في 11 فبرايرالقادم يحتفي عشاق الكلمة الرصينة الوطنية الأصيلة المسئولة مهنياً في بلاط صاحبة الجلالة بمناسبة مرور84 عاماً علي ميلاد الكاتب الصحفي الكبير والمفكر الموسوعي الراحل أحمد بهاء الدين..وعلي مدي أكثر من خمسين عاماُ كان كاتباُ ورئيس تحرير ورئيس مجلس ادارة بالعديد من المؤسسات الصحفية المصرية منها الفصول ، روزاليوسف ، صباح الخير، الشعب ، اخبار اليوم ، دار الهلال والاهرام كما شغل منصب نقيب الصحفيين وأمين عام اتحاد الصحفيين العرب لدورات متعددة. وفي النطاق العربي كان رئيساً لتحرير مجلة العربي الكويتية بجانب كتاباته في العديد من المجلات العربية وقد حصل خلال هذه الفترة علي العديد من الأوسمة المصرية والعربية والعالمية ، وقد ترك لنا أحمد بهاءالدين اكثر من 34 كتابًا.. كل صناعة وبدرانها في مقال شهير للكاتب الصحفي أحمد بهاء الدين بجريدة الأهرام نُشر بتاريخ 9/4/1978 تحت عنوان " قنبلة الدكتور بدران والحملة المدبرة علي القطاع العام " أشار فيه لإعلان الدكتور إبراهيم بدران وزير الصحة آنذاك أن بعض مستوردي الأدوية من ضعاف النفوس حاولوا رشوته ثلاث مرات ، وأنهم استخدموا التزوير في الحصول علي مكاسب بلغت ثمانية ملايين جنيه ، وأنه قرر إحالتهم للنيابة ، وأضاف الوزير أن المستوردين يكسبون مليون جنيه في الصفقة الواحدة باللجوء إلي التزوير في مقابل مائة ألف جنيه لو التزم بنسب الربح المحددة .. ويستعرض الكاتب الفذ بحرفيته الصحفية المعهودة مشاكل القطاع العام في تلك الفترة وكذلك أحوال القطاع الخاص .. وينهي مقاله قائلاً " نتمني من الله أن تجد كل صناعة عامة أو خاصة " بدرانها " كما وجدته صناعة الدواء ". ولعل ما جعلني أتذكر فحوي ذلك المقال ما أكد عليه الرئيس مبارك في الفترة الأخيرة حول الصناعة المصرية ، وكيف أنها عرفت طريقها إلي مختلف الأسواق العالمية ، وأنه علينا تطوير سياساتنا النقدية والجمركية والضريبية وتفعيل برامج تحديث الصناعة المصرية. وأري أن الصناعة في أي بلد يسعي للتقدم لها ظروفنا يتمثل في التطبيقات التقنية لتلبية احتياجات مواطنيها وتطوير أدواتهم وآلياتهم لتحقيق القدر المأمول من الإنتاجية والأداء الطيب ، وعليه أري أن علي الحكومة أن تبادر بإيجاد آليات لزيادة الطلب علي البحث العلمي وتكثيف النشاط المعرفي وتطوير وتحديث ما هو قائم.. لم نعد نحتمل ونحن دولة نامية ترف زيادة نوعية الحوافز الحالية المتمثلة في الإعفاءات الضريبية وغيرها أو حتي الإبقاء عليها للاستثمار في المشاريع الصناعية ،والتي رغم العمل بها تحدث خسائر وإنما فقط المطلوب ، وكما ذكر الرئيس وأكد عليه ضرورة العمل علي ضرورة تطوير السياسات والآليات المنظمة للأداء.. وإذا كان لا ضرورة لكل الامتيازات المادية التي تُمنح للمستثمرين (رغم اختلاف نوعيات وأنشطة الاستثمار وبدرجة تحفيز واحدة !!) ، ففي المقابل علينا تهيئة كل الظروف للكسب والربح ، وتعظيم قدراتنا الإبداعية والتطويرية ، وعندها ماذا يضير المستثمر من أداء كل المستحقات الجمركية والضريبية والنقدية ..الخ ، ولعلنا نلاحظ العديد من المستثمرين الأجانب وفي نوعيات عديدة من الإنتاج يقع اختيارهم علي مصر لإقامة العديد من مشاريعهم نظراً لإمكانية التنفيذ بتكلفة قد تقل 25% لو نفذوها في دول أو مناطق أخري في العالم.. تاريخ الصناعة المصرية لقد مرت الصناعة المصرية بمرحلتين لهما إنجازات وأيضاً سلبيات .. في الأولي والتي امتدت منذ قيام ثورة يوليو 1952 وحتي عام 1974 تم إنشاء نحو ألف مصنع وعليها تم إرساء قاعدة الصناعة الثقيلة .. وكان القطاع العام .. لكن ومع بداية الستينات كانت قرارات التأميم وتطبيقها بشكل عشوائي وغير مدروس ، وكان ينبغي أن نحرص علي الحفاظ علي الكيانات الصغيرة نسبياً وتنميتها ودفعها لتلعب دورها المكمل والمهم للمؤسسات الكبيرة. ثم مرحلة تالية في العقود الأخيرة ترفع الحكومة شعارات الانفتاح وإعمال آليات السوق وهو اتجاه محمود وطرح تأخرنا كثيراً في العمل به رغم أنه لا بديل عنه للتعامل مع المتغيرات العالمية وظروف العولمة .. إلا أن تلك المرحلة واكبتها عمليات الخصخصة وأيضاً بعائد سلبي .. وكان الأولي بنا وخاصة في المؤسسات القابلة للنجاح وتحقيق النمو أن ندعمها بوحدات وخطوط إنتاج وخبرات بشرية. وهكذا نري أننا خسرنا الكثير في تطبيق قراري التأميم والخصخصة ، فإذا أضفنا ما واكب ذلك من غياب الشفافية ونقص المعلومات وإتاحة الثغرات للمفسدين من قناصي سلبيات أزمنة التحول وتغيير نظم الأداء وتعديل التشريعات واللوائح التنفيذية المنظمة لها ، فالأمر يستحق من الأجهزة المعنية بذل المزيد من الجهود للدراسة والتدقيق في التشريع والتطبيق وخصوصا في التوجه الجديد نحو " إدارة الأصول المملوكة للدولة".. اختراع الترانزستور وفي قراءة أخري لتاريخ الاستثمار في مجال الصناعة يري الدكتور ابراهيم عبد المطلب في تقييمه للبرنامج الصناعي في مصر ، أن سبب فشل تجربة عبد الناصر الصناعية هو عدم تمكنه من استشراف تأثير حدث وقع في أمريكا في عام 1948 علي الصناعة في المستقبل. لو أدرك عبد الناصر أهمية هذا الحدث لكانت مصر الآن في وضع أفضل من وضع كوريا الجنوبية. في عام 1948 أعلن العلماء براتن وباردين و شوكلي (Walter Houser Brattain, John Bardeen, and William Bradford Shockley ) اختراع الترانزستور. في عام 1952 أصبح واضحاً أن هذه الصناعة سوف تغير وجه العالم. لم يدرك عبد الناصر أهمية هذه الصناعة وتعامل القائمون علي الصناعة كقطعة غيار في ماكينة. لذلك كان التعامل مع هذه الصناعة هو استيراد هذه القطع من الخارج وتجميعها لتصنيع أجهزة إلكترونية. تم إنشاء شركات تجميع إلكترونية مثل شركة بنها للإلكترونيات أو شركة النصر واقتصر عملهم علي تجميع أجهزة مثل التليفزيون أو التليفون.. ويضيف : إن الفشل في إدراك أثر الصناعة الإلكترونية في مستقبل المشروع الصناعي المصري أصاب الصناعة المصرية بطعنتين قاتلتين. الأولي هو عدم القدرة علي تصميم وتصنيع منتجات حديثة متطورة ذات قدرة تنافسية (competitive innovative products). الثاني هو عدم القدرة علي تصنيع خطوط إنتاج بالقدرات المحلية والتي كانت لازمة للقيام بعملية الإحلال والتجديد للمصانع بتكلفة تنافسية وبالسرعة المطلوبة لزيادة رقعة السوق. كلنا يعلم أن معظم الربح أو الثروة العائدة إلي البلد تأتي من القيمة المضافة للسلعة. لكن معظم المصريين، بما فيهم صناع القرار، لا يدركون أن عجز البلد عن إضافة هذه القيمة سببه عدم وجود صناعات إلكترونية حقيقية لكي نتمكن من تصميم أنواع جديدة من المنتجات أو تصميم وإنتاج خطوط إنتاج ذات كفاءة إنتاجية عالية يمكن بها أن ننافس الخارج. هذا يوضح مدي الهوة التي سقطت فيها البلد والتي لا يمكن لها الخروج منها مهما حاول وزراء الصناعة أن يقنعونا بغير ذلك. والآن ونحن نتابع تنفيذ برنامج الرئيس الانتخابي ، ووعده بإنشاء 1000 مصنع ، وتصريحات وزير الصناعة بتجاوز وزارته الإنشاء الفعلي لهذا العدد ، نأمل ألا يطرق بابها أشاوسة الفساد ، ونردد ما قاله أحمد بهاء الدين منذ ما يزيد علي ربع قرن (هل تجد كل صناعة مصرية " بدرانها " !!