في الوقت الذي كان فيه الأمير يوسف كمال يفتح طاقة للفنون الجميلة في المجتمع المصري مع بواكير القرن العشرين، طاقة تستوعب طاقات أبناء الفراعنة، أمثال مثال الخالد محمود مختار ورفاقه، وفيما كان الزعيم «مصطفي كامل» يقف في ساحات العشق الوطني والكفاح مناديا بجلاء الإنجليز وترقية الرأي العام وإحياء الشعور الوطني ونقل قضية الاستقلال إلي وعي وأذهان الشعب وهيئات كانت مجهولة، مستعينا بالجمعيات الأدبية، متخذا من جريدة اللواء والأهرام والمؤيد منصات إطلاق صواريخ للتعبير عن القضية الوطنية، مدافعا عن مطالب مصر في الاستقلال أمام الرأي العام في أوروبا كلها، شهد عام 1907 ميلاد نحات مصري، قبل إنشاء كلية الفنون الجميلة، بدرب الجماميز، نحات قدر له ان يقع علي اكتافه عبء تمصير دراسة النحت في مصر، بعد أن كانت حكرا علي الأجانب، وصاحب فكرة نقل معبدي أبو سمبل بطريقة النشر والقطع إلي أجزاء ثم إعادة تركيبها بنفس هيئتها بأعلي هضبة الجبل، تلك الفكرة التي أدهشت العالم عندما ساهمت منظمة اليونسكو في تمويل نقل المعبدين. هناك فرق هذا النحات احتفلت أكاديمية الفنون في يوم وفاته الثامن والثلاثين، بهدم جداريته التي دمغت واجهة قاعة سيد درويش، منذ إنشائها لتستبدلها بالأرخص والسطحي، والمظهري قصدي القشاني، وكأنها تجبرنا علي الدخول في عصر السيراميك بينما عاصمة كباريس تحتفي بكل ما تعامل معه المبدع، حتي البيت الذي سكنه وهو طالب يدرس. علي الرغم من ان المثال النحات أحمد عثمان قاهري النزعة إلا أنه طار إلي فلسطين للعمل في وظيفة مسجل للآثار مع بعثة بنسلفانيا عام 1927، ثم إلي روما بعد تخرجه في مدرسة الفنون والزخارف المصرية، ليحصل علي دبلوم أكاديمية الفنون بروما في فن النحت 1930 وبعدها علي الدكتوراة في أكاديمية الفنون الجميلة بروما، وبمجرد عودته من روما عين مدرسا لفن النحت بكلية الفنون التطبيقية من 1933 إلي 1937 . انتقل إلي كلية الفنون الجميلة حيث تولي رئاسة قسم النحت بها علي مدي عشرين عاما من 1937 إلي 1957، ولأنه أحد البنائين في وقت كان المصريون يقيمون دعائم نهضتهم الحديثة، أنشأ الفنان أحمد عثمان متحفا للفن المصري الحديث بكلية الفنون الجميلة. وان كانت المعارض التي أقيمت للفنان أحمد عثمان قليلة لا تتجاوز نصف عدد أصابع اليد الواحدة، إلا أن اسهاماته في الحياة الفنية، مؤثرة وتحمل سمة العظمة والريادة، ففي الفترة بين معرضه التذكاري عام 1978، والذي أقيم بعد وفاته بثماني سنوات ومعرضه بقاعة أبعاد بمتحف الفن الحديث بالأوبرا 2006، تصل المسافة إلي قرابة عقدين من الزمان، فمعارض النحت قليلة بحكم طبيعة المجال وصعوبته. نيران الإهمال بصمة واضحة تلك التي كان يرسمها ويحفرها ويشكلها ويتركها أحمد عثمان بمجرد إسناد مهمة إليه، فيروي أنه عندما تولي منصب أول عميد لكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية 1957، دفع إيجار المبني الرئيسي من مدخراته الشخصية حتي يصله الاعتماد المالي من الوزارة بالقاهرة، كما استعار أثاث إدارة شرق التعليمية، من طاولات وكراسي وغيرها، علي مسئوليته الشخصية حتي يتمكن الطلاب الجدد من الجلوس وتأدية أول امتحان للقبول بالكلية الوليدة، التي افتتحت أبوابها للدراسة في 5 أكتوبر العام 1957 . إذا كان المسئولون قد اعتدوا بالإزالة علي عمله الفني علي واجهة قاعة سيد درويش، فقد كتب القدر نصيبا مشابها لأعماله النحتية بدار الأوبرا المصرية القديمة، عندما احترقت مع التهام نيران الإهمال لدار الأوبرا كلها. أنشأ قسما للنحت في ليمان طرة لتعليم النزلاء فن النحت في الأحجار مما كان له بالغ الأثر في تهذيب نفوسهم، تولي مهمة تجميل محطة الركاب البحرية وإقامة متحف وحديقة الخالدين ومتحف مدرسة الليسيه والمتحف البحري بالإسكندرية. تولي تنفيذ العديد من الميداليات التذكارية ومفتاح محافظة الدقهلية ودرع جامعة الإسكندرية وجامعة عين شمس وجامعة القاهرة، تجميل مدخل برج القاهرة السياحي بأكبر نسر «شعار الدولة». الهواء الطلق لكن من أعظم أعماله ابتكاره فكرة نقل معبدي أبو سمبل بطريقة النشر والقطع إلي أجزاء ثم إعادة تركيبها بنفس هيئتها بأعلي هضبة الجبل، وهو العمل الذي أهله للحصول علي جائزة الدولة التقديرية 1968 . ارتبط إبداع أحمد عثمان بالهواء الطلق، حيث انتشرت أعماله النحتية في العديد من ربوع مصر منها نحت بارز علي محطة سرايا القبة 1937، صنع نسرا برونزيا ضخما في أعلي برج القاهرة 1961، تمثال يعبر عن العلم والصحة والرفاهية المقام في قرية سرس الليان 1966، النصب التذكاري بميدان الجمهورية الذي تطل عليه محطة السكة الحديد بالإسكندرية 1966، ترميم تمثال رمسيس الثاني بعد نقله إلي ميدان المحطة بالقاهرة، النحت البارز للمدخل الرئيسي لحديقة الحيوان 1936، تمثال الزعيم محمد فريد المقام في مبني نقابة المعلمين بالقاهرة، تمثال العالم الأثري محمد زكريا غنيم المقام بفناء المتحف المصري بالقاهرة 1960، آخر أعماله تمثال الشهيد عبدالمنعم رياض. يتميز أسلوب الفنان أحمد عثمان بالواقعية الاجتماعية، والتي تجعل من الإنسان المصري بطلا لأعماله النحتية الرصينة، والموضوعية بدون مبالة أو ادعاء أو صوت عال، كما كانت تتسم به الفترة من الأربعينات وحتي السبعينات، وهو الأسلوب الذي جعل الجائزة الأولي لفن النحت تسعي إليه في دورة بينالي الإسكندرية الدولي لعام 1960 عن تمثال أحمد شوقي. الحركة الوطنية ينتمي الفنان أحمد عثمان إلي الجيل الثاني الذي تألق في الثلاثينات وما بعدها وكان من قادة الحركة الفنية الذين تثق بهم السلطة مما أتاح له ان يشرف علي عدة مشروعات وفي أعمال أحمد عثمان مذاق إيطالي في حين كان بعض أبناء جيله يتميزون في فنهم بالمذاق الفرنسي وكلا الفريقين كان متأثرا بالفن الفرعوني الذي وضع في بؤرة الاهتمام بعد ثورة 1919 وحتي نهاية الحرب العالمية الثانية. ان من يؤرخ لفن النحت المصري الحديث لابد ان يذكر المثال أحمد عثمان فقد كان له حضور قوي متعدد الجوانب في الحركة الفنية الحديثة خلال الثلاثينات والأربعينات والخمسينات والستينات- كما كان أستاذا لعدد كبير من النحاتين المصريين. استطاع أحمد عثمان ان يحقق المواءمة بين دراساته الأكاديمية لفن النحت وأسلوب النحت في التراث المصري والتراث الشعبي فكان الكثير من أعماله علي مستوي أستاذيته وأغلب أعمله النحتية تعالج قضايا قومية أو اجتماعية أو تذكارية وكان أحمد عثمان يتمتع بروح طموح وإيمان بأن ممارسة الفن التشكيلي خاصة النحت يمكن ان يكون وسيلة علاجية لكثير من أنواع الانحرافات. كما تولي منصب معهد ليوناردو دافنشي بالقاهرة والمستشار الفني لوزارة الثقافة وكان عضوا بمجلس السلام الدولي.