"الشذوذ الجنسي في الأدب المصري" كتاب حديث صادر عن دار نون للناقد الأدبي مصطفي بيومي. وقد تأخرت طباعته لرفض عمال أكثر من مطبعة القيام بطبع الكتاب ظناً من العمال أن الكتاب يروج للشذوذ الجنسي!! مما عطل صدوره. الكتاب دراسة بحثية عميقة تقع في 423 صفحة من الحجم الكبير. ويعتمد الناقد مصطفي بيومي فيه علي منهج علم الاجتماع الأدبي. وذلك بتفكيك عناصر القصص والروايات وإعادتها إلي المجتمع الذي استوحيت منه أو عبرت عنه. وفي دراسته أكد بيومي أن مصطلح الشذوذ الجنسي نقدياً يتجاوز المعني الشائع عنه حيث يقصد به عادة العلاقات المثلية اللوطية والسحاقية، إلي دائرة أوسع تتضمن أشكالاً أخري من الشذوذ، تجمع بين الجنسي والاجتماعي. ولا تنفصل عن السياسي والثقافي. ويري بيومي أن العلاقات الجنسية مع الحيوان والقهر الجنسي للأطفال ومضاجعة الموتي وغرائبية المكان الذي تمارس فيه العلاقة السوية وزنا المحارم وغياب التكافؤ والندية بين طرفي الاتصال والتحرش المشين الذي لا يرقي إلي مرحلة العلاقة الكاملة، وفق هذا التناول تتسع دائرة الشذوذ. وهنا أختلف مع الناقد مصطفي بيومي لأن "التوسيع" الذي قام به لرصد الشذوذ أضر بالمصطلح ذاته فالقهر الجنسي للأطفال قضية مستقلة بذاتها وكذلك زنا المحارم بل عدم التكافؤ بين الزوجين هو ما يعرف باغتصاب الزوجة فكيف يتساوي ما رصده الناقد في رواية "عمارة يعقوبيان" من زواج عضو مجلس الشعب "الحاج عزام" من أرملة تصغره لكي يتمتع بجسدها ويمنعها من الإنجاب. كفعل شذوذ مع حالة الصحفي حاتم رشيد الذي يمثل شخصية شاذة بالفعل تمارس ذلك مع الرجال! وحتي إن كانت غرائبية المكان أو ما أسماه شذوذ المكان في قصص يوسف إدريس حيث صورت قصة "أكبر الكبائر" ممارسة الجنس فوق سطح منزل وقصة "نيويورك" ممارسة الجنس في مرحاض وقصة "العملية الكبري" ممارسة الجنس في غرفة العمليات. وهي أماكن بالفعل غير لائقة ولكن الممارسة نفسها لم تكن شاذة - أي بين اثنين من نفس الجنس - فكيف يعد هذا شذوذاً؟ إن توسيع المصطلح في الإطار الاجتماعي مقبول لأنه يؤكد علي أنه شذوذ غير جنسي مثل ما عبر عنه يوسف إدريس في "نيويورك" حيث تقول إحدي العاهرات: "المحامي الذي يترافع عن إنسان يعلم تماماً أنه سارق أو قاتل لينال أجره وأتعابه ماذا يسمي هذا؟ السياسي الذي يعرف أنه يبيع بلده أو يغمض عينه عن مصالحها. ماذا تسميه؟ القاضي التاجر، المثقفون والكتّاب الذين يعرفون الحقيقة ويخافون الجهر بها. أليس كل هذا مومسة؟ كلهم.. كلهن بغايا.. وبأجر فاحش مدفوع. ولكني أنا الوحيدة المصلوبة بينكم؟!! رصد الكتاب صور الشذوذ بتلك الطريقة الموسعة التي وضعها بيومي عند الأدباء يحيي حقي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وسعد مكاوي وعبد الرحمن الشرقاوي وفتحي غانم ويوسف الشاروني وجمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم ورءوف مسعد وعلاء الأسواني. وبالنسبة لصورة الشاذ في أدب نجيب محفوظ قدم شخصية المعلم كرشة في رواية "زقاق المدق" حيث قدم محفوظ تمهيداً لهذا الشذوذ مشحوناً بدلالات مهمة حيث يعرفه بأنه "عاش عمره في أحضان الحياة الشاذة. حتي خال لطول تمرغه في ترابها أنها الحياة الطبيعية" ويلعن الناس الذين جعلوا من شهوته مثار الازدراء والاحتقار ويقول جملته المعهودة: "لكم دينكم ولي ديني"! أما الشخصية الثانية التي رصدها فهي شخصية عبد الرحمن عيسي الباشا ذو الشخصية الإنسانية الثرية غير السوية وفيه من السمات المتكاملة ما يجعله جديراً بالتأمل والتحليل، خاصة أنه يجمع بين الشذوذ والإيمان فيقول: "إن الإيمان واسع الصدر. والمنافق وحده الذي يدعي البراءة المطلقة. ومن الغباء أن تظن أن الإنسان لا يقترف الذنوب إلا علي جثة الإيمان ثم إن ذنوبنا أشبه بالعبث الصبياني البريء." من ناحية أخري فعبدالرحيم رجل قانون لكنه يضع لنفسه مجموعة قواعد ومعايير "أخلاقية" تحكم أفعاله غير الأخلاقية فيروي تجربة خاضها وهو رئيس محكمة حيث تعرف علي شاب جميل وأقام معه علاقة ثم فوجئ به يقف أمامه ممثلاً لأحد طرف صراع في قضية ينظرها فقرر التنحي عن نظر القضية دون تردد، ليس هذا فحسب بل قطع علاقته به لسوء خلقه! ومن مجمل الفصول التي قدمها الكاتب خرج بإيجاز بعدد من الملاحظات هي: المجتمع يدين الشذوذ والشواذ بلا رحمة ويلصق التهمة بأبرياء لا يقترفونها تشهيراً وانتقاماً وتشويهاً. فهي تهمة جديرة بإلحاق العار الاجتماعي والحط من الشأن. الشذوذ في الحياة الإنسانية بشكل عام وفي الحياة المصرية بالضرورة لا يتمثل في الجنس وحده ثمة أنماط عديدة من الشذوذ غير الجنسي الذي يتغلغل في جميع نواحي الحياة ولا يمكن فصله عن الشذوذ الجنسي. الدور الذي يؤديه الشذوذ الجنسي من حيث دلالته الفنية في الأدب لا يقل عن كونه شهادة اجتماعية عن الواقع.