حالة من التطهر الروحي والانتماء المشع تسيطر علي أحاسيس المصري وتُخرج ما بداخله من وطنية راكدة وعشق ساطع لمصر . نراها بعد أحداث الثورة المباركة" ثورة 25 يناير"الغالية تعم جميع أبدان ومشاعر المصريين حين تغمرنا الفضائيات بكمِ رائع من أغنيات العشق للوطن. وقد تجلت فرحة التعبير عن الثورة وأمجادها شعراً وغناءً وكلاماً ونعبر هنا عن وجه الثورة الغنائي الذي ساهم بدورٍ فعالٍ وكبيرٍ في التأريخ والتأكيد علي مراحل الثورة كلها ومازال يسير وفق خطواتها. الجهاد بالغناء الغناء للثورة في أحداث 25 يناير يعلو الحماس المعتاد في الغناء الوطني ويتمرد علي التأني الملازم للهدوء النفسي حتي تتخمر الكلمات بل يعبر كل حواجز الإعداد والتهيؤ والصبر لإخراج كليب غنائي بتقنيات عالية. إنما هو عصير المشاعر المتأججة وحالة قطف مباشر لعناقيد دانية من الألحان والكلمات والأصوات التي تصرخ لتخرج موازية ومحبة ومشجعة للحدث وكأنها جهاداً بالصوت والكلمة وخلوداً يسري في الحناجر والآلات الموسيقية التي تسارع الزمن لتأريخ كل حدث في المشهد ، فلسنا نعني في خضم الثورة بجودة الكلمات ورقيها وانبعاث فضاء الخيال ولسنا نهتم هنا بتحضير اللحن وتميزه بقدر ما نعني بصدق الحالة الشعورية وسرعة التعبير عن الخاطر الوطني والتأريخ للمشهد والحدث الجلل ، إنه نبل الثورة هوما يجذب كل مغنِ وملحنِ. انتفاضة الغناء ثورة الغناء في أحداث 25 يناير تنقسم إلي ثلاثة أنواع نكاد ندركها بالمتابعة الشيقة والمتجددة في كل وقت. النوع الأول: هو"الغناء الوطني طويل الأثر " أي الأغاني الوطنية الخالدة التي تغمرك دائماً بحب البلد والتي تعي قدرتها علي تحريك الأحداث في كل زمان ومكان وتصلح لبث الحماس والتعبير عن الحاضر بلغة الماضي بل تشعر برخاء وطني وانسياب عاطفي وذكري مفعمة الشوق وكأنها يد الساحر التي تشد أوتار حسك الوطني من جب النسيان لتسطع أمامك من جديد وهم كثر ولكن الأكثر تجلي في ثورة 25 يناير من هذه الأغنيات أغنية الرائعة شادية " يا حبيبتي يا مصر يا مصر" وتلك الأنسام المتدفقة منها ومثلها الأغنية الخالدة التي تًطلق عنان شجنك عالياً " حلوة بلادي السمرا بلادي الحرة" للجميلة وردة حتي ان هناك أغنيات عشقناها وزاد عشقنا لها بعدما لمست أوتاراً حزينة تعزف أحزاننا بحزن واحد مثل الأغنية الأسطورة " أم البطل " لأم البطل أيضاً " شريفة فاضل" والتي تشعر بأنها وليدة اليوم بما يصاحبها من صور لشهداء الثورة الغاليين وعلي هذا المنوال نسمع الكثير، كأغنية "فدائي " للعندليب و" أنا الشعب " لأم كلثوم" ومصر هي أمي " لعفاف راضي "وعظيمة يا مصر " لوديع الصافي" والشارع لنا والكثير .. ويتداخل مع هذا النوع الأغاني الوطنية التي سطرت عظمة مصر في عصرنا الحالي دون أن تقصد الثورة بعينها لكنها تتآخي معها وتتوحد كي تصب في وجدان الشعب كأغنية شيرين عبد الوهاب " ما شربتش من نيلها " وأغنيات محمد ثروت والحجار ومحمد الحلو وغيرها ثورة التأجج الغنائي أما النوع الثاني للأغاني: فهو ثورة الانفغال الغنائي" أي ثورة الغناء المصاحب للأحداث في ميدان التحرير الشاهد الأروع علي الحدث الجلل فقد هم المطربون ليصبغوا حناجرهم بشجن ما يحدث في ميدان التحرير منذ أول يوم فأينعت ثورتهم بأغانِ كانت طلقة في وجه الصمت للتعبير أيضاً عن تضامنهم بالصوت غير آبهين بأي تقنيات سوي الاحتجاج والثورة أيضاً فمنهم من عبر عن شهداء الميدان كأغنية " شهداء 25 يناير" ألحان وغناء حمادة هلال وكلمات ملاك عادل والتي تعبر عن الفقد والشجن ويأتي الكلام عارياً من كل زخرف وقاصداً الصدق فقط . وتبرق رائعة أغاني الشهيد أغنية " يا بلادي يا بلادي" والتي تصيبك بلوعة وتحسر غريبين بلحنها الذي ينعي كل شهدائنا ولا عجب فالمقطع الأول تلحين الرائع بليغ حمدي وغناء رامي جمال وعزيز الشافعي وكلمات وألحان عزيز الشافعي وهي الأغنية المصاحبة لصور الشهداء في أغلب القنوات وهناك " أنا الشهيد" للمطرب والملحن " وليد سعد" وكلمات أيمن جودة وهناك من عبر عن أزمة الحدث قبل التنحي في ثوب النصيحة كأغنية " اعلي يا مصر " لمصطفي قمر وكلمات نور عبد الله " سارداً عظمة مصر وقدرتها علي تخطي المحن. امتصاص الغناء للثورة والنوع الثالث: هو" نوع من الغناء المتأني والألحان المعدة إلي حد ما "وأرباب هذا النوع قد استوعبت حناجرهم وعقولهم المشهد كاملاً وانتظروا حتي تكتمل الصورة فكان التنحي ، واستطاعت الكلمات والألحان أن تحتضن ما يحدث بشكل أفضل عن السابق فجاءت الكلمات مبشرة بالأمل غير ساردة للحدث كأغنية " والله وعملناها / ثورتنا ونجحناها للمطرب رامي إمام وأخيراً ظهر"عمر دياب" وكأن الثورة صارت فرضاً غنائياً علي المغنيين فكانت أغنيته " مصر قالت" ألحانه وغناءؤه وكلمات مجدي النجار معبرة عما قالته مصر بثورتها الجليلة . وهناك من لامس الثورة من خلال الحب الفياض لمصر منشداً بحنجرته صوتاً يمجد جلال مصر من دون الغوص في أحداث الثورة لكنها المنبع الرئيسي لهذا المصب كأغنية «هشام عباس» ذات اللحن المرح «البلد بلدنا» حين يقول «بان الطريق والله وشافنا» وأغنية ريهام عبدالحكيم «فيها حاجة حلوة» بلحنها المميز والتي تعبر عن عادات وطبائع المصريين ورغم أن هذا كامن منذ الأزل إلا أن التعبير يشي بروح الثورة المباركة. وأيضاً هناك مشاركات غنائية رائعة من إخواننا العرب والتي تشاركنا نصرنا المجيد كأغنية " أم الدنيا للمطرب العراقي "ماجد المهندس " وأوبريت مهدي لشباب الثورة من الشباب العربي" في حب مصر" كلمات الشاعر الفلسطيني "رامي يوسف". طلقة محمد منير «الغنائية» رغم تاريخ الجميل « محمد منير» الغنائي الثوري كحدوتة مصرية وغيرها إلا أن أغنية "إزاي" بكلمات" نصر الدين ناجي وألحان أحمد فرحات تتربع علي عرش الغناء الوطني فهي حالة خاصة ذات لحن ينبض بإيقاع الثورة وتبث روح الهمة والعزيمة بل وتبشر برياح قادمة تجُب ما قبلها ورغم منع التليفزيون المتعسف لعرضها في السابق خوفاً من حثها للتمرد إلا إنك تشعر بأنها وليدة ولادة الثورة تحمل عبق ثورة 25 يناير وكأن الله قد أخر إذاعتها لثورة تحمل كل أشعة التمرد فكانت أيقونة وهدية الثورة لنا (انا اقدم شارع فيكي / وامالك من اللي ماليكي / أنا طفل اتعلق بيكي / في نص السكة وتوهتيه / أنا لوعشقك متخير / كان قلبي زمانه اتغير / وحياتك لافضل أغير فيك لحد ما ترضي عليه) وهكذا يستمر التدفق الإبداعي وتستمر ثورة الغناء وانتفاضة الألحان سارية تصب في الوجدان المصري الخالد. وسيظل الغناء الوطني سجلاً يشارك في تأريخ ما يحدث من مجد ليكون منبعاً لتأجج المشاعر علي مدي العصور، فكما شاركت فئات الشعب في الثورة،أيضاً علت ثورة الحناجر بصوتها المعبر حباً وفرحاً بالثورة حتي أصبحت فرضاً وطنياً علي كل مطرب.