تشكلت أخيراً وبعد تعطيل تسعة أشهر، دام منذ عقد الانتخابات النيابية في السابع من مارس الماضي، الحكومة العراقية الجديدة برئاسة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي. وكان البرلمان العراقي قد صادق الأسبوع الماضي علي التشكيل الوزاري الجديد لحكومة المالكي رغم عدم اكتمالها حيث لم يتم اختيار 11 وزيراً بعد من بينهم وزراء الدفاع والداخلية والأمن الوطني، وقال المالكي إن قائمة تشكيل حكومته ليست مثالية لأنه تم تشكيلها في ظروف غير عادية. وكانت جلسة مجلس النواب برئاسة أسامة النجيفي قد عقدت بحضور 266 نائباً من أصل 325، ورؤساء الكتل السياسية المختلفة ومن بينهم رئيس المجلس الأعلي الإسلامي عمار الحكيم بالإضافة إلي عدد من رؤساء البعثات الدبلوماسية في العراق. وكانت أهم العقبات أمام تشكيل الحكومة قد تبددت بعد أن وافقت قائمة العراقية علي المشاركة في الحكومة الجديدة بعد التوصل إلي نوع من الصفقة السياسية مع رئيسها إياد علاوي الذي أعلن أنه سينضم للحكومة رئيساً للمجلس الوطني للسياسة الاستراتيجية للإشراف علي السياسة الأمنية والخارجية . وكان الخلاف السياسي بين قائمة العراقية بزعامة علاوي وائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي قد تسبب في الفراغ السياسي الذي شهدته البلاد بعد فوز الكتلة العراقية بزعامة اياد علاوي علي أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الأخيرة (91 نائباً) بفارق بسيط مع ائتلاف دولة القانون (89 نائباً) مما جعل المالكي يلجأ إلي تشكيل تحالف بين ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي (70 نائباً) مما أدي إلي انبثاق الكتلة البرلمانية الأكبر (159 نائباً). وكانت الصفقة السياسة التي أبرمت مؤخراً مع علاوي قد مكنت المالكي من القيام بمهمة تشكيل الحكومة قبل انقضاء المهلة القانونية المكونة من 30 يوماً، والتي كان من المقرر لها أن تنتهي في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، بعد أن كان الرئيس العراقي جلال الطالباني قد كلف المالكي بتشكيل الحكومة في الخامس والعشرين من الشهر الماضي. وهكذا ولدت الحكومة الجديدة في ظل الخلافات الطائفية والعرقية والصفقات السياسية لتصبح حكومة ترضية تسعي إلي تحقيق حكومة وحدة وطنية. ترحيب دولي ولقي تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ترحيباً دولياً وعربياً وإقليمياً واسعاً، وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمصادقة البرلمان العراقي علي الحكومة الجديدة كخطوة لتحقيق التقدم الديمقراطي للعراق كما دعا القادة السياسيين العراقيين إلي العمل علي تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار والاستقرار. ودعت الأممالمتحدة علي لسان الممثل الخاص للأمين العام في العراق، اد ملكيرت، الحكومة العراقية الجديدة إلي العمل من أجل الحفاظ علي أمن المواطنين وحماية الأقليات وعلي الأخص المسيحيين. من ناحية أخري، رحب الرئيس الأمريكي باراك أباما بتشكيل الحكومة العراقية علي أساس الشراكة الوطنية معتبراً ذلك تحدياً لخطر الانقسام الطائفي الذي يهدد البلاد. كما رحبت إيران بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وقال المتحدث باسم الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست "نأمل ان يؤدي تشكيل الحكومة الي تطور العراق في جميع المجالات وانجاز الاستقلال الكامل لهذا البلد ورحيل قوات الاحتلال وان يعود العراق للعب دوره الإيجابي والبناء علي الصعيدين الاقليمي والدولي". التشكيل الوزاري الجديد وأدت الحكومة العراقية الجديدة اليمين الدستورية أمام البرلمان بعد حصولها علي ثقة أغلبية النواب، وأعلن المالكي أن مهمته الأساسية ستكون في الحفاظ علي الدستور العراقي والعمل علي بناء عراق أكثر استقراراً وترسيخ دولة العدالة والقانون. في أول اجتماع لحكومته الجديدة بعد 24 ساعة من تشكيلها، دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وزراءه لأن يعملوا للعراق وليس لأحزابهم وطوائفهم وحذرهم من التمييز بين المواطنين. وعقدت الحكومة العراقية اجتماعها بحضور 32 من وزرائها المعينين من بين 42 وزارة تضمنتها. وأكد المالكي خلال الاجتماع "ضرورة الحفاظ علي الأجواء المهنية والأخوية التي سادت في الحكومة السابقة للعمل بشكل متوازن وبروح الفريق الواحد علي الرغم من أجواء الصخب السياسي"، ودعا المالكي إلي إعادة النظر في النظام الإداري وهيكلية الوزارات لمحاربة الفساد الإداري والحفاظ علي حقوق المواطن. وفي التشكيل الوزاري الجديد حظي نائب وزير النفط عبد الكريم اللعيبي علي منصب وزير البترول، وعين الزعيم السني رافع العيساوي وزيراً للمالية، واحتفظ وزير الخارجية هوشيار زيباري بمنصبه، وعين وزير النفط حسين الشهرستاني في منصب نائب رئيس الوزراء لشئون الطاقة بالإضافة إلي نائبين آخرين لرئيس الوزراء هما وروز نوري شاويس وزير التجارة عن التحالف الكردستاني وصالح المطلك عن الكتلة العراقية. احتجاجات علي التشكيل الوزاري أثار التشكيل الوزاري الجديد احتجاج عدد من الناشطات والنائبات السابقات بسبب خلوه من أي امرأة حتي الآن، وانتقدت النائبة آلاء طالباني في كلمتها باسم نائبات البرلمان الوضع وإسناد حتي وزارة الدولة لشئون المرأة إلي رجل. كما دعت الناشطة النسوية والنائبة عن التحالف الوطني صفية السهيل رئيس الجمهورية والحكومة إلي استحداث ثلاثة مناصب رئاسية ومنحها للمرأة هي مناصب نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء للشئون الانسانية والمرأة ونائب رئيس مجلس السياسات العليا أواحدي الوزارات الأمنية، وأضافت "إن هذه المطالب هي تصحيح لما أصاب المرأة من تهميش واقصاء اعترف به الجميع وهوما لا يتناسب مع حجمها الذي يجب ألا يقل عن نسبة 25 بالمائة في الحكومة الجديدة" مشيرة إلي خرق مواد الدستور رقم 14 و16 و20 التي تكفل حق المرأة في المشاركة في الحياة العامة والسياسية. وأعلن حزب البعث العراقي، جناح عزة الدوري، رفضه الحكومة العراقية الجديدة ووصفها في بيان أنها حكومة الاحتلال الخامسة، ودعا إلي إلغاء العملية السياسية برمتها في العراق. وقال الناطق باسم حزب البعث، الدكتور خضير المرشدي ، إن الحكومة الجديدة هي تعبير عن الواقع الطائفي للعراق وأنها جاءت لتحقيق توازنات سياسية وهمية أكثر من أن تكون نتاج لتفاهم سياسي حقيقي بين الفصائل المختلفة. كما أعلنت "حركة التغيير" الكردية المعارضة التي يتزعمها نيوشروان مصطفي مقاطعتها الحكومة العراقية الجديدة بسبب افتقادها للشراكة الوطنية وتحجيم الاستحقاق الانتخابي للحركة، وتحجيم حق إقليم كردستان في حقائب وزارية تليق بحجمه، وقالت الحركة في بيان "لن تقبل بأي احتكار لإرداة شعب كردستان، لكن ما رأيناه كان تنسيقاً بين بعض الأطراف السياسية في العراق وبين الحزبين الكرديين الحاكمين، في سبيل احتكار إرادة شعب كردستان، إضافة إلي أن الحقائب الوزارية التي كانت مخصصة للمكون الكردستاني لا تتلاءم والحجم السياسي للإقليم". من جهة أخري، وصفت هيئة علماء المسلمين في العراق الحكومة الجديدة بأنها ستكون أضعف الحكومات السابقة التي شكلت بعد الاحتلال وذلك لكثرة رءوسهاوبسبب كثرة الفساد، وتفاقم إهمال وعدم توفير الخدمات الأساسية للشعب وإبقاء عجلة البناء والإعمار، التي تبناها المحتل وأقطاب اللعبة السياسية، تراوح في مكانها، مؤكدة أنها "حكومة ترضية لطرفي المشروع التدميري في العراق، أمريكا وإيران، وللأحزاب والكتل والعناوين السياسية التي استماتت في سبيل الحصول علي فتات الموائد، وللأطراف الدولية وغيرها التي لها مصلحة في تدمير هذا البلد الجريح وإبقائه ضعيفاً". البرنامج الحكومي الجديد وفي عرضه لبرنامج حكومته الجديدة، أكد المالكي أنه سيتم التركيز علي ترسيخ دولة المؤسسات وبناء دولة القانون واتباع الأصول الإدارية والمؤسساتية وفق مبدأ المواطنة واعتبار الوزارات ومؤسسات الدولة ملكاً للشعب وليست هوية لحزب أووزير، واحترام حقوق الإنسان بالشكل الذي يضمن للجميع حرية التعبيرعن معتقداتهم وآرائهم وشعائرهم في ظل القانون. كما أشار البرنامج إلي "نبذ العدوان والإرهاب والتمييز والالتزام ومحاربة الطائفية ومنع أي محاولة للعودة بالبلاد إلي عهود الاستبداد والدكتاتورية والإرهاب والتكفير ومصادرة الآخر، وإدامة العمل لتحقيق أفضل العلاقات مع محيط العراق العربي والإقليمي والدولي والانفتاح علي العالم وحل المشاكل العالقة مع دول الجوار التي خلفها النظام السابق". وأشار المالكي أيضاً إلي ضرورة الحفاظ علي النجاح الأمني الذي حققته الحكومة السابقة في توقيع اتفاق سحب القوات الأمريكية وفق الجدول الزمني المعلن واستعادة السيادة الوطنية، واستكمال بناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ومحاربة أذرع الإرهاب. التفاؤل الذي أحاط بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة لم يمنع عودة موجة العنف عشية تشكيلها حيث قتل سبعة أشخاص علي الأقل في هجمات متفرقة في البلاد مما يشير إلي أن التحدي الأمني لا يزال هو أكبر التحديات التي يجب علي حكومة المالكي الجديدة مواجهتها. التشكيل الوزاري الجديد الذي ضم أكبر عدد وزراء في تاريخ العراق لم يخرج عن كونه تشكيلاً سياسيا لتحقيق توافق بين الفرقاء العراقيين بعد شهور من المساومات السياسية التي لم تنجح حتي الآن في فض التكوين الطائفي والعرقي للسياسة الداخلية.