وبالرغم من أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل،استخدمتا جميع وسائل الضغط علي الفلسطينيين لمنعهم من نقل قضيتهم إلي الساحة الدولية مجددا، والتهديد الأمريكي باستخدام حق النقض «الفيتو» لإجهاض المسعي الفلسطيني، فقد مضي الفلسطينيون في هذا الطريق بهدف تحريك جهود المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية، محذرين من أن عدم حصول الفلسطينيين علي اعتراف دولي بدولتهم من جانب الأممالمتحدة سيعني مباشرة إسدال الستار علي " حل الدولتين "، والانتقال إلي مرحلة الخيارات الأخري، ومن بينها وضع مستقبل بقاء السلطة الفلسطينية نفسها علي بساط البحث، وبينما أصر الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كلمته أمام الجمعية العامة علي مصادرة الحلم الفلسطيني، مشترطا عليهم ألا يحلموا بدولة فلسطينية قبل المفاوضات مع إسرائيل وتحقيق السلام معها، فإن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عرض قبول فلسطين " دولة بصفة مراقب " في الأممالمتحدة، وجدولا زمنيا للتفاوض يستمر لمدة عام، ويتم خلاله التوصل إلي اتفاق نهائي فرساء السلام مع إسرائيل . وهكذا، في ظل مناخ دولي وإقليمي محموم، وتسابق أمريكي إسرائيلي لمنع الخطوة الفلسطينية، تقدم أعضاء في الاتحاد الأوروبي بعرض لرفع الوجود الفلسطيني في الأممالمتحدة إلي مرتبة أعلي من مراقب، مع عدم استبعاد الاعتراف بدولة كاملة العضوية في المستقبل، الأمر الذي اعترضت عليه إسرائيل مستخدمة إسلوبا مهينا للدول الأوروبية، ماأصاب علاقات الجانبين بالتوتر مجددا . وجاءت هذه التطورات في وقت تشهد فيه العلاقات الإسرائيلية الإقليمية أزمة طاحنة مع كل من مصر وتركيا، فضلا عن اضطرابات وأزمات داخلية تطالب بإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، فيما وصف بأنه عدوي ثورات " الربيع العربي " في إسرائيل . في معني الاعتراف وفقا للأسباب التي أعلنتها السلطة الفلسطينية للتقدم إلي الأممالمتحدة لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية فإن هذه الخطوة أرجعت إلي : أولا وصول المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلي طريق مسدود وضبابية الرؤية حول امكانيات وصولها إلي أي انجازفي المستقبل القريب . ثانيا اتمام الجانب الفلسطيني عملية بناء ما اعتبرته المؤسسات القادرة علي قيادة دولة فلسطينية سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وبالتالي، لم يعد هناك ما يؤخر انجاز هذه الخطوة نظرا للأهمية التي تمثلها بالنسبة لمستقبل القضية الفلسطينية،وكذلك، بالنسبة للمرحلة النضالية القادمة للتخلص نهائيا من براثن الاحتلال الإسرائيلي، كآخر شعب مازال يرزح تحت الاحتلال في العالم . ويمثل اعتراف الأممالمتحدةبفلسطين كدولة كاملة العضوية ونقلها من وضع " مراقب " إلي درجة " دولة كاملة العضوية " تحويل صفة الكيان الفلسطيني من وضعية أراضي متنازع عليها، كما تصفها إسرائيل، إلي حالة " دولة تحت الاحتلال "، الأمر الذي يرتب لها حقوقا قانونية دولية في مقدمتها إمكانية التقدم بالشكاوي إلي المنظمة العالمية بشأن الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وزيادة قدرة منظمة التحرير الفلسطينية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية، وإمكانية الانضمام للمؤسسات الدولية في مختلف المجالات «منظمة الصحة العالمية، منظمة اليونسكو»، فضلا عن تحسين المركز التفاوضي للفلسطينيين أمام إسرائيل، ومنح الثقل السياسي والقانوني للكيان الفلسطيني في معادلة الصراع الجاري مع إسرائيل علي الساحة الدولية، وصولا إلي فتح المجال أمام الدولة الفلسطينية لإبرام اتفاقات وتحالفات مع أطراف ودول أخري، الأمر الذي تعمل له إسرائيل ألف حساب . والحقيقة أن الجانب الفلسطيني كان قد أعد العُدة لهذه الخطوة منذ فترة، وقد تمكن من تعزيز وتقوية بنية الدولة الفلسطينية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا لدحض الحجة الإسرائيلية التي تلحق النقائص بالكيان الفلسطيني بدعوي عدم نضجه إلي مستوي الدولة، ويلاحظ أن جهدا فلسطينيا كبيرا بذل علي مدي عدة سنوات لبناء الدولة من القاعدة إلي القمة، وفقا لخطة إصلاحية تناولت الأرض والسكان والأمن وأجهزة الحكومة، ما أشادت به المؤسسات الدولية كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي علي أساس نجاح الخطط الإصلاحية في تحقيق أهدافها، وبالفعل اعترفت مصادر في الولاياتالمتحدة وعدة دول أوروبية بهذا الإنجاز، وطورت من مستوي علاقاتها مع الفلسطينيين، ولم يعد باقيا سوي ترجمة هذا النجاح في صورة الحصول علي عضوية كاملة في الأممالمتحدة . وقد حشد الفلسطينيون جميع فعالياتهم رسميا وشعبيا، بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والجمعيات والمجالس لمساندة القيادة الفلسطينية في مسعاها في المنظمة الدولية بهدف دعم الحلم الفلسطيني للحصول علي العضوية الكاملة في الأممالمتحدة. ووفقا لتأكيدات الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن» فإن التوجه للأمم المتحدة لا يمس من قريب أو بعيد صفة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، ولا يمس قضية اللاجئين الفلسطينيين، كما أن الحصول علي عضوية الأممالمتحدة ليس بديلا عن المفاوضات مع إسرائيل، ولا يتناقض مع عملية السلام ومبدأ الدولتين علي حدود 1967، ولا يتناقض مع تأكيد عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي، واعتبار أن الأرض الفلسطينيةالمحتلة هي أرض دولة محتلة، وليست مجرد أراض متنازع عليها كما تزعم إسرائيل . الجدل القانوني من المعروف أن وثيقة استقلال دولة فلسطين صدرت فعلا في 15 نوفمبر 1988، لذلك يطرح التساؤل : ما هو الجديد المنتظر من اعتراف الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية ؟ وفي الرد علي ذلك لابد من تذكر أن توقيع اتفاق أوسلو في 1992، 1993، اعتبر بمثابة تعليق لمفعول الاستقلال حيث ارتضت منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت أن يكون وجودها في الأراضي الفلسطينية خلال المرحلة الانتقالية وفقا لصيغة الحكم الذاتي وليس وفقا لصيغة الدولة المستقلة، واعتبار الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في 1967 أراضي متنازع عليها يتم تسوية أمرها في المفاوضات وليست أرضا محتلة .. وكل هذه العوائق يمكن حلها عن طريق اعتراف الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية، حيث تنهي هذه الخطوة المشاكل التي علقت اعلان استقلال الدولة ليعود سريان هذا الاستقلال . وفي السياق التاريخي، لابد من تذكر أنه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر عام 1947 فقد نص علي إقامة الدولتين اليهودية والعربية، وأيضا تدويل مدينة القدس، أي وضعها تحت الإدارة الدولية، وبناء عليه، فإن الاعتراف بالدولة الإسرائيلية نفسه كان معلقا علي شرط تنفيذ هذا القرار . بالإضافة إلي ذلك، فإن ديباجة ميثاق منظمة الأممالمتحدة، واتفاقا مع القانون الدولي، تؤكد تأكيدا قاطعا علي حق الشعوب في تقرير مصيرها حتي قبل أن يتكلم الميثاق عن حقوق الدول، وهكذا سارت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عملها علي الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها بكل الوسائل المشروعة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، وأكدت ذلك قرارات وآراء محكمة العدل الدولية، الأمر الذي ينتفي معه حق أي طرف كان بالاعتراض علي أو رفض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير . وعلي حسب النظام المعمول به في مجلس الأمن الدولي وظروفه الحالية، فإن كل مشروع قرار يحتاج إلي تأييد تسع دول حتي يطرح للتصويت . وفي المجلس الحالي، توجد سبع دول مضمونة لصالح الفلسطينيين وهي لبنان وروسيا والصين وجنوب أفريقيا والهند والبرازيل ونيجيريا، وهناك ثلاث دول فقط ترفض المشروع الفلسطيني وهي الولاياتالمتحدة وألمانيا وكولومبيا . وتحاول الولاياتالمتحدة تجنيد البقية ضد القرار وهي : فرنسا وبريطانيا والبوسنة والجابون والبرتغال، وإذا ضمنت سبع دول معارضة، فلن تحتاج إلي استخدام الفيتو، أما الجانب الفلسطيني فإنه يمكن في حالة ضمان 9 أصوات من أعضاء مجلس الأمن البالغ عددهم 15، يمكن أن يصل للعضوية فيما لو لم تستخدم أمريكا الفيتو . وبناء عليه، فإنه مع صدور توصية إيجابية من مجلس الأمن الدولي بقبول عضوية فلسطين في الأممالمتحدة، وموافقة أغلبية الثلثين في الجمعية العامة، يتحقق أمل الفلسطينيين في أن تصبح دولتهم الدولة رقم 194 بين الدول الأعضاء في المنظمة الدولية . أما والولاياتالمتحدة وإسرائيل وأطراف أخري تقف دونهم وتحقيق هذا الأمل، فإن الخيارات المتاحة أمامهم في الجمعية العامة تتراوح بين : ما يطلق عليه " خيار الفاتيكان "بموافقة أغلبية الثلث علي تعديل وضع الفلسطينيين من مراقب إلي " دولة ذات سيادة بدون أن تكون عضوا في الأممالمتحدة " وهو ما يسمح للفلسطينيين بوضعية شبيهة بدولة الفاتيكان، أي الاعتراف بهم كدولة ذات سيادة، وتمثيل دبلوماسي، وعضوية الوكالات المتخصصة، وطرح مشكلاتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي تتمتع دولة فلسطين بجميع الحقوق ما عدا التصويت في الجمعية العامة . وهناك أيضا الخيار الآخر والذي يحتاج موافقة أغلبية الثلثين علي مطالبة الجمعية العامة لمجلس الأمن بإعادة النظر في مسألة اعتراف الأممالمتحدةبفلسطين استنادا إلي المادة 137 من لائحة الجمعية العامة التي توجب رفع الطلب مصحوبا بصورة كاملة للمناقشات التي دارت فيها مع توصية في هذا الصدد. وهنا نتذكر أن قرار الأممالمتحدة رقم 1397 الذي تمت الموافقة عليه عام 2002 يؤكد علي " رؤية لمنطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنبا إلي جنب داخل حدود معترف بها وآمنة، وقد أكدت إدارة أوباما لاحقا ان حل الدولتين يجب أن يقوم علي حدود عام 1967 عبر تبادل الأراضي. وفي المحصلة، فإنه ليس من المسوغ قانونا أن تتخذ الولاياتالمتحدة وإسرائيل اتفاقيات أوسلو 1،و أوسلو 2 في 1992، و1993 اللتان تنصان علي عدم جواز إعلان استقلال الدولة الفلسطينية بدون التشاور مع دولة إسرائيل، حيث يمكن هنا الرجوع إلي نص المادة 103 من ميثاق الأممالمتحدة والتي تتيح في حالة التعارض بين الالتزامات التي يرتبط بها الأعضاء وفقا لهذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر، فإنه يتم الرجوع إلي الالتزامات المترتبة علي هذا الميثاق بالدرجة الأولي. وخروجا من المأزق الدولي، فقد تم تسريب "مشروع أممي " يقضي بأن يتقدم عباس بطلب العضوية إلي مجلس الأمن الدولي، علي أن يرجئ المجلس البت في هذا الطلب لعدة أسابيع قبل أن يتسني اتخاذ قرار بشأنه، وذلك لإعطاء فرصة للمشاورات والاتصالات السياسية للوصول إلي نقطة اتفاقية حول إمكانية بدء المفاوضات مجددا . حسابات فلسطينية بوجه عام، تفيد الاستطلاعات أن 83 % من الفلسطينيين يدعمون طلب الاعتراف بدولتهم من الأممالمتحدة، حتي لو كانوا يخشون بالمقابل عواقب اقتصادية إسرائيلية وأمريكية وخيمة يمكن أن تنجم عن ذلك، ويتمثل هنا العنصر الجديد في دخول كتلة إقليمية ودولية من مكونات الجمعية العامة للأمم المتحدة علي الخط، مؤيدة لهذه الخطوة، ويعترف الرئيس الأمريكي نفسه بأن بلاده لا تستطيع التأثير علي هذه الكتلة التي تأخذ مع غيرها جانب الحق الفلسطيني . ومن المعروف أن الفلسطينيين واجهوا استفزازات إسرائيلية طوال العامين الماضيين ومماطلات فاقت التصور ورفض لمطلب الفلسطينيين بشأن قضية الاستيطان، وبينما قدمت واشنطن المزيد من الإغراءات للإسرائيليين منها تقديم أسلحة متطورة لإسرائيل، ووقوف أمريكا ضد فكرة وصول الفلسطينيين للأمم المتحدة، فقد تشددت أمريكا في تهديداتها للفلسطينيين سياسيا وماليا لكبح رغبتهم في التوجه للمنظمة الدولية، غير أن ذلك كله لم يغير من إصرار الفلسطينيين علي المضي قدما في اتمام هذه الخطوة. ويتمثل الإطار العام الذي يتحرك وفقا له الفلسطينيون في المرحلة الحالية في أنه من الأسلم اللجوء إلي المنظمة الدولية، ومجلس الأمن الدولي، والاستناد إلي قوة القانون الدولي والعلاقات الدولية والأعراف بين الدول الصديقة والشقيقة، حتي يتجنب الفلسطينيون اللجوء إلي العنف واستخدام القوة والاستفزازات المسلحة . وهذا التوجه يجد دعما عاما علي أساس أنه من الضروري تفعيل دور المنظمة الدولية في " السلام العالمي " خاصة وأن الكثير من القرارات الدولية التي صدرت خلال العام الماضي أدت إلي خفض الوفيات في الحروب إلي الثلث، كما تعددت فرص وقف إطلاق النار بنسبة 50 % خلال التسعينات، وزادت إلي 88 %، وحتي لو كانت الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي لم ينجحا تماما في إحلال السلام العالمي ومنع الحروب التي نشبت، ولكن علي الأقل تمكنا من التخفيف من خطورتها وحدتها علي الساحة العالمية . ولكن يبدو وفقا للحسابات الفلسطينية أن الاتجاه الغالب يعتبر أن الحصول علي اعتراف دولي من جانب الأممالمتحدة بدولة فلسطينية هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ويمكن أن تؤدي إلي تفعيل مسارات العملية السلمية، وتنشيط الاهتمام الدولي بقضية فلسطين، ولا تمس من قريب أو بعيد دور منظمة التحرير الفلسطينية كإطار عام يوحد الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، وبالتالي لن تتأثر الصفة التمثيلية للمنظمة والحقوق الفلسطينية، خاصة وأن الأسس القانونية التي تدعم وتحمي حق العودة لاتزال قائمة وممثلة في قرار الأممالمتحدة رقم 194 . هذا فضلا عن أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت في 1974 القرار رقم 3236 بما يضمن الحق الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال والسيادة الوطنية وحق الفلسطينيين في العودة إلي ديارهم وممتلكاتهم، وكلها اعتبرت من شروط إحلال السلام الدائم في المنطقة . وفي غمار هذه المواقف بين مؤيدين ومعارضين لخطوة الأممالمتحدة، فإن عدة دوائر تتوقع أن تؤدي نتائجها إلي تطورات فارقة بالنسبة لمصير القضية الفلسطينية، ومصير السلطة وعلاقاتها بحركة حماس، ومستقبل مفاوضات السلام، فالنجاح في الحصول علي الاعتراف بدولة فلسطينية سيدعم موقف الرئيس الفلسطيني، كما أنه سيعد نجاحا أيضا لحركة حماس باعتبارها بصورة أو بأخري جزءا من النظام السياسي في ضوء تصالح حماس وفتح في مايو الماضي بعد أعوام من القطيعة، كما أنه يمكن أن يفتح الباب لحركة حماس لانتهاج سياسة أكثر مرونة مستفيدة من هذا الإنجاز، اما في حالة الفشل، فإن حركة حماس ستعتبر أن استئناف منهاجية " المقاومة " هو حق مشروع، يدعم برنامجها السياسي الذي يستند بالدرجة الأولي علي استمرار هذه المقاومة . ورطة أمريكا وإسرائيل وأوروبا في الساعات الأخيرة قبل تقديم الطلب الفلسطيني للأمم المتحدة لطلب عضوية كاملة، جرت اتصالات محمومة دخلت خلالها الولاياتالمتحدة والعواصم الأوروبية وإسرائيل في سباق مع الزمن في محاولة لإقناع القيادة الفلسطينية للامتناع عن التوجه نحو الأممالمتحدة مقابل عروض تلقاها الفلسطينيون، سواء من بنيامين نتنياهو الذي طالب الرئيس الفلسطيني ببدء مفاوضات مباشرة فورا، أو من الجانب الأوروبي «المنقسم علي نفسه» والذي عرض منح الفلسطينيين الاعتراف بدولة فلسطينية بدون أن تكون عضوا في المنظمة الدولية . هذا، فضلا عن اتصالات مكثفة أجرتها واشنطن بكل الأطراف في محاولة للخروج من المأزق، خاصة وقد هددت علنا بأنها سوف تستخدم الفيتو لإجهاض الخطوة الفلسطينية التاريخية، وجاء ضمن هذه المساعي بحث إصدار اللجنة الرباعية الدولية التي تشمل أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة بيانا يوضح الخطوط العريضة لحل سلمي للنزاع العربي الإسرائيلي . وبالطبع، فإن الولاياتالمتحدة يهمها بالدرجة الأولي عدم إجراء أي تغيير في قواعد اللعبة السياسية التي تديرها واشنطن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تحت رعايتها المنفردة والمباشرة، ووفقا للرؤية والتوقيت والمصالح الأمريكية فقط،وبدون أي تدخل فعلي أو مؤثر من جانب أي طرف آخر، وتحديدا، بعيدا عن تدخل الأممالمتحدة، تجنبا للعودة أو الاحتكام إلي عشرات القرارات التي أصدرتها المنظمة الدولية والتي تتعلق بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ولم يتم تطبيقها. وبينما تمثلت الورطة الأمريكية في محاولة واشنطن عرقلة الطلب الفلسطيني للحصول علي اعتراف دولي من جانب أعضاء الأممالمتحدة، بدون استخدام الفيتو الذي من شأنه أن يأتي علي البقية الباقية من " سمعة " أمريكا في الشارعين العربي والإسلامي، فقد تمثلت ورطة إسرائيل في النتائج التي يمكن أن تترتب علي الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنها الاعتراف الدولي بالقدس كجزء من الأراضي المحتلة، وفتح ملف الاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة، وبالجملة، مناقشة قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفقا لقرارات الشرعية الدولية، ويأتي ذلك في وقت تستشعر فيه إسرائيل بعمق التغييرات التي تحدث في المنطقة العربية، والتي وصفها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بالزلزال الذي سيؤثر علي الجيش والدولة في إسرائيل، في إشارة إلي ثورات " الربيع العربي " . وبمزيد من التفصيل يقول ايتان هابر كبير المحررين في يديعوت احرونوت " بعد أيام سيرفع مندوبو 190 دولة أيديهم للاعتراف بدولة فلسطينية، ثم يبدأ الجيش الإسرائيلي للإعداد لخطر نشوب حرب مع مصر، ومع الأردن، وربما مع تركيا، .. " فيما يعكس حالة هلع تنتاب الكثير من الإسرائيليين في ظل ظروف استثنائية تمر بها المنطقة . العالم العربي الجديد تحفل المنطقة العربية بوقائع وأحداث مستجدة كان من شأنها أن غيرت كل ثوابت المراحل السابقة سياسيا واستراتيجيا، ما دفع دوائر ومراكز بحثية في أنحاء عدة إلي توقع انبثاق " عالم عربي جديد " خلافا لما كانت بعض المصادر تطلق عليه " الشرق الأوسط الجديد " وفقا لمعايير وملامح أمريكية وإسرائيلية بالدرجة الأولي . ذلك أن ثورات الربيع العربي، وتغيير الأنظمة السياسية، وانبثاق العنصر الشعبي كأقوي ما يكون في الأراضي العربية، كل ذلك غير جذريا في صيغة الأولويات في المنطقة، حتي ولو كانت الصورة النهائية لإعادة التشكيل لم تتضح معالمها النهائية بعد . وفي هذا الإطار، لا يسهل بحال من الأحوال استبعاد " مكونات القضية الفلسطينية " من تيار التغيير العاصف في المنطقة العربية، وهي القضية التي كانت، وتؤكد المؤشرات علي أنها ستظل " في قلب " الشأن العربي، وقضية العرب الأولي والأساسية، والرمز الذي يجسد ويثير طموحات الشعوب العربية و " الحلم " العربي في الحرية والكرامة والحياة الأفضل والاستقلال الوطني . ووفقا للمستجدات التي لا مناص من الاعتراف بها، فإن لاعبين جددا أصبحوا الآن أطرافا أساسيين في توازنات وتجاذبات العملية السياسية في المنطقة العربية، بالمعني الشامل . وباعتراف الدوائر العربية والإقليمية والغربية، ثمة حسابات جديدة تتناول تأثير ورغبات الشارع العربي، والشارع الفلسطيني، والرأي العام العربي، كمحددات رئيسية لما يمكن اتخاذه ورسمه من قرارات وسياسات مستقبلية . وكما نلاحظ، ففي العاصمة الأمريكيةواشنطن، تركز عشرات الندوات والمؤتمرات ومراكز الأبحاث علي حقيقة ما يجري في الشارع العربي، وأثره علي السياسة والمصالح الأمريكية، وتستنتج هذه الدوائر أنه لم يعد ممكنا بحال من الأحوال أن تفصل واشنطن سياستها تجاه المنطقة العربية عن سياستها تجاه القضية الفلسطينية، فلا مصداقية أمريكية مطلقا في مناصرة ثورات الحرية في الشارع العربي، واستمرار تحيز أمريكا وتحجر سياستها تجاه القضية الفلسطينية، كما أنه لم يعد ممكنا مطلقا الاستمرار في دعم مسألة " الاستقرار " علي حساب قضية " الإصلاح " . وفي ضوء هذه المستجدات، وُصفت السياسة الأمريكية بالفشل، وضعف الخيال السياسي، والتحيز المعيب ناحية إسرائيل، والحاجة الماسة لاستراتيجية أمريكية جديدة تناسب صيغة وروح " العالم العربي الجديد " . إضافة إلي ما سبق، فإنه لم يعد ممكنا لأي طرف من الأطراف تجاهل " المستجدات الإقليمية " التي بدأت تساير وتتجاذب أطراف الحوار الجديد مع ثورات الربيع العربي وتداعياته سياسيا واستراتيجيا، وتجمع تحليلات ودوائر عديدة علي أنه في مقدمة عناصر التجديد الإقليمي، يأتي دخول اللاعب التركي في صميم " اللعبة السياسية الإقليمية " وبشروطه التي يرتأيها بما يحقق رؤيته ومصالحه وبدون أي اعتبارات أخري . واستطرادا، يقوم اللاعب التركي لاحقا بفرض سياساته الجديدة علي المنطقة وقوامها : تحدي الصلف والغرور الإسرائيلي، واتخاذ أقوي موقف تتخذه دولة تجاه إسرائيل منذ نشأتها، ثم يؤكد مهندس السياسة الخارجية التركية أحمد داود أوغلو علي تشكيل شراكة استراتيجية بين تركيا ومصر علي قاعدة ما أطلق عليه "محور الديمقراطية الحقيقية " لدولتين من أكبر دول المنطقة تمتد حدودهما من الشمال إلي الجنوب ومن البحر الأسود إلي وادي النيل في السودان، وهكذا ينجح اللاعب التركي في صورته الجديدة في إلهام منطقة " العالم العربي الجديد " من خلال نموذج يمزج الحلم الديمقراطي بحلم التفوق والتقدم الاقتصادي في أدق لحظة تاريخية تمر بها المنطقة العربية .