البرنامج جديد ويتصدي لتقديمه ثنائي من شباب الثورة وجدتهما أمامي بشكل مدهش.. إنها إسراء عبدالفتاح وأحمد خالد.. فما الذي يمكن أن يحدث إن جرت المواجهة بين خالد يوسف المخرج السينمائي الكبير، وطارق الشناوي الناقد الكبير أيضا وكأنهما جناحا الحرية في مجال الفن بلا حدود بينما كاتب السطور له وجهات نظر أخلاقية في الفن وكان ضروريا في مستهل الحوار التأكيد علي صفتي كأحد المؤلفين الذين كتبوا للسينما والتليفزيون والإذاعة والمسرح لأنني لا أنتمي إلي تيار ديني أو حزب سياسي، ولست من رجال الوعظ والارشاد، لكنها دائرة واحدة، نقف جميعا علي أطرافها بمسافات وأبعاد مختلفة وقلت أيضا في البداية إن الخلاف يكاد ينحصر في أمور ثانوية بل وأراها تافهة وصغيرة والسؤال الأكبر: هل التيار الديني سوف يسمح بالقبلات والمايوهات ومشاهد غرف النوم؟ أم يتعامل مع الفن فقط من باب «النواشف»، وتلك والله مسألة مضحكة بل ومهينة لمخرج في حجم خالد يوسف وكأننا لا نري في أفلامه إلا تلك المشاهد وتفسيري لذلك شطارة خالد وشيطنته في تقديم هذه اللقطات الجريئة، وهو ما دفعه لسؤالي: كيف أتحمس في استفتاء أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما لأفلام من نوعية شباب امرأة وشروق وغروب والزوجة الثانية وزوجتي والكلب، ثم اهاجمه في أسلوبه؟.. وكان جوابي بسيطا للغاية لأنك يا خالد لست صلاح أبوسيف أو كمال الشيخ أو سعيد مرزوق، ولأن الزمان ليس هو زمان الأبيض والأسود، والراديو الوحيد الموجود في بيت العمدة، فنحن نعيش في زمن النت والفيس بوك والفضائيات والمجال المفتوح 24 ساعة لمن يريد وبلا حدود وباسهل الطرق وداخل كل بيت تقريبا، ثم إن جرعتك غير جرعتهم، وجرأتك أيضا أزيد ومرة أخري يتواصل النقاش حول حلال الدين وحرام الفن وقد اتفقت مع خالد وطارق علي أن النظر إلي الفن بمقاييس الحلال والحرام يظلم الفن، ويظلم الدين أيضا، ووجهة نظري في هذا أن التيارات الدينية مهما كانت مكانتها السياسية لن تستطيع أن تقاوم تيار الاعتدال وهو الأقوي عند جموع المصريين، وهذا التيار في تصوري هو المحك المجتمعي الذي يفرز بين فن محترم يأخذ بيد المجتمع إلي آفاق جديدة من الحرية المسئولة وبين فن رخيص هدفه فقط التحرر والانفلات من كل قيد وهو ما يسمي بالمفهوم الديني إشاعة الفاحشة وقد قالت دراسات واحصائيات في أوروبا وأمريكا إن السينما ساهمت بنسبة تزيد علي 60% في نشر التدخين بين المراهقين بصفة عامة والشباب بصفة خاصة، كما نشرت العديد من تقاليع النجوم في الملبس وتسريحة الشعر والحركة. فالدراما تأخذك إلي حياة جديدة تضاف إلي حياتك المحدودة مرة إلي الماضي ومرات إلي الحاضر، وأيضا إلي المستقبل نعم هي تستند إلي الواقع لكن ما هي بواقع بل حياة أخري مصنوعة أساسها الايهام، ومقولة إن السينما المثيرة هي الأكثر ربما غير صحيحة في الوقت الحالي بدليل أن أكبر الإيرادات ومنذ سنوات تحققها أفلام أحمد حلمي وهي تكاد تكون نموذجا لمصطلح «السينما النظيفة» الذي اطلقته منذ سنوات وتم تحرفيه ليتحول إلي نكتة عن فيلم يخلو من لمسة وهمسة ورقصة وسرير، لأن المهارة في الفن تتجلي في قدرات الفنان علي الايحاء أكثر من غيره بوسائل وحيل درامية، تحقق الهدف دون تجاوز وانفلات والفن يجب أن يتكلم في كل شيء وأساس الدراما الصراع بين خير وشر ونور وظلام وحب وكراهية وقوي وضعيف ولو أن الشر وسائله أكثر بريقا لأن الشيطان هو الذي يراوغ الإنسان، ولا يحدث العكس وهو كما نعلم امبراطور الشر كله. مع ذلك نقول بصريح العبارة: إن زمن المنع قد انتهي وأصبح موضة قديمة، وليس أمام التيارات الدينية إذا كانت مدركة لقيمة الفن وأهمية الصورة أن تقدم ما تريد وتترك غيرها يفعل ما يريد «لكم فنكم ولهم فنهم»، والجمهور الذي يسعي إليه الجميع هو الفيصل والحكم، وفي الستينات وبينما السينماالمصرية تقدم أجمل وأقوي ما لديها، كانت أيضا تقدم أفلاما أقل ما توصف به من الإنتاج اللبناني والسوري المشترك إنها أفلام بورنو أو كل هي مجموعة مشاهد عملوا لها فيلما وليس العكس أن نري مشهدا في فيلم، وكان الصوت الأعلي للفيلم الحقيقي، ومع التطور الهائل الذي تعيشه تكنولوجيا صناعة الفيلم والمسلسل ومع الانفتاح الرهيب وانتشار الفضائيات ونوافذ اليوتيوب، وتوافر أجهزة المحمول التي يمكنها الآن أن تضع فيلما قصيرا يشارك في مهرجانات دولية، مع كل هذا المتغيرات وفي ظل ثورة هدفها إعادة الكبرياء الغائبة لبلد متحضر وشامخ ورائد، سيكون الصوت الأقوي للفن الهادف أو بمعني آخر النظيف حتي لو كان هذا المصطلح يسبب الحساسية والهرش لبعض الفنانين، وحتي لو كان هذا الفن هو كوميدي هزلي لا يهدف للتسلية فقط، فهل نفس حديث الرسول - صلي الله عليه وسلم- أن تبسمك في وجه أخيك صدقة وأنك لو فرجت عنه كربة فرج الله عنك واحدة من كربات يوم القيامة دون السخرية من صاحب العاهة أو عيوب الشكل لأنها صناعة الخالق سبحانه، الذي لا ينظر إلي الأجسام والمناظر لكن إلي القلوب والأفعال. رأيت في مقابلتي مع خالد يوسف خوفا علي حريته، وأنا التمس له العذر، ورأيت قلقا عند طارق الشناوي يحاول تبريره وهذا حقه، وكنت ولازال أري الأفق أكثر اتساعا من ضيق بعض الأمخاخ، وأري وسطية مصرنا الفنانة الطاهرة بقرآنها وانجيلها، اشد باسا من جميع المتشددين، والقاعدة في النهاية أن كل مجتمع ينضح بما فيه وإذا كنا قد تغيرنا بعد الثورة، فإن الفن سيكون البوابة الأولي للتغيير نحو الأفضل والأجمل والأرقي، حيث انتهي عصر الوصاية علي العقول خاصة تلك المبتكرة الخلاقة التي هي اشبه بالمصاعد إما أن تأخذنا إلي ناطحات السحاب وإما أن تهبط بنا إلي أسفل السافلين والعياذ بالله وفي كل الأحوال من أراد مصرنا المحروسة بسوء أهلكه الله.