إن بيت الهراوي من البيوت الأثرية العظيمة التي تشهد علي روعة العمارة الإسلامية وباستقرار تجربة بيت العود به، أصبح نبعا رائقا لعاشقي الآثار الإسلامية ومتذوقي الموسيقي الشرقية الأصيلة، وقد تحول البيت من مجرد اثر يعبر عن العمارة الإسلامية إلي اثر تعج بين أرجائه موسيقي شرقية عريقة، وكأن هذه التجربة قد أعادت الروح والحياة لسكان هذا البيت، فتتغني بموسيقاهم وتضيف إلي إبداعاتهم. فالفنان والموسيقار نصير شمة مؤسس مشروع بيت العود دؤوب علي حفظ تراث الموسيقي الشرقية ويطور من نغماتها ومن آلة العود التي تُعد سيدا علي الآلات الموسيقية الشرقية، والتي يرجع تاريخها إلي آلاف السنين قبل الميلاد، ويسعي الفنان نصير لابتكار آلات شرقية جديدة، في حين توجد بعض الآراء التي تتحدث عن سلبيات استخدام البيوت الأثرية كمراكز ثقافية، ومنها علي سبيل المثال ما نُشر من تحذير من استخدام البيوت الأثرية بطريقة غير مناسبة تؤدي إلي إلحاق الضرر بها، واقتراح البعض وضع محاذير وضوابط لاستخدام الآثار والحفاظ عليها، وهنا نختص في حديثنا ببيت الهراوي، ولكي نتأكد من حقيقة الأمر طرحنا تساؤلاتنا التي تنبع من حرصنا علي حفظ كل من تراثنا الأثري والموسيقي معاً. تجربة بيت العود يقول الفنان نصير شمة انه وقع اختياره علي بيت الهراوي ليكون مقرا لبيت العود، لأنه أثناء عزفه أكثر من مرة في هذا البيت قبل أن يكون مقرا لبيت العود أدرك أهمية هذا المكان لكونه بهذه العراقة، وامتيازه بوجوده ضمن منطقة القاهرة الفاطمية التي بُنيت من الخشب وهذا يعطي للصوت بعدا عميقا ومتميزا، وعندما خُير بين مناطق عديدة أثرية ليكون مقرا لبيت العود كان اختياره لبيت الهراوي نظرا لمساحته التي تسع جمهورا لا بأس به وعدد القاعات والغرف التي تسع عدد الطلبة المصريين والآخرين الذين يفيدون إلي مصر من باقي الدول، ومنهم طلبة يتوافدون إلي مصر فقط لهدف الدراسة في بيت العود، ويري الفنان نصير أن هذا المكان له اثر كبير في نجاح التجربة، وانه يربط الجيل الجديد بالقديم ويمنح الأمكنة الأثرية الروح المعاصرة دون أن يمس المنطقة بأي ضرر. ويضيف حسن جمال مفتش الآثار ببيت الهراوي: إنه توجد ضوابط لاستخدام البيت والحفاظ عليه كأثر، وانه في حالة أثرية جيدة ليستوعب بداخله النشاطات الثقافية وطلاب بيت العود، حيث تم الانتهاء من ترميم البيت ماعدا حجرتي المطبخ ودورة المياه، وهناك دراسة خاصة بترميمهما وهما في خطة التنفيذ، كما توجد بالدور العلوي سقالات وصلبات معدنية لتنظيف ودعم الأسقف، مع المتابعة المستمرة لصيانة البيت، ومنها مؤخرا انه تم إعادة صيانة المشربيات واستكمال الأجزاء المفقودة منها. ويضيف الفنان نصير انه يتم بالبيت تدريس العزف علي آلات موسيقية شرقية ومنها آلة البُزُق وهي آلة وترية شرقية يرجع تاريخها لآلاف السنين، وفي ديسمبر من هذا العام سيتخرج في بيت العود أول دارسين لآلة البُزُق في مصر، ويفيد بأنه تم اختيار آلة عود الكونتارباص لتنفيذه بشكل يختلف عن العود الذي تم عمله في بيروت، والذي قام بصنعه الفنان عمرو فوزي خريج بيت العود. وفي إسهام الفنان نصير في تطوير آلات التراث الشرقية يصرح بأنه تم صناعة آلات جديدة سيتم تقديمها في الذكري السنوية الثالثة عشرة لبيت العود ومن ضمنها آله ابتكرها بنفسه وقد انتهي من دراستها وسيتم تنفيذها وهي عود القوس حيث يستخدم القوس في العزف علي العود، وسيقدم أيضا آلة العود الباص وآلات أخري جديدة. ويؤكد الفنان نصير انه إلي جانب دراسة الآلات الشرقية في بيت العود يهتم بتحويل صناعة العود إلي علم صناعة مكتمل الأركان يدرس بشكل أكاديمي للطلبة وان يكون التنفيذ بأعلي المواصفات، وبعد أربعة عشر عاما من تدريسه لعلم الصناعة توصل الفنان نصير إلي وضع قياسات لعود مثالي طبقا للمقاييس العلمية مع الأخذ في الاعتبار أن المنفذين من دول مختلفة، وأيضا سيتم تدريس تقنيات علم الصوت. الإبداع الفني والوضع الأثري للبيت يؤكد الأثري حسن علي حرص المجلس الأعلي للآثار علي الحفاظ المستمر علي ايجابيات تحول البيت لمركز إبداع فني ومقر لبيت العود، وذلك لوجود الصيانة والمتابعة المستمرة بالبيت فلا تقام أية حفلة إلا أن تكون تحت إشراف مكتب المتابعة المُكلف من المجلس ، وتُمنع الزيارات وقت إقامة الحفلات حتي لا يزدحم البيت بالزائرين، وهناك عدد محدد لاستقبال الجماهير وهو 150 فردا وعند استكمال العدد يتم إغلاق الباب، وما يؤكد ذلك ما حدث أثناء العرض السوري الحاصل علي المركز الأول بحفلة المسرح التجريبي، وفي حين أن العرض المسرحي يتخذ مساحة كبيرة من مساحة البيت، فإنه تم غلق الباب بعد استكمال العدد المطلوب بالرغم من الرغبة الشديدة لعدد كبير من الجمهور في الدخول. ويستكمل أن المكان مُعدّ بوحدة إضاءة مُصرح بها من المجلس الأعلي للآثار، وان الحفلات التي تقام سنويا في رمضان تعد من الحفلات الكبيرة إذ يتم استخدام إضاءة ومكبرات صوت عالية، لذا فهي تقام بالساحة الخارجية خارج بوابة البيت حتي لا تلحق ضررا بالأثر، أما الحفلات التي تقام بداخله فتكون اغلبها حفلات صولو حيث تستخدم بها مكبرات صوت وكشافات إضاءة بسيطة لا تضر بالأثر ومصرح بها من المجلس الأعلي للآثار. ويشير الفنان نصير إلي نشاطات بيت العود وعطائه في الدول الأخري، ففي حفل بعلبك هذا العام قد شارك 30 عازف عود من كل الوطن العربي وجميعهم خريجو بيت العود، وقد لاقي الحفل نجاحا فنيا و جماهيريا هائلاً بالرغم من تخوف البعض من قلة الإقبال فكانت نسبة الحضور بالمسرح تتعدي خمسة وتسعين بالمائة في حين أن المسرح يسع خمسة آلاف شخص، وفيه واصل الفنان نصير ومعه اوركسترا الشرق الحفاظ علي تواصل إبداعات تاريخ الموسيقي الشرقية مع التطوير والإبداع الجديد، حيث تم تقديم مؤلفات للموسيقار منير بشير ومؤلفات للفنان نصير شمة، بالإضافة إلي إعادة ما وضعه الفنان فيلمون وهبي للفنانة الكبيرة فيروز وبتوزيع جديد. وأخيرا يؤكد كل من الفنان نصير والأثري حسن جمال أن تجربة بيت العود قد ملأت المكان بالحيوية، وكان للبيت تأثير قوي في نجاح التجربة التي تساهم في حفظ التراث الموسيقي الشرقي العريق حيث تتم في ظل المتابعة والصيانة المستمرة للبيت، وهذا ما يساعد في تحقيق نجاح حفظ تراثنا المادي وغير المادي ببيت الهراوي.