم التحرير فيها أو رئيسا للتحرير كما نقول اليوم وجاء هذا واضحا ترويسة المجلة. وبعيد توليه رئاسة التحرير كتب في افتتاحية عدد 1922/10/12 يقول:«مبدأنا فيه أن تكون صحيفة أدب تلتقي فيها بدائع ما أخرجته حضارة الغرب بما يتنزل علي أفئدة كبار كتابنا في إصلاح شئوننا، والاجداء علي نهضتنا، وبث الميادين الجديدة التي هزت اليوم أركان الإنسانية المتحضرة وتقريب النظريات العلمية الطريفة التي أحدثت ثورتها الكبري في عناصر المدنية وغيرت وجه الإنسانية وسنلم فيها بشئوننا الاجتماعية، فنتناولها بالدرس ونأخذها إلي المجهر فنلمس وقائعها، وموضع العلل فيها ونعالج وصف أنجح الأدوية للخلاص من سوء أثرها حتي تكون صحيفتنا معرض صور مصرية ومرآة تتراءي فيها نفسية هذه الأمة وتنعكس عنها أخلاقها وتطورها، وننظر إلي الحياة ، وإسهامها في حركة التقدم الإنساني وسنحشد بجانب ذلك خواطر في النقد الأدبي فنستعرض ما بصدد من التأليف وما يخرج للناس من الأسفار الجديدة فنثني علي عنصر الخير فيها، وننتقد مواضع الزلل منها، ولا نقع في أعراض الناس ولا نتخذ هذه الصحيفة احتكارا فنجعلها صورة ذهننا». وهي خطة عمل جيدة مترمية الأبعاد في ميادين الثقافة المتنوعة وتستمسك بالمعايير الصحيحة للصحف التي توطد مكانتها عند القراء. وحسب ما برع فيه حافظ نجيب، ومعرفته بأن الروايات والقصص رائجة، وأنها توسع من انتشار الصحف، فقد عمل إلي ترجمة رواية «الغرفة الصفراء» وغيرها ليلاحق القارئ «العاملين» ويتابع أحداث الرواية هذا إلي جانب نشر «قصة الأسبوع» وهي قصص قصيرة ومنها قصة «غرام انطوان دوريه» بالفتاة «أليس»، وعندما قبض عليه وحوكم أخبر القاضي بأنه سيهرب للالتقاء بفتاته، وبالفعل استطاع الإفلات وهذه القصة وقعت أحداثها مع حافظ مع السائحة «سيجريس» وقبض عليه في قصر «سرحان باشا» وهو إلي جوارها ولما طلبت منه أن تراه مرة أخري جعلها هي التي تحدد المكان والزمان الذي سيلقاها فيها وعندما وضعت القيود في يديه قال لرئيس البوليس إنه سيفلت من السجن فشددوا عليه الحراسة، ومع ذلك فتحت الزنزانة صباحا فإذا بها خالية من «حافظ نجيب»، وحسب ما جاء في «الاعترافات» لقيها في نفس الزمان والمكان اللذين حددتهما فقصة «غرام انطوان» فيها روح قصة حافظ الطويلة مع «سيجريس»، أو هي حادث من حوادثها، وقد شرح في اعترافاته كيف أفلت من الزنزانة وهو عندما كتب القصة الفنية اختار حادثة من القصة الحقيقية أملأ بالإثارة. وفي قصة «فيلوثاؤس» يحكي حكاية «غالي جرجس» الذي تهب في دير المحرق بأسيوط واختار له الدير اسم فيلوثاؤس وهو بعينه «حافظ نجيب»، وإذا شق علي القارئ الذهاب إلي دار الكتب لقراءة هذه القصة في مجلة «العاملين» فيمكنه قراءتها في «اعترافات حافظ نجيب» وهذا يبين أن قصصه المبتدعة مأخوذة من واقع حياته مع تغيير وتبديل في المواقع والأسماء ولكن مسار القصة واتجاهها هو.. هو ولكن لا ننسي قدراته في جمال العرض والتصوير. الغرور وكان حافظ نجيب من الكتاب القلائل الذين تناولوا بعض كتابات «ماكس نوردو» في «العالمين» وكان الأستاذ العقاد كتب عنه مقالتين عام 1912 في مجلة «البيان» التي أنشأها الشيخ عبدالرحمن البرقوقي ثم عاد وكتب عنه ثلاث مقالات في جريدة «البلاغ» في مطلع عام 1922، وجمعها في كتابه «مراجعات في الكتب والحياة» كذلك كتب عنه الأستاذ المازني مقالتين في جريدة «الأخبار» عام 1923 وجمعهما في كتابه «حصاد الهشيم» وكان سبب كتابة هذه المقالات موت «نوردو» في يناير 1922، وربما لنفس السبب ترجم حافظ نجيب فصول كتابه عن المدنية الحاضرة وأكاذيبها. ثم جمعها في كتاب أطلق عليه «الغرور» وقال أنه «عُرِّب بتصرف تام» ومع حافظ نجيب حق في الترجمة بتصرف كثير، لأن «نوردو» كان مارقا كلفا بالتحرر من أحكام الدين ومن هنا جرد كتاب نوردو من الآراء الجريئة المنحرفة، ومن معايب المدنية التي نعايشها أكاذيب الزواج التي تبسط نفوذها في المجتمع ، وخلل الاقتصاد المتفشي وما يقود السياسة من تضليل، وغير ذلك والكتاب كله ليس هدما وازدراء، وإنما كان مؤلفه يأمل في التقدم، ويتطلع إلي حياة مشرقة في الزمن القادم يتآزر فيها الناس لتحقيق السعادة. وبالرغم من أن لحافظ مقالات أخري جيدة فإن ما أحسن ما له في «العالمين» هو الفصول المترجمة بتصرف كبير من «نوردو». وهاجمت المجلة رجال البعثات العلمية إلي أوروبا لأنهم عادوا ولم يحدثوا «انقلابا» في مادة العلم لدينا أو غيروا وجهة الأدب عندنا، أو أثاروا نهضة اجتماعية كبري أو خلدوا اسماءهم وأرسلوها مع الشمس وهو قول فيه جور، لأن هؤلاء الذين تعلموا في أوروبا كان لهم دورهم وتغيير وجه الأدب
والنهوض بالمجتمع والحياة لا يأتي في يوم وليلة ولابد أن يمضي زمن لتظهر آثار العلم في مجتمع تقليدي. وكتبت المجلة مقالات عن المرأة فيها تشجيع لها ولكنها انتقدتها في أمور منها تعجلها في إصدار الأحكام ، ورأي حافظ أنها قليلة التبصر، وتهتم بالجديد الطارئ دون النظر في اخطاره الجسيمة، وكانت المرأة في العشرينات من القرن العشرين في مرحلة انتقالية قد تتخبط فيها الآراء وتتباين ، وأنحت المجلة باللائمة علي اختيار «زكي عكاشة» للحكم في المسرحيات التي تقدم من أجل تمثيلها وذكرت الأسباب التي تطعن في صلاحيته، ومنها أنه غير مثقف ولم يقرأ في يوم كتابا، وحفلت «العالمين» بمادة فكاهية مضحكة، تكشف عن قراءة واسعة لحافظ في التراث العربي القديم واحتوت علي طائفة من الأشعار لسيد إبراهيم «الخطاط» ومصطفي حمام ومحمود عماد وغيرهم، هذا إلي جانب ما نشرته من مواد علمية وحفزت القراء علي شرائها بجوائز وصلت قيمتها 29 جنيها توزع علي عددين ومع كل هذا كانت تتعثر، وضاق حافظ من عدم رواجها ولكن شكواه لم تنشط القراء لاقتنائها فتوقفت بعد صدور عدد 1924/9/22 . الحاوي ولم يكن حافظ راضيا عن انتكاسة «العالمين» فرفض الهزيمة وسعي إلي إصدار مجلة أخري يكون هو صاحبها، وفي 14 من يوليو 1925 صدرت مجلته الجديدة «الحاوي» وكتب عليها شعار المجلة المحجوبة «أدبية علمية مصورة» وأبوابها تقريبا هي أبواب المجلة القديمة و«الحاوي» كما هو معروف لنا شخص يقف في الطريق ويخرج من جرابه أشياء كثيرة متنوعة وفي أول غلاف لمجلة «الحاوي» نجد رسما لرجل هو «الحاوي» يخرج من جرابه أشياء مكتوب عليها «أبحاث اجتماعية ، فكاهات، ألعاب رياضية، ألعاب بيتية، فوائد منزلية، قصة الأسبوع، رواية مسلسلة ، أسئلة وأجوبة، المسرح ، النقد ، اكتشافات حديثة، الأدب المختار»، وهي أبواب مجلة «الحاوي» وكان أبوالخير نجيب مديرا لإدارتها وصدرت من شارع مصر القديمة ثم من الدرب الواسع بكلوت بيك، أما إدارتها فكانت في شارع الساحة ، وقد افتتح حافظ العدد الأول قائلا: انقطعنا عاما عن الكتابة مكرهين.. أكرهنا بوسائل غير شريفة علي وقف ظهور مجلة العالمين وقد كان كما يعرف القراء، فلما امتدت يد القدرة الإلهية فطهرت الوجود من السبب الذي حدانا للامتناع عن إظهار المجلة عدنا إلي عالم الصحافة، ستكون مجلة «الحاوي» فريدة في نوعها تبحث في مواد متعددة وسننشر ما تختاره من الصور التي يجد منها القارئ تسلية أو فائدة، فيجد مجلة تقرأ في أيام ثم تحفظ لا وريقة يتصفحها القارئ دقيقة ثم تطرح. وقد رحب بها الجمهور وأرسلوا اشعارا منها «قال الراوي/ ظهر الحاوي/ فكاهاته أدبية/ م العصرية/ العابه البيتية / حلوة مسلية/ والمحرر أبو نجيب/ كاتب أديب». مباحث اجتماعية وقد حفلت «الحاوي» بالأبحاث الاجتماعية التي كان يتناول فيها كثيرا من القضايا ويناقشها ويدلي فيها بالآراء القويمة، فيحدثنا في مقال عن النظام ويري أنه ضروري للحاكم والمحكوم، ومن هنا لايصح أن نتخلص من قيوده بدعوي حب الحرية، ولما تعددت الأحزاب السياسية في مصر في عشرينات القرن العشرين عرض لمشكلة التحزب وبين أن الحزبية تعمل علي تجزئة المجتمع وتصادم المبادئ، وتقضي علي التضامن الاجتماعي، وتجعل المرء يري فضائل غير رذائل، وتحمل الشخص علي البحث عن أخطاء غيره، ويتناول قضية «البدع» ويذهب إلي أنها تتسرب إلي العائلات في زي المدنية الحديثة، فيأخذ الشخص في تغيير كل قديم ويبدأ بتبديل الأثاث، ويتبعه بالعادات والفضائل وعندما تنتقل العائلة من بيئتها إلي وسط جديد، تتلاشي العادات القومية، وتنشر المدنية الموهومة مراعاة لمقتضيات التمدن الحديث. وفي أحد بحوثه يدعو إلي «الثبات» وترويض المرء لنفسه علي الجلد واستثمار قدراته العقلية لينجز عملا، ويحث الإنسان علي عدم التنقل من عمل إلي عمل حتي لا تتجزأ قواه ، ولا يبلغ غرضه وحافظ دقيق الملاحظة فيما قاله، فلا ثمرة بدون الصبر ولا فائدة بدون ممارسة العمل الموصولة والثبات في العمل فيه راحة والتنقل من عمل لآخر فيه صعوبة. ومن المواد الاجتماعية في «الحاوي» ما يكشف عن البون الشاسع بين حياة حافظ وكتاباته، فإذا كان اشتهر بالاحتيال فإنه في قصة «جني علي نفسه» هاجم الدجالين والمحتالين، وإذا كنا نعرف من اعترافاته أن من أسباب شقائه عشقه للنساء الأوروبيات السافرات مثل فيزنسكي، فإنه في «الحاوي» ينتصر للحجاب وينتقد «منيرة ثابت» التي تحض علي السفور ويقول: «إذا كانت المرأة وهي محجبة علي هذا الحال من الخلاعة، فكيف تكون إذا هدمت الحجاب ومزقت النقاب، وانفتح لها الباب» وحافظ الذي كان يتنقل بين الراقصات ويستغرق في الملذات وينفق المال ارضاء لمزاجه يحارب في «الحاوي» «الإسراف في المطالب» ويقول :«لو قارن كل فرد بمن هو دونه في الغني والجاه، ونظر إليه كيف يرضي ويسر بالضروريات إن حصل عليها لاستطاع أن يردع النفس عن غيها، وقوي علي كبح جماحها، وارضاها بما يرضي القنوع الراضي» وإذا كان حافظ نجيب أمضي عمره منذ أوائل القرن العشرين إلي نحو 1920 من غير عمل واضح ينتسب إليه ويذكر به، فإنه في بحث اجتماعي عن العمل يري أن الإنسان إذا كف طويلا عن العمل عدا إليه الانحلال لأنه «من دعائم المجتمع الإنساني والعامل النافع في هذا المجتمع أفضل من كل أغنياء العالم غير العاملين» ويضرب أمثلة تبين أن «العاطل تأتيه عوامل الفناء .. فترسم علي وجهه كآبة الموت». ومقالاته من هذا النوع كثيرة وإذا تتبعناها الفيناها تتجاوب مع دولة عصرية حديثة فكلامه عن النظام يتماشي مع دولة مدنية منظمة تتمتع بحرية وتنفر من الفوضي وتستوجب طاعة القانون، وحديثه عن العمل يقوي أواصر المجتمع ويوطد استقراره، وأقواله عن الثبات تعمل علي انجاز الأعمال، وتوفير المنتجات وهكذا تدرك أن هذه المقالات تسعي إلي هدف، وتعمل علي النهوض بمجتمع، وهذا النوع من المقالات يجعل الصحيفة صحيفة رأي ومادتها جادة تعبر عن وجهة نظر في موضوع تتناوله من نواح مختلفة مع الربط المحكم بين هذه النواحي، إضافة إلي حسن الأسلوب وجزالته وطلاوته، هذا إلي جانب ضرب الأمثلة الموضحة وروعة الاستهلال، وتضمينه حكايات شائقة دالة مبينة. حافظ يهدد الملك ويهاجمه ومقالات «الحاوي» الصحفية والأدبية يسيطر عليها العقل وتتسم بالهدوء والاعتدال، وتحاذر من السلطة وتنأي عن السياسية ما أمكن، لكن حافظ خرج عن الخطة وخاطب الملك فؤاد في مقال باطنه العنف والشدة، وظاهره النصح وطلب الرحمة عنوانه «تحية وضراعة» جاء فيه «شعبك يا صاحب الجلالة في ضائقة ، يضرع إليك.. من ضيق ومن قهر، يستغيث لا عن عجز، ولا عن مكر، ففي القرن العشرين، في عصر المدنية والنور يربط شعب علي الخسف ويراض علي الضيم، ويساق كالماشية، أو يطرح في الشاوية». «ياصاحب الجلالة» انتزعت من الشعب إرادته، وسلخت منه حريته، وأحيط به بالحديد، وفي كل يوم ارهاق جديد .. سلاح شعبك يا مولاي الحق واللسان، وسلاح مرهقيه القوة والحديد، ولولا وداعة الشعب وحكمته ولولا لطف الله ورحمته لما صمدت القوة ولا استعصي الحديد». ويحذر الملك من الثورة ويقول: « طبيعة الشعب في كل زمن ومكان كطبيعة الحليم الوديع يصبر في استكانة ويحتمل الضيم والإهانة إلي حين، فإذا أحرجته المصائب، وإذا نفدت قوة الاحتمال، فهو البحر في هياجه، والعاصفة في ثورتها، وشدة الألم تسوق إلي الجنون.. ياصاحب الجلالة .. الشعب في كل مكان عاطفة لا عقل ومن المستحيل أن تبيد أمة ليحيي فرد، الجميع يا مولاي من شعبك والكل يتضرعون إلي جلالتك بضراعة ليست ظلما وليست حماقة يطلبون الحرية .. والمساواة يطلبون العدل، والعدل أساس الملك .. المحرر». وليس هذا هو صوت حافظ نجيب بمفرده ، ولكنه صوت الشعب المصري عندما تسلب منه إرادته وحريته، ويشعر بالظلم وغير ذلك مما يثير الأهواء ويبعث علي الثورة والنقمة ويدفع إلي الحركات المضادة مثل ما حدث في عامي 1881:1882 وفي عام 1919، وعام 1952 وفي 25 من يناير 2011م. وقد جاء خطاب حافظ نجيب هذا في افتتاحية آخر عدد صدر من أعداد مجلة «الحاوي» ولا أدري هل احتجبت بسبب هذا الخطاب أو لأسباب أخري؟ وإن كان كلام حافظ كافيا لإغلاقها بالضبة والمفتاح، ولا أعرف كُتابا تحدوا الملك فؤاد، خاطبوه بصوت جهير يسمعه بوضوح وهو في قصر عابدين سوي اثنين هما العقاد وحافظ نجيب، الأول هدده بالقتل، والثاني حذره من الثورة، أما الكُتاب الآخرون بدون ذكر اسماء فقد كانوا وادعين. ولد حافظ بالقاهرة نحو عام 1879، وحصل علي الشهادة الابتدائية ثم التحق بالمدرسة العسكرية بالإسكندرية، وهناك تعرفت عليه أميرة روسية تدعي فيزنسكي وعشقته وحملته علي الذهاب معها إلي باريس ليستكمل تعليمه العسكري، فرحل معها وتخرج ضابطا، وسافر إلي الجزائر بصفته ضابطا فرنسيا ثم عاد إلي باريس بمساعي فيزنسكي وعمل جاسوسا فرنسيا ضد ألمانيا، ولما اكتشفه الألمان عاد إلي مصر، ونتيجة أعمال يطول شرحها، حكم عليه بالسجن وأفرج عنه ليغامر ويراوغ واتهم في قضايا نصب واحتيال، وأمضي فترة من عمره في السجون، وفي الوقت نفسه كان يؤلف ويترجم الكتب، ويصدر الصحف وفي نوفمبر 1946 لقي وجه ربه رحمه الله.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.