التقدم ليس هو المخترعات التي ننام ونصحوا لنجدها بين أيدينا لتصبح أحد مفردات حياتنا اليومية. المخترعات أثر دال علي التقدم وليس التقدم نفسه، أما التقدم فهو حالة الوهج المقيم بصفة دائمة في عقول من قدموا هذه المخترعات. بقدر ما نري في هذه المخترعات من إعجاز كأن تحمل محتويات مكتبة كاملة في جيبك بقدر ما أصبحت عليه تلك العقول من قوة وأيضًا من اختلاف علينا أن نفترضه ونحسب له ألف حساب. نحن نستخدم الحاسب الآلي والكاميرا الرقمية وندخل كهف الأشعة المقطعية ونخرج منها بعد تحول أجسادنا إلي شرائح مصورة.... الخ ويتحدد تقديرنا لتلك الأشياء بحدود الخدمات التي نحصل عليها منها والقيمة المادية التي ندفعها فيها ولكن كل هذا لا يمثل شيئًا ذي بال بالقياس مع العقول التي أبدعتها والتركيبة السياسية والمالية والإدارية والاجتماعية التي أنتجتها فهذه العقول ليست محدودة بتلك المخترعات ولكنها شاسعة في اتساعها في قوتها في تنوع اهتماماتها في ديناميكيتها في إدراكها لكل دقائق الحياة في تنظيمها، في تكامل أنشطتها في منطقيتها التي لا يقف دين أو عُرف أو تقليد أمام تسلسلها في القدرة الكامنة فيها والقادرة علي تقديم الجديد من الإختراعات. مقدمة رأيتها ضرورية لنضع في اعتبارنا أن السياسية لابد أن تكون هي الأخري قد نالها من الحب جانب. علي سبيل المثال لا أحد ينكر أن المؤامرات هي أحد أدوات السياسة وهي معروفة لنا جميعًا ومحل مراقبة من السياسيين وغالبًا ما يأخذون الإحتياطات اللازمة لاتقائها والتقليل من أثارها الضارة. نظرية المؤامرة المؤامرة تقوم علي استخدام المعطيات القائمة لتحقيق هدف ما لكن الجديد الآن هو قيام صناعة جديدة هي صناعة المعطيات ألتي تصمم وتفصل تفصيلا علي مقاس الدول ومنها أن تلعب في خصائص الدول ديمجرافيًا مثلا، أو عقائديًا، أو ثقافيًا، أو صحيًا، وما كان مستحيلا من مائة سنة أو حتي عشرين سنة لم يعد كذلك الآن، من مائة سنة لم يكن باستطاعتك أن تتحدث إلي نفس الكتل البشرية التي تتحدث إليها الآن ولا يمكن أن تلتقي بها بنفس السرعة أو تعرض عليها نمط حياتك أو حياة غيرك، باختصار شديد توافرت الآن من الأدوات والإمكانيات ما يمكن الإنسان من فعل ما كان مستحيلا من قبل، إذا كانت غنية تفقرها وإذا كانت متماسكة تفككها وإذا كانت بسبيلها لأن تتقدم توقف أو تؤخر تقدمها. أسلوب جديد فيه من التخيل الكثير ويعتمد علي صنع النماذج المستقبلية باستخدام الحاسب الآلي وغيره من الأدوات التي أصبحت في متناول يد تلك العقول شاسعة الاتساع بالغة التنوع. دولة إسرائيل نفسها هي منتج من منتجات تلك الصناعة فكلنا يعرف أنها كانت مجرد فكرة (طقت) في رأس تيودور هرتزل في نهاية القرن التاسع عشر وتحولت من فكرة إلي دولة في منتصف القرن العشرين، في نهايته أصبحت دولة نووية وتملك من أسلحة الدمار الشامل وغير الشامل مالا تمتلكه أي دولة من جيرانها بل ولا تمتلكه إلا الدول العظمي في عالمنا المختل عقليا وتركب وتهز رجليها علي أكبر قوة في عالمنا المعاصر وذلك من خلال الصناعة الجديدة (صناعة المعطيات). صناعة المعطيات تختلف عن المؤامرة من حيث انها لا يشعر بها إلا النخبة، يعجز العامة عن تصور وجود من يقومون بها إذا ما حاولت النخبة التنبيه لوجودها، لا سبيل للتخفيف من آثارها فهي غالبًا ما تأخذ واحدًا من الخطوط العريضة التي تعمل مخابرات الدول علي تحقيقها، كما أنها تأخذ وقتًا طويلا حتي تقوم الخميرة بمفعولها فيما يختص بنمو البكتيريا وتكاثرها، آثارها لا تظهر فجأة، ليست بالحدة التي تخيف الناس وتدفعهم لمقاومتها، التغير الناجم عنها يعتاده الناس تدريجيًا، يحاولون التواؤم معه وقبوله وسط سخط النخبة الذي سيبدو في وقت ما مضحكًا وليس ذا موضوع . وصناعة المعطيات تقوم إما علي مساعدة بكتيريا موجودة أصلا وفي حالة كمون فتمدها بأسباب الحياة والتكاثر أو دفع أنواع جديدة من البكتيريا المصنعة في حضانات خارجية. فإذا كانت تجارة المخدرات موجودة في بلد كمصر من سنوات طويلة فإن قيام عنصر خارجي بتنشيطها وتقويتها بمدها بالمال والمعلومات لن يلفت نظر أحد وسيلعب دورًا أكبر في إهدار ثروة هذه البلد وانهاك اقتصادها وإفساد شبابها. الأمن القومي وإذا كان في بلد كمصر جماعة كجماعة الإخوان المسلمين تخلط الدين بالسياسة وتخلط السياسة بالدم وتعتقد أنها فقط من يملك القدرة علي حل مشاكل ليس مصر وحدها وإنما العالم بأثره وإذا كانت تؤمن بوحدة العالم الإسلامي وبالتالي لا تري في سلامة أراضي مصر ما يستوجب الدفاع عنها أو عمل حساب لها إلي درجة أن رئيسها (مرشدها) يقول طظ في مصر بما يؤثر علي حمية الناس في حماية أمنهم القومي فإن مساعدة مثل هذه الجماعة بالريموت كنترول سيؤدي إلي المساهمة في صنع المعطيات الجديدة التي يريدونها فلماذا لا يقدمون لها الأموال والسلاح والمعلومات مباشرة أو من خلال طرف آخر ويدافعون عن وجودها من خلال ما يسمي بجماعات حقوق الإنسان وما يسمي بالدفاع عن الديمقراطية والتنديد بتزوير الانتخابات ؟ الأصولية الإسلامية والقبطية لها وجود من زمن بعيد بالنسب الآمنة وفي الحدود الطبيعية، تآكلت بعد ثورة 19 وتهافتت في السنوات التالية لها بسبب الديمقراطية التي سادت والنهضة الثقافية والاقتصادية والفنية التي اكتسحتها فإذا ما قام صناع المعطيات الجديدة بتشجيعها ومد يد العون الإعلامي والمادي لها والمساعدة في صنع أحداث تحركها فسوف يتم الحصول منها علي أعظم النتائج وهو ما حدث ويحدث الآن. صناعة المعطيات الجديدة هي صناعة النفَس الطويل، والبث غير المباشر هي الشر الناعم هي الإستخدام الأمثل للمال والإعلام والمخترعات الحديثة كالنت والفضائيات وأجهزة الحاسب وحسابات البنوك، والفيزا كارد، والإحصاء، والدراسات النفسية لحركة الكتل البشرية وكيفية توجيهها والسيطرة عليها والتأثير فيها والهدف تقويض الدول وهدمها فوق رؤوس ساكنيها. ومن نتائجها أن يستيقظ الإنسان ليجد نفسه يقول كلامًا عمره ما قاله من قبل أو ليجد نفسه في أرض أخري.. لاجئ (فلسطين) مواطن في دولة جديدة (جنوب السودان) في حي بينه وبين الحي الآخر متاريس (لبنان) مواطن في إمارة جديدة (غزة) يمسك سلاحًا ويوجهه إلي جاره (الصومال) والكل يتحول إلي مفعول به، والسؤال هو هل حدث أن وجد مفعول به بلا فاعل؟ وإذا سلمنا باستحالة ذلك كبديهية لماذا نصر علي أن نري يد الفاعل القذرة وهي تعبث في غرفة الآلات لتوقف سير السفينة أو لتغرقها كدليل علي وجوده ؟ أليست هذه بلاهة في عصر الريموت والشرائح التي تلصق بالفرد والأشياء ليتم تفجيرها عن بعد ولا من شاف ولا من دري، ناهيك عن الطائرات الشبح،والطائرات بدون طيار،والنسور، والقروش الموجهة ؟