الجريمة البشعة التي وقعت في الإسكندرية أمام كنيسة القديسين والجريمة الدنيئة التي حدثت قبلها في نجع حمادي لهي أمر مؤسف حقا، فهي جريمة جعلت الحزن العميق يدخلنا ويحتلنا، حزن وأسي علي الحالة المزرية التي وصلنا إليها ووصلنا مصر إليها، والتي جعلت من السهل دخول جرائم ضد الإنسانية، جرائم ضد الإنسان المصري، جرائم ضد مصر نفسها، في ظل غياب القانون الحازم والعقاب الرادع لكل من تسول له نفسه الاستهانة بدم الآدمي، إن ما حدث لهو دليل علي سيادة الجهل علي النور، و سيادة الكراهية علي المحبة، وسيادة التعصب علي التسامح، وسيادة العنف علي الحوار، وسيادة " قلة " تتحكم في مقدرات البلد وتغييب وسحق الأكثرية فقرا وكبتا هذه الأكثرية التي تعيش حبا وتتنفس تعاونا، إن مرتكب هذه الجرائم البشعة لا دين له، ولا ضمير له، ولا وطن له، ويجب أن يكون عقابه قاسيا لاستهانته بدم الإنسان الذي خلقه الله، ولخيانته لتراب الوطن الذي يحملنا أحياء ويحفظ عظامنا حين نموت بإذن الله، إن التهاون في عقاب المعتدين المجرمين الآثمين لهو اعتداء علي كل الوطن وهو اعتداء علي كل المصريين، وهو دعوة صريحة لارتكاب المزيد من الجرائم ولزيادة مساحة العنف، و توسيع ساحة الكراهية بين الأشقاء في الوطن الواحد، إنني أعرف أن احتمالات وجود أيد خفية خارجية تقف وراء الحادث احتمالات كبيرة ولقد وقع شكي أول ما وقع علي إسرائيل التي لقنتها أجهزة الأمن المصرية درسا قاسيا حين كشفت عن شبكة التجسس الخسيسة التابعة لها، وشيء طبيعي أن تحاول إسرائيل- خائنة العهود والمواثيق - الرد في صمت، وبنفس الطريقة الخبيثة حيث تقف هي بعيدا تتفرج، ومن السهل أن ترسل عناصرها للتنفيذ أو لإعطاء الأوامر " لخونة " لا نعرف عنهم شيئا وطرق دخول البلد كثيرة فهناك احتفال هذه الأيام بمولد " أبو حصيرة " والسياحة باب واسع يدخل منه من شاء متي شاء، ويمكن أن يكون تنظيم القاعدة هو المسئول عن تخطيط وتنفيذ الحادث، هذا التنظيم الذي يرتكب جرائم في حق البشرية أخس من جرائم إسرائيل دون سند من دين أو ركيزة من قانون أو متكأ من عرف، ولا يبعد أن يكون تنظيم القاعدة شريكا لإسرائيل أو ذراعا من أذرعها الدنيئة الشيطانية ، ويمكن أن يكون مدبر الحادث أحد أبناء مصر العاقّين الذين خانوا العهد وخانوا العشرة وخانوا العيش والملح وللأسف فمواقع الإرهاب علي الانترنت تنشر دعوات الكراهية كما تنشر طرق تنفيذ العمليات الإرهابية وكيفية تجهيز العبوات الناسفة كل هذا وارد ولكن المسئولية الكبري تقع علي عاتقنا نحن وعلي عاتق الدولة ومؤسساتها، فتنفيذ القانون بشكل رادع وحاسم كافٍ لمنع مثل هذه الجرائم، ولكن جريمة نجع حمادي ما زالت في ساحات القضاء تؤجل يوما بعد يوم الأمر الذي يمكن أن يستنتج منه المجرمون أن الحكومة تريد " تنويم " الموضوع ونسيانه وركنه علي الرف لتتصرف هي كيف تشاء؟ ألا يمثل هذا التنويم دعوة لارتكاب المزيد من الجرائم؟ حين نقبض علي جاسوس هل يصح أن نبقيه دون عقاب؟ ليكون أمن مصر عرضة للمفاوضات والمساومات والصفقات التجارية وغير التجارية؟ حين نترك مواقع وقنوات نشر السموم وزراعة الموت ألا نكون مشاركين لها في جرائمها؟ حين نقتل الحرية ونصادر الإبداع ونمنع الفكر الحر المستنير ألا يعتبر هذا انتصارا للظلام والظلم ومساعدة في نشر الإرهاب. مشروع ثقافي لقد دعا د/ أحمد مجاهد - رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة - إلي أن يكون ملف الوحدة الوطنية هو المشروع الثقافي للهيئة وأنا أتفق معه، كما اتفق معه عدد كبير من مثقفي ومبدعي ومصر ولكن دعوتنا الآن هي أن يكون ملف الوحدة الوطنية هو المشروع الثقافي لمصر. لجنة الثقافة الدينية لقد أعلن وزير الثقافة أنه سينشئ لجنة جديدة خاصة بالثقافة الدينية تضاف إلي لجان المجلس الأعلي للثقافة، وقد رأيت قراره خطوة باتجاه نشر ثقافة التسامح وتعميق المحبة ونشر الوعي العميق والفهم الصحيح لمبادئ الأديان من خلال مفكرين ومثقفين وعلماء علي قدر من المسئولية ولكن تنفيذ القرار تأخر كثيرا، إلا أن الوزير الفنان فاروق حسني فاجأنا في لقائه مع أدباء مصر في مؤتمرهم الخامس والعشرين أنه عدل عن قراره نتيجة رفض بعض المثقفين له، وتوهمهم أن اللجنة الدينية سوف تعني أن يكون الدين هو الحاكم وهو المرجعية لهذا البلد، وأنا لا أعرف من هم هؤلاء المثقفين الذين رفضوا الفكرة حتي يمكننا مناقشتهم والحوار معهم، كما لا أتصور أن يجعل الوزير بعض المثقفين ممثلين غيابيا عن كل مثقفي مصر، فأولا : عندما نقول " اللجنة الدينية " لم نحدد دينا بعينه فلم يقل الوزير لجنة الثقافة الدينية الإسلامية أو لجنة الثقافة الدينية المسيحية هي فقط " لجنة ثقافة دينية " مثل اللجنة الخاصة بالفلسفة أو الشعر فهل هذا معناه أن الفلسفة هي التي تتحكم في المثقفين أو أن الفلاسفة هم الذين سيديرون شئون مصر؟، هذا فهم بعيد وغريب، ومن وجهة نظري الشخصية أرجو ألا يعين في اللجنة " موظفون " ممثلون للأديان، لأن من طبيعة الموظفين ألا يخرجوا عن الخطوط المسموح لهم بها أو التي يتخيلون ويتوهمون أنها هي المسموح به فقط وأيضا فهم لا يخرجون في رؤاهم عن الأفكار الجاهزة والأحكام المسبقة، أنا مع فكرة إنشاء لجنة خاصة بالثقافة الدينية علي أن يرَشحَ لها مثقفون ومفكرون ومتخصصون نابهون يمتلكون وعيا وفكرا قادرا علي التجديد مستوعبا للقديم رحبا بحيث يتسع لقبول كل الآراء وتلقي كل التيارات ومواجهة كافة الأخطار الفكرية المحدقة بمصر، وأرجو أن يكون هناك برنامج عمل واضح المعالم لهذه اللجنة وألا يقتصر عملها علي عقد جلسات روتينية أو اللقاء في نهاية كل عام للتصويت علي الجوائز أقول للوزير الفنان " فاروق حسني " : المثقفون الذين يملكون الفرصة والذين يتاح لهم الوقت للجلوس والحديث معك ليسوا هم كل مثقفي مصر فخريطة مصر الثقافية أكبر حجما ومثقفوها أكثر عددا، أرجو يا سيادة الوزير أن تتكرم وتعيد دراسة فكرة لجنة الثقافة الدينية بالمجلس الأعلي للثقافة، كما أرجو طباعة الكتب أو إعادة طباعة الكتب الداعية للتسامح الباعثة علي النهضة المحرضة علي الحب المشجعة علي التعاون المعمقة لحب الوطن الداعمة للانتماء المرشدة لمعني المواطنة في وطن حديث يكافح التخلف ويحارب الجهل ويقاوم السيطرة الاستعمارية بجميع صورها وشتي ألوانها ويناضل للقضاء علي الفساد ويجاهد نار الإرهاب بنور المعرفة وقبح الجمود بجمال التطور.