طوق النجاة للخروج من نفق عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في دول ثورات الربيع العربي ظهر مؤخراً علي الساحة التكنولوجية مفهوم جديد يسمي "الحوسبة السحابية" Cloud Computing والذي أصبح أحد أهم الموضوعات المطروحة للنقاش في عالم الصناعة والتكنولوجيا خلال الفترة الماضية، مما يستوجب علينا التركيز علي مُناقشة معناه وتأثيراته علي الشركات الصغيرة والمُتوسطة في الدول النامية بوجه عام ومصر بوجه خاص، ودراسة المخاطر والتحديات التي تواجه التحول لهذا المفهوم الجديد لإدارة تكنولوجيا المعلومات، وخاصة في وقتنا الحالي الذي تلعب فيه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دوراً هائلاً ومهما في حياتنا، بالأخص بعد توالي الثورات العربية التي اندلعت مُتتالية وكان من أهم عواملها وركائزها التكنولوجيا الحديثة والعالم الافتراضي (الإنترنت بشكل عام، وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل خاص). بدايةً كان تعبير "السحابة" يستخدم للإشارة إلي الإنترنت، وقد جاءت الفكرة عندما عبر "جون مكارثي" الأستاذ بجامعة ستانفورد عن الفكرة بقوله "قد تُنظم الحوسبة لكي تُصبح خدمة عامة في يوم من الأيام"، وبالفعل حظت تلك الفكرة بشعبية كبيرة في أواخر الستينات، ولكنها تلاشت في مُنتصف السبعينات، عندما اتضح جلياً أن التكنولوجيا الحديثة المُتعلقة بمجال تكنولوجيا المعلومات غير قادرة علي الحفاظ علي هذا النموذج من الحوسبة المُستقبلية. لكن عادت هذه الفكرة مؤخراً لتُصبح مُصطلحاً شائعاً في الدوائر التكنولوجية والمؤسسات. التعريف ظهر هذا المفهوم مؤخراً كأحد مكتسبات الأزمة الاقتصادية العالمية لتحقيق العديد من الأهداف أهمها خفض تكاليف تشغيل إدارة تكنولوجيا المعلومات في الشركات الصغيرة والمتوسطة بالإضافة إلي الكيانات الاقتصادية الكبيرة والمؤسسات الحكومية والمصرفية رافعين شعار "الحاجة أم الاختراع" ومع اجتياح رياح الثورات المنطقة العربية والأسواق النامية اعتبَر المُتخصصون "الحوسبة السحابية" طوق النجاة للخروج الآمن من تداعيات عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، فهي تكنولوجيا تعتمد علي نقلِ المُعالجة ومساحة التخزين الخاصة بالحاسوب إلي ما يسمي السحابة، وهي جهاز خادم يتم الوصول إليه عن طريق الإنترنت. أما طبقاً للمركز القومي للمعايير والتكنولوجيا فهي: نموذج لتوفير وصول مُناسب ودائم في أي وقت إلي الشبكة، لمُشاركة مجموعة كبيرة من المصادر الحوسبية والتي ىُمكن نشرها وتوفيرها بأدني مجهود أو تفاعُل مع موفرِ الخدمة. من المُستفيد من "الحوسبة السحابية"؟ الشركات الصغيرة والمُتوسطة أكثر المُستفيدين من هذه التكنولوجيا الجديدة وكذلك الشركات الكبيرة. الحوسبة السحابية جُزء لا يتجزأ من صناعة مراكز البيانات والمعلومات. تُساهم الحوسبة السحابية في خفض ما يقدر بحوالي 40 إلي 60% من ميزانية أي شركة مُخصصة لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. إيجابيات وسلبيات أما بالنسبة لإيجابياتها فتكمن في: التكلفة المُنخفضة حيث تخفيض أسعار شراء المُعدات، وتغيير نظام رُخصة التطبيق حيث أصبحت الخدمة تُقدم علي أساس الاشتراك بها. لا حدود للحوسبة والتخزين فليس هُناك حدود للتخزين والمُعالجة علي السحابة من الناحية النظرية ولكن هُناك بعض المعوقات من الناحية العملية. التركيز علي الأعمال الأساسية بدلاً من تكنولوجيا المعلومات حيثُ يحتاج مالكو الأعمال إلي التركيز علي مهامِهم الأساسية بدلاً من مُحاولة مُعالجة وإدارة تكنولوجيا المعلومات. فاعلية أكثر فلا يهم مكان وجود مُعداتك فالشيء الأهم هو أن تشتغل بشكل جيد وأن تكون الخدمة مُتوفرة. تكنولوجيا المعلومات صديقة البيئة Green IT فالبيئة الافتراضية بوجه عام لها دور مهم في تطوير حركة Green IT، فالتكنولوجيا الخضراء والحوسبة السحابية مُرتبطتان ارتباطاً وثيقاً، فتكنولوجيا الحوسبة السحابية هي تكنولوجيا افتراضية وتعمل علي تقليل عدد الماكينات والأجهزة المُستخدمة وبالتالي تنعكس علي التكنولوجيا الخضراء، وتُساعد أيضاً في توفير الطاقة. أما السلبيات فتكمن في: الأمان: فمعلوماتك المهمة موجودة علي الإنترنت، فهل يمكن الوثوق بالتخزين؟ وإذا قام عدد من الإرهابيين بمُهاجمة عدد من السُّحب الحوسبية ماذا سيكون مصير أعمالك؟ الخصوصية وملكية البيانات: فهل التطبيقات الخاصة بك غير جاهزة للتعامل مع السحابة بعد وتحتاج إلي بعض التعديلات للتأقلم علي بيئة السحابة؟ ضمان مستوي الخدمة: فهل من يوفر هذه الخدمة متواجد دائماً؟ وماذا عن اتفاقيات مستوي الخدمة؟ وماذا عن الاتصال بالإنترنت وامكانية الاتصال بالخدمات المُختلفة علي السحابة؟ العمل المُشترك وتكامُل الخدمات بين السُحب: فهل هُناك امكانية للانتقال من بائع خدمة للآخر دون الحاجة لتغيير النصوص والبيئة التي يعمل بها؟ إن حجم استهلاك الطاقة عالمياً في تقرير لمنظمة Green Peace بسبب نظام الحوسبة السحابية سوف يزداد من 632 مليار كيلو وات حالياً إلي 1963 كيلو وات مع حلول عام 2020، وسيصل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون إلي أكثر من 1034 ميجا طن. كما يحذِّر العديد من العُلماءِ والخُبراءِ من أنه إذا لم ننتقل لمعايير عالمية مُحددة وثابته لصيغ وامتدادات الملفات فإن كثيرا من الملفات الرقمية المُخزنة علي نظام الحوسبة السحابية ستُصبح لُغزاً مُشفراً لا يستطيع أحد فك تشفيره في حين ستظل مُخزنة إلي الأبد تستهلك المزيد من الطاقة وتُساعد في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري علي الأرض. تهديدات أمنية لا تكتمل الصورة عن التهديدات الأمنية التي تواجِه بيئات الحوسبة الافتراضية إلا إذا تذكرنا الاتجاه المُتصاعد لتبني مفهوم "الحوسبة السحابية" من قِبل المؤسسات والأفراد، علي حد سواء. فالحوسبة السحابية تعني تشجيع جمهور العصر المعلوماتي ومؤسساته علي وضع المعلومات والبيانات علي شبكة الإنترنت، التي تُصبح هي "سحابة" مُحملة بالمعلومات علي الفضاء الافتراضي. فعلي الرغم من حداثة هذا المفهوم الذي ظهر قبل سنوات قليلة جداً، فإن ميل الجمهور لوضع معلومات علي الشبكة يزيد باستمرار، كما يظهر في مواقع الشبكات الاجتماعية مثل Facebook وTwitter إضافة إلي بلايين الأشرطة التي يضعها الجمهور علي مواقع مثل youtube وMyspace ولذلك فإن مُبادرات تكنولوجيا المعلومات ستشهد في الأسواق الناشئة نمواً سريعاً في ظل توقعات الأفراد والمؤسسات، وطرح أفكار مُنتجات جديدة في الأسواق العالمية بسُرعة توازي هذا النمو، وتُوفِر البُني التحتية الديناميكية والخدمات. وبما أن البيئة السحابية تنطوي علي تحديات كثيرة وفجوات أمنية عدة لا يمكن للحلول الأمنية التقليدية مواجهتها، فقد طورت "أتريند مايكروب" حزمة الحلول الأمنية المُتكاملة والمُتقدمة Trend Micro Secure Cloud لتوفير الحماية الكفيلة بإزالة مثل هذه المخاوف إذ تُحد هذه الحزمة الجديدة من المخاطر الأمنية، والمخاوف المتصلة بالخصوصية والتوافقية عند نشر المعلومات في بيئة الحوسبة السحابية. إن مُشكلة التأمين ليست وليدة اللحظة ومفهوم العمل بنظام الحوسبة السحابية موجود لدي الشركات العالمية مُنذ 10 سنوات تقريباً، والأسباب الحقيقية وراء تأخيرها تعود إلي أنظمة التأمين وحماية البيانات والمعلومات، لكن في الوقت الراهن استطاعت الشركات والتكنولوجيات المُتقدمة أن توفر برامج حماية تقترب من 99,9% مما ساهم في الإقبال علي اعتماد تطبيقاتها وأنظمتها وإدارة التكنولوجيا من خلالها، وبالتالي لابُد من الأخذ في الاعتبار أنهُ كُلما قُمنا بأنظمة حديثة ومُتطورة للتأمين برع وتميز القراصنة والمُخترقون في أنظمة الهجوم الإلكتروني علي البيانات والمعلومات والدليل علي ذلك ما حدث مؤخراً لموقع "ويكيليكس" بالرغم من جميع التأمينات والاحتياطات والإجراءات الاحترازية المُتخذة. مستقبلها في مصر أكد "فريدريك ديسورت" نائب رئيس شركة EMC العالمية لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا أن مدي مكانة مصر في المنطقة في مجال تكنولوجيا المعلومات يجعلهُم يتطلعون للاستثمار وضخ المزيد من الاستثمارات فيها حيثُ المزايا التي تتمتع بها مصر مُقارنة بمُنافسيها من الدول المُحيطة. فهو يري أن الحوسبة السحابية ستوفر الكثير علي الشركات المصرية باختلاف أحجامها مؤكداً أن مصر بها مؤهلات كثيرة لاستضافة مراكز الحوسبة السحابية لخدمة منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا مُشيراً إلي أننا إذا تأخرنا في إدخال هذه التكنولوجيات الجديدة سنضطر إلي شرائها من دول مُحيطة أقل تكنولوجيا. ويري أيضاً أن الحوسبة السحابية ستُغير شكل العمالة الماهرة في مصر، ويطمئِن بأن إيجاد وظائف جديدة في أوروبا ليس معناه بطالة في الشرق الأوسط، كما شدد علي أهمية دور الحكومة التثقيفي الذي يجب أن يمتد ليشمل خدمات تمس احتياجات الأفراد وتكون مبنية علي الحوسبة السحابية. فالحوسبة السحابية هي التوجه الرئيسي في العالم كله حالياً، وهي ليست موضة تكنولوجية وإذا لم نتحدث عنها في الوقت الحالي واستفدنا منها سنتخلف عن ركب التطور التكنولوجي الذي تشهدهُ أغلب دول العالم، فالحوسبة توجُه حقيقي سىُغير شكل صناعة البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات في العالم، وبالتالي سيتغير شكل البيزنس بمُشاركة جميع القطاعات سواء الحكومة أو الصحة أو التعليم، وستكون هي طريقة الحياة في المُستقبل مثلها مثل الإنترنت. إن مصر ستُصبح من بين الدول الثماني الكبري في عدد السكان لذا لابُد من الاستعداد من الآن، لأن استخدام التكنولوجيا الحديثة والهواتف الذكية سيخلِق كما من المعلومات كبيراً جداً، والذي من المُقدر له أن يتضاعف خلال ال19 عاماً المُقبلة من بداية تاريخ البشرية حتي الآن ب 44 مرة، ولذلك فلابُد من الاستعداد لكُل هذا مُبكراً، خاصة إذا لم تكُن هُناك وسائل تخزينية مُناسبة لكُل هذه المعلومات والبيانات. وقد أكد د.ماجد عثمان وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق أن الوزارة تُشجع الشركات العالمية ومنها مايكروسوفت وIBM علي إنشاء مراكز للحوسبة السحابية لها في مصر. كما أشار إلي إنشاء أول مركز تميز استرشادي للحوسبة السحابية بجامعة أسيوط بالتعاوُن مع إحدي شركات القطاع، وهيئة تنمية صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، للاستفادة من القدرات والمهارات المتميزة لشباب الجامعات في صعيد مصر. وأضاف أيضاً أن تفعيل خدمات "الحوسبة السحابية" في مصر خلال السنوات المُقبلة سيضعها أمام التحديات التي يجب أن تستعد لمُواجهتها، مُشيراً إلي أهمية التعرُف علي التجارِب الأُخري للدول المُتقدمة في مجال "الحوسبة السحابية" بهدف توفير رؤية واضحة تضع مصر علي الطريق الصحيح مُنذ البداية، فهذه التكنولوجيا الجديدة ستُمثل لغة العالم المُتقدم في المستقبل، وبالتالي يجب علي الوزارة أن تتبني التوعية بأهمية المفاهيم الجديدة لهذه الصناعة الواعدة والعمل علي تنمية الكوادر البشرية المُتميزة في هذا المجال، وتشجيع الشركات العالمية علي إنشاء مراكز للحوسبة السحابية لها في مصر مثل شركة MicroSoft وشركة IBM وغيرها من الشركات العالمية. إن تبني هذا التوجه الجديد والاعتماد عليه بقوة من وجهة نظر آخرين لا يخلو من الشوائب، كما أكد المُتخصصون ضرورة ألا تتعرض مصر لانقطاع الإنترنت لأن موارد الشركات المعلوماتية من تطبيقات وبرامج ستكون في مخازن رقمية علي الإنترنت يمكن لكثيرين أن يتشاركوا فيها وربما ينتهك البعض أسرار غيره من الشركات وخصوصيتها وقد تتوقف تماماً الشركة عن العمل ولا تفي باحتياجات عُملائها عند حدوث انقطاع للإنترنت كما حدث في يوم 28 يناير 2011 أثناء الثورة المصرية. ولذلك فلابد من التعامل مع تلك المخاوف والتعامل معها بوسائل تمنع من حدوثها، بالإضافة إلي أهمية وضع مشروع حوسبة سحابية واحدة لجميع الجهات الحكومية لتستفيد منه جميع وزارات الحكومة وهيئاتها بأقل التكاليف دون أن تتجه كُل جهة أو وزارة مُنفردة بشراء بنية معلوماتية وبرامج وتطبيقات خاصة بها، وذلك مع وضع التشريعات اللازمة لعمل الحوسبة السحابية في مصر فلابد أن يكون هُناك رقابة قضائية علي عمل تلك الخدمات في مصر وخصوصاً أن الحوسبة الإلكترونية لا تحتاج لرأس مال كبير ولا تحتاج لجهد كبير. وأخيراً، إن "الحوسبة السحابية" Cloud Computingمن المُتوقع أن تُحدث ثورة جديدة في العالم القريب في مجالات مُختلفة وأهمها المجال التكنولوجي والاقتصادي مع مؤشرات تدخُلها في المجال السياسي أيضاً، وخاصة بعد التنويه عن احتمالية أن تُصبح هذه التكنولوجيا الحديثة الدعامة التكنولوجيه الرئيسية في نظام التصويت الإلكتروني الحديث. مما يحتم علينا أن نفهَم جيداً أبعاد هذه التكنولوجيا الحديثة، ومُواجهة تحدياتها وسلبياتها وعدم التسرُع في استخدامها دون الاستعداد لها جيداً. وبالتالي يجب علينا المُساهمة منذ البداية في الأحداث والتطورات التكنولوجية دون أن نكون دائماً مُتأخرين فيها أو في استيعاب أهميتها ودورها الفعال، وخاصة أن لدينا من العقول الشابة ما يساعدنا علي الإنتاج والإبداع في هذا المجال، فلماذا نكون دائماً كمُنتظر القطار للالحاق به وليس سائقه أوالمُتحكم فيه؟!