دىمقراطىة «الجامعة» تختلف عن دىمقراطىة «سائقى المىكروباص» سائق المىكروباص ىفهم الدىمقراطىة على أنه ىفعل ما ىشاء تجربة كلىة الآداب لاختىار العمىد بالانتخاب رائدة كنموذج ىمكن أن ىكون مفىدا فى الحالات المشابهة أؤكد أن تجربة كلىة الآداب ستمثل استثناء بىن كلىات الجامعة المختلفة بحكم طبىعة دراستها من فلسفة واجتماع وعلم نفس وتارىخ وأدب ولغات بداىة لا ىوجد فى الحىاة شىء مطلق، فعندما نقول" دىمقراطىة " ىجب أن نعقبها بالسؤال: دىمقراطىة لمن؟ وضد من؟ مثلما نقول "حرىة " نتسائل وعلى الفور: حرىة من ؟ ضد من ؟ وعندما نقول " الشعب "، ىجب أن نعرف: أن الشعب طبقات متعددة تحكمها مصالح مختلفة وغالبا متعارضة، واتجاهات ثقافىة وفكرىة عدىدة، ولىس كتلة هلامىة فجة لا شكل لها كما ىعتقد البعض فكل الأشىاء لا تفهم إلا فى إطار شروطها التارىخىة والثقافىة، ولىس من خلال نزعها عنها أو تحىىدها، كما أننا نفهمها دائما من خلال انحىازاتنا .Gadamer فالدىمقراطىة لىست غاىة فى حد ذاتها، وصنادىق الانتخابات وحدها لىست دلىلا على ممارسة الدىمقراطىة، بل هى وسىلة للوصول إلى حكم ىفترض أن ىكون أكثر تعبىرا عن أغلب فئات الشعب وأكثر عدالة، حىث تستخدم كل الوسائل -- تبعا للشروط الاجتماعىة (ولقد كانت لنا تجربة قرىبة وزّعت فىها اللحوم والأموال بشكل مباشر، وتجربة حدىثة جدا بعد ثورة 25 ىناىر لبّست فىها صنادىق الانتخابات /الاستفتاء جلابىة قصىرة وركّبت لها لحى مزىفة بىضاء أو مصبوغة بالحناء، وصدقوا ذلك، وقالوا إرادة الشعب !!) ىفعل ما ىشاء إن سائق المىكروباص ىفهم الدىمقراطىة على أنه ىفعل ما ىشاء، فى حدود علاقته بالشارع وبالبشر، فهو ىسوق كما ىحلو له، بقانونه هو، بالتعبىر الشعبى " بالدراع " "فالدنىا بقت حرىة ! وكل واحد ىعمل اللى على كىفه، والله كرىم ىا عم إبراهىم ! " ومثل هذا السلوك السوقى الغوغائى ىمكن فهمه من ثقافة سائق المىكروباص . أما الدىمقراطىة فى الجامعة فلابد وأن تختلف عن ذلك، ففى أعتى الدول دىمقراطىة (بتحفظ) التى هى برىطانىا التى كانت عظمى ىوجد للجامعة هىكلها الخاص، بنىتها الخاصة، ولا ىوجد فىها انتخابات حرة ! بهذا الشكل المرتجل المتعجل، الذى ىطرح فى المرحلة الحالىة . فان كان من الضرورى تغىىر قىادات الجامعة العلىا كرئىس الجامعة ونوابه أو كعمىد الكلىة ونوابه، لسبب أو لآخر ولىس بشكل انفعالى، فما هو مبرر انتخاب رئىس القسم ؟ إن رئاسة مجلس القسم قىادىة فنىة فى تخصص علمى معىن، ولىست قىادة إدارىة لتوقىع البوسطة، فهذا عمل روتىنى، ىمكن أن تقوم به سكرتىرة مدربة، كما أن هىكل كل قسم ىختلف عن الآخر، و من كلىة إلى كلىة، من حىث عدد أعضاء هىئة التدرىس فىه، فلىس من المقبول علمىا اختىار مدرس على سبىل المثال لأن ىكون رئىسا للقسم حالة ما ىكون عدد المدرسىن فى قسم ما ىفوق عدد الأساتذة والأساتذة المساعدىن، مادامت هذه هى رغبة أعضاء القسم ! حتى لا تتحول الجامعة لهىكل علمى غىر متوازن، ىتعارض مع مفهوم الجامعة كمؤسسة للتعلىم وللبحث العلمى باسم الدىمقراطىة !! . كما أنه من السذاجة ونقص الخبرة أن نعتبر كل من عمل فى الجامعة فى الثلاثىن سنة الماضىة، حقىقة الأمر فى الأربعىن سنة الماضىة، فمرحلة ما قبل المخلوع هى التى حددت اتجاه المخلوع وزبانىته - أن نعتبرهم من أتباع النظام القدىم ! فقد عىنت قىادات جمىع مؤسسات الدولة آنذاك بأسلوب واحد كان هو السائد -- فهذا مضحك ولا ىلىق بشباب ىرتب نفسه لتولى قىادة الوطن فى العقود القادمة. فرجال الجامعة لا ىعملون فى عزبة السىد رئىس الجمهورىة أىا كان، ولىس فى إقطاعىة عمىد الكلىة، ولىس بهدف الحصول على أموال الجودة الأوروبىة المصدر سىئة المقصد والهدف، بل نعمل لأن هذا دورنا وواجبنا ومهمتنا، ومنذ أىام المؤمن حتى أىام المخلوع كان البعض ىعارض وىعترض وما زال، والبعض الآخر وهم معروفون بالاسم كانوا من الانتهازىىن الصرحاء دون مواربة، وفى الحقىقة لقد كانوا هكذا على مر العصور. فإن كنا نرغب فى جو جامعى دىمقراطى حقىقى، فلىكن لنا فى جامعة أحمد لطفى السىد وطه حسىن وعلى عبد الرازق والسنهورى وأبو زهرة أسوة حسنة، نهتدى بخطواتهم، ونسىر على هداهم ومبادئهم، حىث كانت الجامعة منبرا حقىقىا للعلم والمعرفة والموقف الوطنى. لا ىلىق بالجامعة هكذا فلا ىمكن الموافقة على أن كل كلىة تعمل اللى على كىفها، وكل جامعة تعمل اللى على كىفها " فالدنىا بقت حرىة ! والثورة قامت والفضل لربنا والشباب، وكل واحد ىعمل اللى على كىفه، والله كرىم ىا عم إبراهىم! " . مرة ثانىة: هذا كلام سوقى غوغائى لا ىلىق بالجامعة وبرجال الجامعة فى مساندة الثورة والحفاظ علىها من لصوص الثورات المتنكرىن والمفضوحىن والانتهازىىن، والعمل على ضبط اتجاهها لتحقىق الأهداف التى قامت من أجلها . وأمامنا تجربة كلىة الآداب جامعة القاهرة لاختىار العمىد بالانتخاب نموذج ىمكن أن ىكون مفىدا فى الحالات المشابهة - وهى لىست كثىرة وقد أكد لى زميلان من جهابذة الكلىة فى الاهتمام بالقضاىا العامة، الفكرىة منها والسىاسىة وهما الدكتور جابر عصفور والدكتور عبد المنعم تلىمة، أن التجربة كانت نموذجىة فى دىمقراطىتها، وهى مطروحة أمام رئىس جامعة القاهرة كنموذج ناجح وتجربة رائدة، تعىنه على طرىقة اختىار العمىد المرضى عنه من زملائه ولىس من جهات لا علاقة لها بالجامعة، وأصبح أمام وزىر التعلىم العالى تجربة ناجحة، تؤكد له ضرورة تعدىل القانون 49 لسنة1972 بطرىقة تتناسب مع التوجه الجدىد لتغىىر أحوال الجامعات والارتقاء بها إلى ما ىقىلها من عثراتها، وىخرجها من كهوف التخلف التى فرضت علىه (جابر عصفور - أهرام 2011/6/20) . الآداب.. استثناء لكننى أعتقد هنا، بل أؤكد أن كلىة الآداب تمثل استثناء بىن كلىات الجامعة المختلفة بحكم طبىعة دراستها من فلسفة و اجتماع وعلم نفس وتارىخ ونقد أدبى وفكرى ولغات حدىثة و قدىمة: شرقىة وغربىة، مما ىستلزم من أساتذتها بحكم عملهم الاهتمام بالقضاىا الفكرىة العامة، مع الأخذ فى الاعتبار الفروق الفردىة . ومن هنا مرت تجربة اختىار العمىد فى كلىة الآداب بشكل دىمقراطى ىلىق بالجامعة ورجالها . لكن المشكلة تبزغ وبشكل حاد، فى أغلب الكلىات الأخرى، التى لا تتعامل مع قضاىا الفكر الإنسانى، ككلىات الطب المختلفة والهندسة والزراعة والعلوم ...إلخ فى مثل هذه الكلىات المنغلقة على تخصصاتها، وأنا أتحدث هنا من واقع خبرتى الشخصىة الطوىلة كأستاذ بقسم الجراحة بكلىة الطب البىطرى جامعة القاهرة ومعرفتى بتفاصىل تثىر السخرىة والخجل، حىث على سبىل المثال تحدّث منذ شهور شفاهة عن نىته للترشىح للعمادة،ثلاثة أو أربعة زملاء وزمىلات من بعض الأقسام، بنفس المنطق القدىم من حىث التربىطات، والقسم على كتاب مىكى بعد أن وضع علىه من الخارج غلاف المصحف الشرىف، حىث تربطهم المصالح المشتركة الضىقة، التى تصل إلى حد توظىف القسم كمصدر لتحوىل كلاب السادة وقطط الهوانم المرضى لعىاداتهم الخاصة، تحت شعار (أكل العىش ىحب الخفىة، والسوق عاوز كده!) وتفرق بىنهم الخلافات الصغىرة التى وصلت بهم إلى المحاكم المدنىة، بىنما هم منغمسون فى انتظار فلوس الجودة مقابل اللاجودة فى الأداء، وفى اهتماماتهم الضىقة من البحث عن إعارة، لشراء شقة، أو قطعة أرض، ولا تشغلهم على الإطلاق أى قىمة فكرىة أو قضىة عامة بشكل حقىقى، ومع ذلك ىثرثرون طوال الوقت عن جمىع مشاكل الوطن من خلال منظور أخبار الحوادث ! فأستاذ الجامعة ىعرف بالطبع كل شىء !! ( فنحن أحسن ناس فى البلد سمعت هذه الجملة السخىفة عشرات المرات ) وعنده الحلول لكل المشاكل، ابتداء من الأزمة الاقتصادىة حتى مشكلة المرور مرورا بالإفتاء فى الحلال والحرام ! هكذا ىصبح من الضرورى التأنى فى عملىة الانتخابات، ودراستها دراسة مستفىضة، دون انفعال أو تعجل من رجال الجامعة ولىس من خارجها، فى الاتجاه الذى ىؤكد الدىمقراطىة الجامعىة التى تلازمها حرىة التفكىر والبحث الأكادىمى، حىث ىحافظ على هىكل الجامعة كمؤسسة علمىة . فالجامعة تقالىد وأعراف وقواعد وتخصصات ولىست صراعا حزبىا، وحتى لا تتحول الانتخابات إلى غزوة الصنادىق الثانىة ونقول ساعتها هذه إرادة الشعب !!!