يأخذني العجب من مقال د.محمد عمارة في عموده الاسبوعي بجريدة القاهرة ص 21 العدد554، ومصدر العجب يأتي من فحوي المقال- لماذا ألغي مصطفي كمال اتاتورك الخلافة الاسلامية في تركيا وتحديدا في (2) مارس سنة 1924 م حيث يقول:(هذا الحدث الجلل الذي ألغي "الرمز " الذي حافظ عليه المسلمون منذ عصر الخلافة الراشدة بكسره لوعاء وحدة الأمة الإسلامية لأول مرة في تاريخها " العريق " الطويل) ثم يدعونا لنتساءل بلسان حاله لماذا لم يستسلم اتاتورك لمراسم القديم وقدسيته- بعيدا عن الوعي البناء- لتصير تركيا مجرد احصائية في عدد سكان البلاد المتخلفة. ولا شك أن الدكتور يعلم ان اتاتورك "صاحب الفعل الشاذ برأيه "عندما شب كانت اسطانبول عاصمة دولة الخلافة العثمانية (رجل أوروبا المريض) تنقسم الي عالمين شرقي- وغربي، وبدا فيها الجزء المسلم فقيرا مظلما- والجزء الغربي يتلألأ ويحفل بالازدهار- ليرجع سيادته لكتاب- تركيا- البحث عن مستقبل ص 34- أ- ياسر احمد حسين". ثم يقول د . عمارة لقد حل النظام الاتاتوركي لاول مرة في تاريخ بلاد الاسلام ليحل بالعلمانية محل الإسلام ففصل الدين عن السياسة . حيث ينفي اي وجود لاية علاقة بين الإسلام وبين السياسة عبر تاريخ الاسلام بل وحتي في عهد رسول الله- وان رسول الله- صلي الله عليه وسلم- ما كان إلا رسولا لدعوة دينية خالصة للدين- لا تشوبها نزعة ملك ولا حكومة- ولم يقم بتأسيس مملكة- مما يعني انه كان رسولا كإخوانه الخالين من الرسل- وما كان ملكا ولا مؤسس دولة ولا داعية ملك . وليسمح لي د. عمارة ان اقص عليه بعضا من إنجازات اتاتورك- فهو الذي حول تركيا لجمهورية ليكون اول رئيس للجمهورية واستطاع خلال فترة زمنية لا تتعدي خمسة عشر عاما من (1923- 1938) ان يحول حياة امة بصورة حاسمة وتصميم لا يقهران يرسي قواعد بناء دولة " مدنية " عصرية- تحمي الحريات في أساسها- فألغي منصب الخلافة الإسلامية لتصبح السيادة ملكا للشعب- ممثلا في برلمان أنشأه أتاتورك- وحطم كثيرًا من المحرمات في سبيل تحرير العقل التركي واكسابه الثقة للانضمام للدول المتقدمة- حرر القضاء من احكام الفقهاء ليصبح القضاء مستقلا وبالفعل جعل كلاً من الحكومة والتعليم علمانيين- لفصل الدين عن الدولة- لترسيخ القيم العقلانية التي فيها مصلحة البشر وليصبح العلم محورا لحركة السلطة الوليدة واعطي للمرأة حقوقا متساوية مع الرجل- وإكراما للرجل منحه البرلمان التركي لقب أتاتورك (بمعني ابو الأتراك). وطبعا لا أعلم رأي الدكتور في هذه الإصلاحات لأية أمة قديما وحديثا. ولنرجع للثاني صاحب الفكر الشاذ الشيخ/علي عبد الرازق برأي الدكتور فيقول عن الشيخ انه بعد ثورة اتاتورك بعام واحد أصدر كتابه (الإسلام وأصول الحكم ) الذي ينفي فيه وجود علاقة بين الدولة والسياسة وبين الإسلام - ولا دخل للاسلام بصور الحكم وفلسفتها ( جمهورية- راس مالية- اشتراكية- بلشفية- ديمقراطية..... الخ)- وزعم الشيخ ايضا ان الخليفة عند المسلمين يقوم في منصبه مقام الرسول- صلي الله عليه وسلم- فولايته كولاية الله تعالي، وولاية الرسول- صلي الله عليه وسلم- بل لقد رفعوه فوق صف البشر ووضعوه من مقام العزة الإلهية. (وحيث يصف سيادته النظام السياسي الإسلامي بأنه يمثل ابداعا اسلاميا غير مسبوق في تاريخ انظمة الحكم) علي من طبق هذا الابداع في انظمة الحكم ألم تدلنا يادكتور لأننا نعرف وانك سيد من يعلم نتاج الغزو او الفتح العربي لمصر علي المصريين ليدلنا سيادته علي اي ثقافة اوحضارة نقلوها إلينا بعد حكم دام مايزيد علي أحد عشر قرنا من الزمان من عمروبن العاص حتي محمد علي باشا. واسأل نفسي لينعكس سؤالي علي كل مصري يفكر في مصلحة هذا الوطن ماذا لو لم يأت محمد علي باشا باني مصر الحديثة عام 1805 ليرسي أساس مصر دولة مدنية (والغريب انها مازالت تصارع للحفاظ علي مدنيتها حتي في عصرنا- واسألوا د. عمارة) وأسأل نفسي لينعكس سؤالي علي كل من يفكر في مصلحة الدول الإسلامية بافتراض لو لم يأت اتاتورك بثورته الإصلاحية في تركيا واستمرت دولة دينية ( كما يرغب الدكتور) كانت ستستمر تركيا رجل أوروبا المريض علي حالها. أعود وأرجو سيادته ان يتصفح الصفحات السوداء عن أحوال المصريين من دفتر الوطن خلال حكم العرب لمصر كولاية من الولايات الإسلامية وسأستشهد بمثالين فقط لضيق المساحة المتاحة لسرد تاريخ : اولا : لنري من اول القصيدة .... الي اي مدي كانت تحاك المؤامرات وتراق الدماء باسم الدين حتي خيانة العهود لتبادل المصالح- وليس بجديد ان نعرف تآمر معاوية مع عمروبن العاص في خدعة التحكيم علي علي بن ابي طالب وكانت مكافأة عمرو ولايته علي مصر. وأخاف ان تصاب بالنكد والغم وارتفاع ضغط الدم عندما تعرف اسلوب النهب وسفك الدماء الذي اتبعه عمرو لتجريد المصريين من املاكهم ( كنوزهم ) كان يأتي بالمصري تحت ظلال سيوف حراسه- ويسأله أين كنزك- فاذا أنكر- أرسل حراسه للتفتيش- فاذا وجدوا كنزًا- صادره عمرو غنيمة من الأموال السحط التي كان يكتنزها- وفي نفس الوقت يطيح بسيفه رأس المصري سافكا دمه- أي شريعة تلك التي تحكي عن مأساة المصريين تحت سطوة الحكم باسم الدين دعنا من نظام النهب الذي فرضه معاوية عندما ازاد الجزية 50 % علي المصريين حتي علي من اسلم بدعوي ان مصر فتحت عنوة لا صلحا، للمزيد تفصيلا ارجع الي كتاب " المجتمع في مصر الإسلامية " مكتبة الاسرة الجزء الاول د. هويدا عبد العظيم رمضان . ثانيا : لا يفوتنا في هذا المجال كوارث من سمي نفسه بالحاكم بامر الله من الفاطميين الذي ادعي الربوبية من دون الله تعالي حيث كان يطلب من الرعية اذا مر في الطرقات ان يسجد له المصريون ويناجونه ويقولون يامحيي يامميت ومن لم يفعل يضرب بالسيف عنقه- واحكي يا تاريخ هذا المخبول مات مقتولا . ولماذا نذهب بعيدًا الي كل المعممين ومثقفي الاسلام السياسي ومنظري الجماعة المحظورة وكل من في ركبهم من المنادين بمصر دولة دينية وكأنهم من كوكب آخر ولم يعانوا ما عاناه المصريون من قهر تحت الحكم باسم الدين، يا سادة في عصرنا دلونا علي دولة اسلامية واحدة حققت العدل او التقدم باسم الدين. وأنهي ردي علي د. عمارة بكلمات أتاتورك : "يجب ان نبرهن للعالم اننا امة راقية كبيرة ولن يتحقق ذلك الا اذا انفصلنا عن ماضينا المتعفن لتكون دولتنا جمهورية (مدنية) لا دولة دينية ". حقا لنتقدم فإنه من المحتم ان يتحرر العقل من ظلمة الأحكام المطلقة من المتدينين الذين يدعون ملكيتهم للحقيقة المطلقة ليهرب الأحرار من الأحكام بجز الرءوس باسم الدين ليكون الدين لله والوطن للجميع.