مسرحية «ليلة القتلة».. المسرحية كتبها المؤلف المسرحي الكوبي خوذيه تريانا، وأعدها وأخرجها تامر كرم، وتعالج قضية رغبة الشعب في التغيير، من خلال رغبة الأبناء الثلاثة أبطال المسرحية في التخلص من سلطة الأبوين. كتب خوذيه تريانا المسرحية بعد ثورة كوبا في عام 1959، حين اكتسح رجال حرب العصابات العاصمة الكوبية هافانا بقيادة فيدل كاسترو، وأسقطوا نظام الديكتاتورية العسكرية لفولجنسيو باتيستا، بعد خطبة ألقاها كاسترو، الذي اشتهر فيما بعد بالخطب الجميلة التي صنعت له وللثورة شعبية هائلة أدت إلي نجاحها. وبرز في هذه الثورة الزعيم الكوبي جيفارا بأن تولي كاسترو الإشراف علي استراتيجية المعارك، وتولي جيفارا التخطيط والمشاركة في القيادة. البنية تعتمد البنية الدرامية في المسرحية علي الموقف الدرامي: «أن شابا يقتل والديه ليتخلص من سلطتيهما ونفوذهما عليه»، وتعتبر سلطة الأبوين في المسرحية بديلالسلطة الحاكم في الدولة. يمر المجتمع المصري في هذه الآونة بظروف مماثلة، جعلت المخرج المصري تامر كرم يختار مسرحية «ليلة القتلة» لتعرض، وذلك من منطلق اعتقاده أن الشعوب تتشابه في مطالبها واحتياجاتها. إذ تهدف ثورة 25 يناير إلي الإصلاح والقضاء علي الفساد. أبطال المسرحية ثلاثة أشقاء في سن الشباب يحيون في فقر مدقع وحرمان وعدم حرية بسبب أب سكير مريض ضعيف الشخصية، وأم سليطة اللسان متسلطة تضرب زوجها إذا لزم الأمر لكي تملي عليه إرادتها، ولا تسمح لأبنائها بأقل قدر من الحرية. الشخصية الرئيسية الأولي في المسرحية هي شخصية الابن لالو.. شاب يضيق بهذه الحياة القائمة علي الفقر والجهل والمرض. يستنجد بالإلهة أفروديت ويتعجب من أن «الإله يصمت والشعب يزأر»، ويعتقد أن الإنسان إما يكون أو لا يكون، ويرغم شقيقته علي أن تفعل ما يأمرها به ويقتل والديه، ثم يتخبط في الحياة ويلقي اللوم علي والديه، ويجرب المعيشة في عزلة عن شقيقتيه كوكا وببا، ويكتشف أن أفضل وسيلة لينعم كل منهم بالحرية أن يعيش بحرية في وجود الآخرين. الشخصية الرئيسية الثانية شخصية كوكا أخت لالو، وهي فتاة فاقدة الثقة بكل ما حولها، وتعتقد أن الحديث شيء وأن العمل شيء آخر، ويدفعها الخوف من المجهول إلي محاولة الهرب غير أنها لم تواتها الجرأة علي الإقدام علي هذه الخطوة. الشخصية الرئيسية الثالثة شخصية ببا الأخت الثانية للالو وتشترك مع أخويها في كثير من سمات الشخصية والأهداف. تمثل هذه الشخصيات الثلاث جيل الأبناء، ويتشكل منها الطرف الأول من الصراع، وهي شخصيات ذات هدف محدد تسعي إلي تحقيقه أيا كانت القوي التي تناوئها. يتكون الطرف الثاني من الصراع في المسرحية من الأبوين. نشأ عن الهوة العميقة التي تفصل بين جيل الأبناء وجيل الآباء أن احتدم الصراع بين الجيلين بسبب تشبث كل من الجيلين بمبادئه وأهدافه، وكان لابد من أن يصل الصراع إلي نهاية، وقد انتصر جيل الأبناء وتحقق لهم ما أرادوا. توزيع الأدوار قد حالف المخرج الشاب تامر كرم التوفيق في توزيع الأدوار علي الممثلين، فقد أدي كل منم دوره باتقان واقتدار، بالإضافة إلي ما يتمتعون به من حضور مسرحي وخفة ظل أضفي علي الشخصية كثيرا من المصداقية والبعد عن التعقيد والتكلف، وكان لهذا كبير الأثر في تحقيق التواصل بين الممثل والجمهور. قد نجح الممثل محمد يونس في أداء دور لالو الابن الثائر ودور الأب، وأدت الممثلة جيسي دور كوكا شقيقة لالو. وأدت ياسمين سمير دور ببا شقيقة لالو الأخري، ونجحت كلتا الممثلتين الصاعدتين في آداء الدور المنوط بهما في كفاءة واقتدار. إلي جانب التمثيل، هناك عنصر آخر جعل أحداث المسرحية تتصف بالمصداقية والبعد عن التكلف هو المنظر المسرحي، إذ تدور أحداث المسرحية داخل منظر مسرحي واحد هو الردهة في شقة البرتو، وقد اتقن مهندس الديكور صبحي عبدالجواد تصميم المنظر المسرحي، وجعل الردهة تستخدم حجرة معيشة، ونجد في خلفية خشبة المسرح جدران الحجرات الأخري التي تتكون منها الشقة، وإلي اليسار من خشبة المسرح يوجد باب الشقة ويوجد خلفه فناء. الموسيقي والتشويق كان لموسيقي أحمد عبدالمعبود أثر كبير في زيادة الإحساس بعنصري التشويق والإثارة بأن جذبت انتباه الجمهور إلي أجزاء مهمة من الحدث الدرامي، وكانت الموسيقي علي درجة من الهدوء وانخفاض الصوت لتجعل المشاهد لا ينشغل بها عن متابعة أحداث المسرحية، مما زاد من الإيهام بواقعية الأحداث. قد أسهمت أيضا الإضاءة في إضفاء هذا التأثير، علي سبيل المثال المستخدم الضوء الأزرق للتعبير عن جو الغموض والحلم عندما تحدثت فتاة إلي شقيقتها تبثهالواعج نفسها وتعبر عن حقيقة شعورها وحبهاللزهرة وعن رغبتها في أن تقتل من تحب. في موقف آخر يتركز الضوء علي البطلة وهي تعبر عن حلمها بالغناء قائلة: أنام علي العرائس أنام مع الفراشات والسماء تصبح بيتي عندما تحلو الحياة كان لالو مرتديا بدلة سوداء من نفس نسيج الملابس التي ارتدتها كوكا وببا، وربما كان هذا دلالة علي أن الأشقاء الثلاثة متساوون بنفس الدرجة في المطالب، وقد استخدم الممثلون بعض العناصر التشكيلية الأخري مثل الأقنعة والشعر المستعار إضافة إلي الماكياج كعناصر جمالية من ناحية ومكملة للشخصية من ناحية أخري، خاصة عند أداء دور الأب ودور الأم. من الملاحظ في هذه المسرحية أن عنصر التجريب واضح إلي حد كبير، مما يجعل المسرحية يمكن أن تندرج تحت اسم «مسرحية تجريبية» ومن عناصر التجريب في هذه المسرحية أن شخصية أعلنت أنهم يمثلون وحزت حذوها باقي الشخصيات، وبعد حادث قتل الأبوين قامت ممثلة بأداء دور بائعة الصحف وباعت الصحف للجمهور، وكان ذلك وسيلة للتقريب وكسر الإيهام بالواقع المسرحي، وتوجد بالمسرحية الأغنية السالفة الذكر، وهناك أيضا الاستعراض الذي أداه الممثلون الثلاثة أثناء أدائهم أدوار المسئولين للبحث عن الأدلة علي الجريمة. كان المنظر المسرحي بسيطا وكاد يقتصر علي ثلاثة مقاعد يستخدم كل منها للجلوس وكفراش للنوم، فاستخدمت قطعة الديكور لأكثر من غرض، وأيضا لا توجد خشبة مسرح بالمعني المتعارف عليه، إنما يتم التمثيل علي خشبة مسرح لا تكاد ترتفع عن مستوي الأرض التي وضعت عليها مقاعد الجهمور أكثر من عدة سنتيمترات، ولا توجد ستارة يمكن رفعها للإعلان عن بداية المسرحية وإسدالها في ختام المسرحية، ومن ثم يتم الانتقال من مشهد إلي آخر بإطفاء الإضاءة وإعادة الضوء مرة ثانية. استخدم أيضا كعنصر تجريب في المسرحية البانتومايم - التمثيل الصامت- في المواقف التي تبين حضور الضيوف والترحيب بهم والحديث معهم. قد أضفي الفن التشكيلي علي الآداء نوعا من الفكاهة كان بمثابة نسمة هواء رطبة، في النهاية يمكننا أن نقول إن تنفيذ جماليات العرض المسرحي بهذه الدرجة من الدقة والإتقان يشير إلي أن وراء هذا كله مخرج واع علي درجة كبيرة من الدراية والمعرفة لعناصر العرض المسرحي، واستطاع أن يوظفها بنجاح لإنتاج عمل مسرحي جيد.