اتسع المشهد في إبداعات رباب نمر الأخيرة، ليشمل حلم الناس بالحرية والثورة، حيث اتسعت الرؤية لنري الناس في كفاحهم اليومي، سواء المراكبي الذي يحلم بالشاطئ باعتباره الملاذ، أو ذلك التاجر الذي يتعامل مع السمك وهو يتابعه كأنه أحجار كريمة. إذا كان الضوء هو بطل لوحات رباب نمر من حيث الشكل، فالإنسان هو محور وبطل أعمالها من حيث المحتوي والمضمون المضمر، وهو صاحب الحضور المؤثر وصاحب التعبير وإن ظل ساكناً علي هيئة نحتية، فيما جاءت الأشكال إلي جواره أكثر حيوية.. لذلك يقول الفنان محمود عبد الله: ما يلفت النظر أن رباب نمر لا تتجشم عبء ما يطلق عليه الكثيرون التهيئة النفسية.. بحثاً عن موحيات أو مثيرات للدخول في الحالة، لذلك أن لحطة الإبداع عندما تنشأ وتتفاقم وتصل إلي تألقها حالة أن ينتشر الضوء منعكساً علي مسطح من أوراقها البيضاء يبحث عن مقابلة بالتهشير بالأسود، فنجد أنفسنا واقفين بين قول: إن الفنانة تندفع نحو لحظة الإبداع". لحظة توحد تنطلق منها رباب نمر في علاقتها مع المسح الأبيض الناصع، من خلال حوار هامس يبدأ بتهشيرات بسيطة جداً تشغل سطح اللوحة بهدوء كمن يقوم بحفر بئر بإبرة، معتمداً علي إرادة فولاذية وعزيمة تعاند الاستسهال والكسل، وهو المنهج الذي يتفق مع طريقة الفنان الحرفي المسلم الذي يجلس أمام قطعة نحاس يبثها شوقه من خلال حفر عناصر نباتية وحيوانية وطيور علي السطح ليحولها لما يشبه الدانتيلا. طاقة كامنة لذلك أهم ما يميز إبداعات رباب نمر هي تلك الطاقة الكامنة في اختياراتها حيث نجد في عيون شخوصها غموضاً يشبه المنبعث من وجوه الفيوم، الذي يعكس تاريخها الطويل كأنها تدعو ان للسفر في الزمن من فرط ذلك الأسود الذي رسمت به العيون والذي يسحب المشاهد والمتلقي إلي داخل العمل الفني بمجرد أن تقع عيناه علي العيون المثلثة الغائرة. أما في تجربتها الجديدة فقد اتسع فيها المشهد كثيراً، ليشمل حلم الناس بالحرية والثورة بعد الانكفاء، حيث اتسعت الرؤية لنري الناس في كفاحهم اليومي سواء المركبي الذي يحلم بالشاطئ باعتباره الملاذ، أو ذلك التاجر الذي يتعامل مع السمك وهو يتابعه كأنه أحجار كريمة، فيما تنتظره ربة المنزل في البلكونة بشجن، لكن عندما تسلل اللون إلي لوحات رباب قصد المناطق الذهبية داخل الإطار وربط بين هذه المناطق خط خفي، كأنه يحدد مساراً لرحلة العين داخل اللوحة فنراه في قمة اللوحة مثلاً ممثلاً في عقد السيدة التي تتدلي من سور البلكونة، ثم في سمك عربة البائع متخذاً لوناً أحمر، فيما جاءت السمكة التي اختارها البائع ليضعها للسيدة في السلة بلون ذهبي وكأنه يقول إنها سمكة ذهبية، في الوقت الذي ذهب اللون إلي سترة البائع، ولم تخرج الألوان عن الألوان الأساسية في دلالة علي الاقتصاد والوضوح والحيوية هو القانون الذي لجأت إليه في أغلب لوحاتها التي توحد فيها الحبر مع الورق. وفي لوحة آخري تلون السمك باللون الأخضر، فيما احتضن الناس هذه الثروة والخير، في الوقت الذي لونت فيه عيون السمك في لوحة آخري باللون الأحمر في حالة مواجهة الصياد وشباكه، لقد أخضعت رباب القيم الجمالية لحسابات عقلية دقيقة معتمدة علي الوعي والإدراك في إطار واقعية تعبيرية سحرية. جاء معرض الأخير، امتدادا لما أقدمت عليه بحماس قبل سنوات من الآن، عندما فاجأت الجميع بمجموعة فنية جديدة، أطلقت عليها "أسود وأبيض ولون" وكأنها تبتهج بدخول اللون إلي عالمها بعد أن ظلت لسنوات وفية لفن الرسم واللون الواحد الوقور ألأحادي المعبر الأثير اللون الأسود، وهي تقبض عليه بصبر أشبه بطريقة الزهاد وحفاظهم علي الضوء الشحيح، نورا للروح يغني عن مباهج الحياة الملونة الزائفة لصالح الأصيل والراسخ وليس العابر الظاهر. كانت الحياة الفنية عرفت رباب نمر (1945) من خلال عالم خاص يعكس رؤي ميتافيزيقية، عندما رسمت بحماس شديد، رسم القطط المخيفة، والغربان والشخوص التي تظهر في أسوأ الكوابيس، وإن احتفت علي نحو اختزالي هذه المرة بالضوء المبهر واتخذت شخوصها سمت الحكماء الصابرين المكافحين الشغيلة وظهرت الأزهار والأشجار والأسماك رمزا للخصوبة وكشفت الشخوص عن همة وحركة دائبة في مواجهة أعمالهم والتي أرتبت بالصيد وعالم البحر، وهي أهم ما يميز الشخصية أهل إسكندرية التي تنتمي لها الفنانة رباب نمر. وعرفت رباب نمر التقدير الدولي من خلال حصولها علي جائزة تقديرية من بينالي الشارقة ( رسم ) 1994، بعدها تحصل علي جائزة لجنة التحكيم بينالي القاهرة الدولي الثامن 1998، ثم جائزة بينالي الإسكندرية الرابع والعشرون لدول البحر المتوسط 2007 . أسنان القلم وجمعت رباب نمر بين الإبداع والعمل العام من خلال عملها كمسئولة عن الفنون التشكيلية بالهيئة العامة لقصور الثقافة التي التحقت بها فور تخرجها في كلية الفنون الجميلة في العام (1963) كما اشتهرت باحترافها استخدام أسنان القلم الرابيدو علي نحو فريد يكشف عن صبر يرتقي إلي الصوفية لتضيف لفن الرسم رصانة معهودة، وعلي الرغم من حصولها علي درجة الأستاذية من أكاديمية سان فرناندو جامعة مدريد العام (1977) وتأثرها بوهج الأسباني في الفن المتمثل في بابلو بيكاسو وجويا إلا أنها اتجهت إلي صيغ في تناولها شديدة المحلية.