قبل أن نتكلم في تعديل قانون اتحاد الكتاب الحالي رقم 65/1975 ، ينبغي لنا أن نفرق ما بين مؤسسات ثلاث تشابهت واختلفت، وتباينت تبعا لذلك نتائج هذا الإختلاف : أولا الجمعية: وهي كما عرفها قانونها الحالي رقم84/2002 وكل قوانينها السابقة، بأنها جماعة من الأشخاص الطبيعيين ذات تنظيم مستمر لا يقل عددهم عن عشرة تنشأ لغرض غير الحصول علي الربح. وبهذا التعريف فقد تميزت الجمعيات بالخصائص التالية: الجمعية تنشأ بقرار وتلغي بقرار، وبمشيئة أعضائها . الجمعية تتلقي إعانات من الدولة لذا فهي خاضعة لإشرافها. يمتنع علي الجمعيات ممارسة أي نشاط غير الذي أنشئت من أجله. يمتنع علي الجمعيات إطلاقا ممارسة أي عمل مما تقوم به النقابات أوالأحزاب السياسية. ثانيا: الاتحاد: إذا تعددت الجمعيات العاملة في ذات النشاط ، تكون فيما بينها إتحادا نوعيا أو إقليميا ( م 65 من قانون الجمعيات ) لذا فأهم مميزات الاتحاد أنه: أعضاء الاتحاد هم أعضاء معنويون يمثلون جمعياتهم، لا وجود للأعضاء الطبيعيين داخله يخضع الاتحاد في تكوينه وحله لأحكام الجمعيات ( م 67) فيحل بمشيئة أعضائه . يخضع الاتحاد مثله مثل الجمعية لإشراف الدولة ثالثا: النقابة: نشأت النقابات تاريخيا للدفاع عن أعضائها ضد السلطة، لذا فإن من مميزاتها: لا يمكن خضوع النقابة لإشراف السلطة . لا يتم تمويل النقابة من إعانات السلطة، بل تمول ذاتي بموارد من ناتج عمل أعضائها، ومن الرسوم التي تفرض علي انتاجهم . النقابة لا تنشأ إلا بقانون ولا تحل ولا تعدل إلا بقانون . التطور التاريخي لنشأة اتحاد الكتاب قبل عام 1968 لم تكن تعرف الاتحادات أوالنقابات الأدبية في مصر، بل جمعيات أدبية متفرقة تعمل استقلالا تابعة في إشرافها لرقابة الدولة ممثلة في وزارة الشئون الاجتماعية. في عام 1968: أنشئ اتحاد عام يضم الاتحادات والنقابات الأدبية في الدول العربية سمي " الاتحاد العام للأدباء العرب" إتخذ له مقرا بالقاهرة. تبين أن مصر غير ممثلة في هذا الاتحاد العام للدول العربية لعدم وجود نقابة أواتحاد أدبي بمصر في ذلك الوقت، لذا فقد أنشئ في عام 1970 أول اتحاد أدبي في مصر سمي " اتحاد الكتاب" من أشخاص معنوية لا وجود بداخله للأعضاء الطبيعيين ،أسند إليه الإشراف علي جميع الجمعيات والمؤسسات الأدبية في مصر خضع في إشرافه وتمويله لوزارة الشئون الاجتماعية، وبذا أمكن تمثيل مصر بهذا الاتحاد داخل الاتحاد العام للأدباء العرب . ظل هذا الاتحاد متواجدا حتي عام 1975، حيث رأت وزارة الثقافة ممثلة في وزيرها يوسف السباعي ،رفع درجة هذا الاتحاد إلي درجة النقابة، وإخراجه من تبعية وزارة الشئون لتتولي الإشراف عليه وزارة الثقافة،علي أن يضم لعضويته أشخاصا طبيعيين، ولا يفهم حتي الآن السبب في رفع وصاية هذا الاتحاد عن الجمعيات الأدبية كما كان حاله قبل تحويله إلي نقابة ، وبذا فقد صدر القانون رقم 65/1975 منظما لهذا الاتحاد الذي استمر العمل بموجبه حتي الآن . لكن حدث الخطأ الفادح في إصدار قانون اتحاد الكتاب 65/1975 والذي عاني بسببه الأدباء منذ نشأته حتي الآن : فبدلا من أن تستوحي نصوصه من المبادئ العامة لإنشاء وتكوين النقابات، تم نقل نصوص اتحاد الكتاب القديم إلي قانون إنشائه النقابي نقلا يكاد أن يكون حرفيا، دون أن تراعي في ذلك الفوارق المهمة التي تفصل ما بين الاتحاد والنقابة، وكانت أهم تلك التجاوزات هي : ظل اتحاد الكتاب في وضعه النقابي الجديد تابعا في أكثر من موضع لإشراف وزارة الثقافة، بينما يفترض في النقابة أن تنشأ بمعزل عن السلطة. من أهم تناقضات قانون اتحاد الكتاب في ثوبه النقابي الجديد أنه احتفظ بخاصية إلغائه وحله بمشيئة أفراده إذا ما توافرت أغلبية ثلثي أعضاء الجمعية العمومية ووافقوا علي هذا الحل، مناقضا في ذلك المبدأ القانوني الذي ينص علي أن ما أنشئ بقانون لا يحل ولا يعدل إلا بقانون. سلبت من اتحاد الكتاب في ثوبه النقابي الجديد ما كان مقررا للاتحاد القديم من سلطة الإشراف علي الجمعيات الأدبية التي كانت مقررة له بحكم نشأته عام 1975 . بجانب العديد من التجاوزات التي أوضحناها في دراساتنا المتعددة عن مسالب هذا القانون، مما نتج عنه حالة الشلل التي عاناها الأدباء طوال العقود الماضية ، لتضارب نصوصه وافتقارها إلي أبسط الضمانات النقابية التي تميز باقي النقابات. محاولات تعديل قانون الاتحاد بدأت محاولات تعديل قانون اتحاد الكتاب رقم 65/1975 منذ سنوات طويلة ماضية، منذ رئاسة المرحوم/ ثروت أباظة للاتحاد وكان في نفس الوقت وكيلا لمجلس الشوري، فعقدت عدة جمعيات عمومية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، رأسها في ذلك الوقت المرحوم/ سعد الدين وهبة بصفته نائبا لرئيس الاتحاد، قدمنا إليه مشروعا متكاملا للتعديل، أعد بمعرفة الأعضاء القانونيين باللجنة القانونية التي أنشئت في ذلك الوقت وكان يرأسها الأديب الدكتور/ نصار عبد الله، وضمت لعضويتها كبار رجال القانون في أزمنة متفاوتة، منهم من توفاه الله وشملهم برحمته كل من : المستشار/ حسن مهران، والمستشار / أحمد لطفي، والمحامي/ أمين البدوي، ومنهم من نرجوله العمر الطويل كل من اللواء/ سراج النيل الصاوي، ووالقانوني: عادل سركيس، والمحامين: محمود حنفي كساب ومكرم فهيم وتاج الدين محمد تاج الدين ، وقد شرفت بحمل أمانة تلك اللجنة التي أدت خدمات قانونية للاتحاد وأعدت الكثير من مقترحات اللوائح والقوانين كان من بينها التعديل المقترح لقانون اتحاد الكتاب الذي قدم لمجلس إدارة المرحومين ثروت أباظة وسعد الدين وهبة . لكن لأسباب غير مفهومة اقتصر التعديل الذي أخذ به في ذلك الوقت علي فض الاشتباك ما بين وزارة الثقافة واتحاد الكتاب، وحمل التعديل إلي مجلسي الشعب والشوري ، وضاع بين الأدراج. في عام 2001 أعيدت المحاولات مرة أخري لإحياء تلك التعديلات المقترحة في عهد رئاسة الشاعر/ فاروق شوشة للاتحاد، حيث تقدمت بمشروع متكامل للتعديلات المفترحة لقانون الاتحاد هوثمرة جهود أساتذة قانونيين أفاضل، قدم بالطريق القانوني قبل عقد الجمعية العمومية بثلاثة أسابيع لعرضه ومناقشته، تقدم معي في نفس الوقت الزميل الدكتور/ علاء عبد الهادي باقتراحين محددين للتعديل، وبجلسة الجمعية العمومية التي عقدت في 23/3/2001 انتظرنا طويلا لكي يأتي دورنا في عرض المقترحات ومناقشتها، لكن حانت الصلاة دون أن نعطي الفرصة للعرض أو النقاش . في عام 2002 أعيدت المحاولة مرة أخري لمناقشة التعديلات المقترحة لقانون اتحاد الكتاب، حيث طرحت في مساء عقد الجمعية العمومية يوم 29/3/2002 ودون أن تدرج في جدول أعمال تلك الجمعية، وقام بعرضها المحامي الكبير/ رجائي عطية، وأدار الجلسة الأستاذ/ محمد السيد عيد بصفته نائبا لرئيس الاتحاد في ذلك الوقت، وكان أبرز المناقشين كل من الدكتور/ علاء عبد الهادي وفاروق عبد الله، ولوجود نقص شديد في العرض، فقد اتخذ قرار الجمعية العمومية بتأجيل بحث مقترحات التعديل بلجنة تتكون من الأستاذين/ رجائي عطية وفاروق عبد الله، لم تجتمع اللجنة قط ومع ذلك فقد أصدر الاتحاد بيانا بأن قد تمت مناقشة التعديل القانوني في غيبة من الأعضاء . في عام 2003 وكنت قد انتخبت عضوا بمجلس إدارة اتحاد الكتاب ورئيسا للجنته القانونية، تم الاتفاق مع الإعلامي / حمدي الكنيسي وكان عضوا بمجلس الشعب ووكيلا للجنة الإعلام بالمجلس، واتفق معه علي أن نقدم مشروع التعديلات المقترحة لمجلس الشعب بلجنة اقترحت أن يمثل فيها كل من المرحوم المستشار/ حسن مهران والدكتور/ علاء عبد الهادي وكل من الزملاء عادل سركيس وقاسم مسعد عليوة والدكتور/ مدحت الجيار، وذهبنا برفقة الإعلامي / حمدي الكنيسي وكان عضوا بالمجلس في هذا الوقت ،لكنني فوجئت بأن المشروع المقدم هومخالف لما تم الاتفاق عليه في جمعيات عمومية سابقة ، لذا فقد طلبت عقد مجلس إدارة طارئ استطعت خلاله إدخال بعض التعديلات بينما بقيت العديد من التجاوزات باقية في المشروع المقدم، اعتقدت أنني يمكن أن أناقشها أثناء عرضها بمجلس الشعب، لكنني فوجئت بمنعي من المناقشات مع قيام اللجنة القائمة ببحث المقترحات بالمجلس بحذف العديد من مطالبنا الجوهرية أخصها حذف مواد التعديل الخاصة بزيادة موارد الاتحاد المالية وحذف اقتراح تحصيل تلك الموارد عن طريق الحجز الإداري وحذف اقتراح منح الاتحاد سلطة الضبطية القضائية في التحصيل بدلا من اللجوء إلي القضاء الذي يستغرق وقت ومال الاتحاد دون فائدة، وقد طالبنا بإدراجهما في التعديل باعتبار أموال اتحاد الكتاب أموالا عامة (بنص مادته رقم 49) لكن قامت اللجنة بحذفهما، كل هذا ما دعاني للانسحاب من مناقشات مجلس الشعب، وتباعا انسحب باقي الأعضاء المناقشين ، لم يتبق سوي زميلين تابعا جلسات المناقشة التي طالت فتطاولت سنوات ، ما فتئت تتواتر الأخبار في مطلع كل انتخابات لمجلس الإدارة عن قرب صدور القانون الجديد، والذي دخل عدة مرات بأثواب مختلفة في دورات متعاقبة للمجلس بنفس هيكله القديم، دون أن يخرج منه حتي الآن ، بل ليته يبقي هناك للأبد، فما تبقي منه لا ترجي منه فائدة ، وتلزم إعادة دراسته بوعي الثورة عودا علي بدء.