تزامن مع عرض مسلسل "كليوباترا" حاليا علي عدد من الفضائيات موجة حادة من الهجوم والنقد من قبل المتخصصين.. ومن المفترض أنه يتناول شخصية وفترة حياة الملكة كليوباترا السابعة، والمسلسل سيناريو وحوار قمر الزمان علوش وإخراج وائل رمضان، وسبب الهجوم وجود العديد من الأخطاء التاريخية والأثرية الجوهرية في المسلسل والتي يمكن أن يلاحظها المتخصص من الحلقات الأولي، وعلي رأسهم الأستاذ الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار. لقد ذكرت الممثلة سُلاف فواخرجي بطلة المسلسل في إحدي حواراتها أنهم في هذا المسلسل "لا يحرفون التاريخ لان هناك عالم ودكتور آثار متخصصا يتابع ما يقومون بعمله وقام بتوثيق كل شيء ويتابع مع المخرج". ثم تكمل حديثها وتذكر أن ما قيل عن الاعتراض علي اختلاق المؤلف لشخصية "كاري" التي قدما الممثل فتحي عبد الوهاب لا يعنيها لأنهم يقدمون عملا دراميا وليس تاريخا ومن خلال شخصية "كاري" يظهرون مدي تواصل الملكة بعامة الشعب وحبها لهم كما ذكر أيضا الممثل فتحي عبد الوهاب في أحد حواراته التليفزيونية عن المسلسل بأن شخصية "كاري" شخصية رمزية تشير إلي الحب بين الملكة والشعب وان هذا يرجع إلي عبقرية المؤلف في كتابة النص. استقراء التاريخ وتحريفه إذا كان المسلسل هو مجرد عمل درامي فلماذا يلتزم فريق العمل إذن بوجود عالم آثار ودكتور متخصص بمتابعة وتوثيق كل شيء كما ذكرت بطلة المسلسل، ومن ناحية أخري إذا كان موجوداً فكيف يوجد كل هذا الكم من الأخطاء التاريخية التي لا ينفي وجودها الاستمرار في إنكارها. يري الأستاذ الدكتور زاهي حواس انه ليست هذه أبداً الحياة المصرية الفرعونية التي امتزجت بالحياة اليونانية، وفجرت طاقة عظيمة في مصر خلال عصر البطالمة. وإنه بالرغم من أن الدراما تتطلب إضافة شخصية وحذف أخري، لكن هناك أسسًا تاريخية لا نقبل تحريفها مثل شكل المعابد والملابس وطريقة الحياة، وصناع هذا العمل فشلوا في الوصول إلي الشكل الحقيقي لهذه الأشياء المهمة، فهم حرفوا كل شيء. وفي تصريح خاص للقاهرة أكد الدكتور أحمد عتمان أستاذ الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الآداب بأن المؤلف من حقه أن يتصرف في المادة التاريخية بحيث لا يخالف التاريخ ولا يلوي عنقه، فبهذا يزوّر التاريخ وينشر الأخطاء ويثبتها في أذهان العامة وهذا اعتداء علي تراثنا. ويضيف د. عتمان: يعود النجاح في انجاز عمل ثقافي وفني إلي الدراسة الجيدة والأمانة في بذل الجهد، وعدم الاستسهال في تقديم الأعمال التاريخية، إذ المؤلف يستقرئ التاريخ ويستنبط المفردات ويتحدث عنها ولكنه لا يغير في التاريخ. فعلي سبيل المثال - والكلام للدكتور عتمان- عندما قمت بكتابة مسرحية "كليوباترا تعشق السلام" بعد دراسة استمرت لعشر سنوات تلك المسرحية ترجمت لأربع لغات، واستخدمت كمرجع في إعداد الرسائل العلمية. وقد حصدت نجاحا كبيرا علي المستوي الثقافي والمادي حيث أعيدت طباعتها أكثر من مرة. ويضيف د. عتمان أن قطاع الإنتاج المصري لا يحترم عقول المشاهدين فانه يبيع ماء ملوثا في حارة السقايين ولقد أهدر أموالا طائلة وأضاع وقت المشاهدين في الإشارة إلي أخطاء فادحة، فأصبح يبيع تاريخنا وتراثنا بأرخص الأثمان. فن استخدام المفردات كيف يمثل الشعب المصري لص هو كاري؟ فاذا كان الممثل المصري فتحي عبد الوهاب قد ذكر في حواره التليفزيوني سالف الذكر أن هذا الدور الذي يتضمن علاقة حبه لكليوباترا، يرجع إلي عبقرية المؤلف في كتابة النص، فإن د. احمد عتمان يري أن هذا كلام فارغ، ويتساءل أين الشخص المصري المحترم؟ أين الفلاح والراعي المصري؟ أين شخصية المصري الجاد الطيب؟ أليس هناك إلا هذا اللص ليمثل الشعب المصري؟! ويذكرالأستاذ الدكتور هاني حنا عزيز أستاذ علم المتاحف بالمعهد العالي للدراسات القبطية، أن شخصية "كاري" أو بالأحري فكرة تقديم شخصية ما ممثلا للشعب المصري إذا جاز هذا التعبير لم تكن أول مرة يتم ابتكارها في قصة عن الملكة كليوباترا، فقد ضمنها الكاتب إبراهيم الورداني في فيلم "القبلة الأخيرة" حيث تضمن الفيلم قيام الفنان رشدي أباظة بدور مخرج يقوم بإخراج فيلم لكليوباترا التي تقوم بدورها زوجته التي جسدتها الفنانة ماجدة حيث يقدم لنا طموحه في تقديم فيلما عن نزوات كليوباترا وليس فيلما تاريخيا، معتبراً انه يقدم فيلم من وجهة نظره الخاصة عن كليوباترا كما ورد بنص الفيلم، وقدم شخصية عشيقها العبد المصري "رامي" وعبّر عن علاقة الحب الساخنة بينهم. و نجد في شخصية "رامي" شخصية العبد المصري الشهم والطيب، ولا نغفل أن قصة كليوباترا بالفيلم لم تكن هي القصة المحورية فكل ما ورد بها كان خلفية في الأحداث للقصة الرومانسية الرئيسية. ويضيف د. حنا أنه من المهم أيضا أن أشير إلي المشاهد البسيطة المتعلّقة بتصوير فيلم كليوباترا وسط مشاهد الفيلم الرئيسي فقد قدمها المخرج الكبير محمود ذو الفقار بمهارة من حيث الديكور والملابس حتي تصميم الرقصة البسيطة التي أديت أمام كليوباترا أفضل بكثير من الحركات الساذجة غير المتقنة التي قُدمت في الحلقة الأولي من المسلسل، ومع ذلك فإن هذا الفيلم من إنتاج 1967 ولم تكن قصة كليوباترا هي محور الفيلم. علاقة المصريين بكليوباترا فيما يختص بطبيعة العلاقة بين الشعب المصري والملكة كليوباترا يذكر الأستاذ عاطف عوض مدرس الآثار بالمعهد العالي للدراسات القبطية أن علاقة كليوباترا بالشعب لم تكن قط بهذا العمق والحب لكي يرمز له بعشق بين رجل وامرأة. ويذكر انه كان هناك انفصال بين الطبقة الحاكمة وبين الشعب حيث انه كان من الصعب أن يكون هناك تلاحم واتصال وثيق بين طبقة حاكمة لها أصول أجنبية يونانية وبين الشعب مع اختلاف البيئة والثقافة واهم من ذلك وطنية الشعب المصري، خاصة أن الملوك البطالمة لم يتحولوا إلي مصريين ولكنهم تمصروا لأجل التقرب للشعب، واظهروا هذا التقرب خاصة في الأماكن التي يتركز بها المصريون كالوجه القبلي فنجد فيه معابد بطلمية متعددة، أما في الوجه البحري حيث يكثر وجود عناصر أجنبية مع المصريين فيندر وجود المعابد البطلمية بل نجد بالأكثر معابد يونانية خالصة. ويؤكد ذلك الثورات التي قام بها شعب الإسكندرية ضد الملكة كليوباترا وتخوفها هي أيضا منها مثال علي ذلك هروبها إلي الحدود الشرقية بعد نجاح أخيها في إثارة شعب الإسكندرية ضدها بسبب رغبتها في الانفراد بالسلطة بعيدا عن بطليموس الثالث عشر. وأخيرا فالمعروف انه إذا كان المؤلف يريد أن يقدم شخصية تاريخية ما من خلال إبداعه الشخصي، حيث يضيف ويستبعد من تاريخ شخصيتها وحياتها مبتعداً عن الحقائق التاريخية التي يلزم ألا يتجاهلها، فإنه يجب إضافة تنويه إلي مقدمة المسلسل بأن المسلسل لا يلتزم بالأحداث التاريخية وأنهم يقدمون قصة خيالية من وجهة نظر الكاتب كما يكتب مثل هذا التنويه في العديد من الأعمال الدرامية، وذلك لتعريف المشاهد خاصة من لم يدرس هذا التاريخ. وأخيرا يطالب د. عوض فريق العمل بالمسلسل ولاسيما مؤلفه ومخرجه بالإفصاح عن اسم هذا المتخصص في التاريخ والذي راجع العمل بناء علي ما ذكرته الممثلة سُلاف والذي استقوا منه أحداث المسلسل وتكوين رأيهم عن شخصية كليوباترا وذلك احتراما لعقلية المشاهد العربي.